أبدى آباء وأمهات قلقهم من إدمان أبنائهم الألعاب الإلكترونية، وفي مقدمتها «الفورت نايت»، بعدما لاحظوا تقمص الأبناء حركات اللعبة في مواقف عدة أدعوا فيها أن يكونوا ملتزمين السكون، ما يشير إلى أن هذه اللعبة استحوذت على عقولهم، وتفكيرهم وجعلتهم يتماهون معها من فرط التأثر بها، عبر سلوكيات حركية لا إرادية تخرج عن إطارها الطبيعي، أثناء وقوفهم وجلوسهم وفي مواقف أخرى تتطلب منهم الانتباه والتركيز، فيما حذر تربويون من خطورة هذه الألعاب وأضرارها الاجتماعية. وكان مقطع فيديو جرى تداوله أخيراً، ويظهر عدداً من طلبة المرحلة الابتدائية يقومون خلال طابور الصباح بحركات لا إرادية يمنة ويسرة، تكشف مدى تأثرهم بلعبة «الفورت نايت»، ما أثار حفيظة وقلق تربويين. وقال ماجد الحربي (معلم ابتدائي)، إنهم لاحظوا أثناء الطابور الصباحي في المدرسة أن بعض الطلاب يقومون بحركات غير طبيعية باليدين، وهي عبارة عن رقصة مستوحاة من لعبة «البلاستيشن» تسمى «الفورت نايت»، وهم يقومون بالحركات نفسها وهم في فصولهم الدراسية، وفي الفسح وعند الحديث مع زملائهم، مبيناً أن هذه الحركات التي تصدر من الطلبة لا يشعرون غالباً بأنهم يتقمصونها، وتزامنت مع ظهور هذه اللعبة، وانتشارها بين الأطفال والمراهقين، منوهاً بأهمية تثقيف الطالب، ورفع نسبة الوعي لديه بمخاطر هذه الألعاب بمشاركة أولياء أمورهم. وأضاف لـ«الحياة» أنه يعاني هو نفسه من هذه المشكلة مع ابنه الذي يعيش مع والدته، فهو لا يستطيع الانفكاك عن هذه اللعبة، متسمراً أمامها أربع ساعات يومياً، «ما انعكس سلباً عليه في حركاته التي تبدو عليه كثيراً عند اصطحابي له أو ولقائي به»، مضيفاً أن هذه اللعبة تستنزف العقول والمال أيضاً، وقد دفع الحربي خلال ستة أشهر حوالى خمسة آلاف ريال قيمة بطاقات الشحن التي تتطلبها اللعبة للمزيد من الحماسة والتعلق بها. من جهتها، أوضحت هند الشريم (ربة منزل) أنها تعاني من تعلق ابنها الذي يدرس في الصف الثالث الابتدائي بـ«الفورت نايت»، وما يزيد المعاناة عدم مساندة أفراد أسرتها لحل هذه المشكلة، فهم يشجعون ابنها على أداء رقصتها، ويضحكون معه ويؤلمها ذلك. وأضافت: «قررت شن حرب ضد هذه الألعاب ومنعتها عن ابني أيام الدراسة، وسمحت بها في إجازة آخر الأسبوع، إلا أنني سرعان ما قررت أن أعيد النظر في السماح بها خلال أوقات محدودة جداً»، واصفة الوضع بأنه «مخيف»، إذ إن ابنها انخفض تحصيله الدراسي وبدا عليه النسيان، وعدم الرغبة في الدراسة، إضافة إلى أنه أصبح أكثر عصبية وفرطاً في الحركة، ويضع رأسه أحياناً إلى أسفل ورجليه إلى أعلى هرباً من أي التزام دراسي». وتابعت تقول: «بدأت خطة علاجية بإبعاده عن هذه الأجهزة رويداً رويداً، في البداية كان يشعر أنه بلا هدف ويدور في المنزل ثم ينتقل إلى الفناء ويلعب بالسكوتر، ثم عمدت إلى أخذه إلى الحديقة، لممارسة لعب الكرة والألعاب الحركية عموماً، ومنعت عنه جهاز الألعاب»، مشيرة إلى أن ابنها حين يمارس هذه الألعاب تدمع عيناه، ويسيل أنفه أثر التركيز فيها. من جانبها، أكدت المستشارة الأسرية حصة المحيميد خطورة هذه الألعاب وأبرزها «الفورت نايت»، مشيرة إلى أن أخطارها وآثارها السلبية غير مرئية وهو مكمن الخطر، كما أن لها أضراراً اجتماعية تتمثل في الانطوائية والعزلة، وأخرى نفسية على المدى البعيد في حال الممارسة المستمرة وتتشكل بسببها شخصية عديمة الثقة بالنفس، جراء ضعف الاحتكاك المباشر بالآخرين، كما تولد اللعبة العنف والقسوة، والعصبية، وكثرة الانفعال، ورفض التعاون، ومعارضة الوالدين فضلاً عن عدم تقبل التوجيهات، وخشونة وقسوة في التعامل مع أفراد الأسرة، بسبب وقوعه ضحية التربية الإلكترونية السيئة بعيدةً عن عين الرقيب. وبينت أن من تأثيرات اللعبة السلبية أن تكون شخصية الطفل ضعيفة، ومهزوزة من الداخل، ما يسهل التأثير عليه وعلى أفكاره بإدخال الأفكار الهدامة والانحلال في الفكر والعقيدة فيتحول بعدها إلى عقل مدمر لوطنه وأسرته ونفسه، ناهيك عن الوصول لقناعات قاتلة قد تصل إلى قتل النفس البشرية بكل سهوله لغياب عين المربي والرقيب والراعي لرعيته. وعزت ذلك إلى أنه أثناء ممارسة اللعب يكون هناك مشاركون من مختلف مناطق العالم، وقد تكون أجنبية ممن يحملون أفكاراً عقائدية دينية مخالفة ومدمرة، فتتغير أفكار هذا الطفل دينياً، وتنحرف إلى طريق غير قويم بخفاء ومن دون علم الآباء وهذا ما يدفع ثمنه مجتمع بأكمله. أما عن أضرارها الصحية، فأوضحت المحيميد أن الأطباء ذكروا أخطاراً كثيرة ناجمة منها من بينها: «الصداع والشعور بالإجهاد، الإرهاق، الإصابة بتشنجات في عضلات الرقبة، وآلام في الأكتاف والظهر، وفي فقرات العمود الفقري التي تصل ما بين الرقبة، والتعرض لمشكلات في التركيز الذهني وحدوث خلل في نشاط الذاكرة وضعفها على لمدى الطويل، إلى جانب مشكلات أخرى يتعرض لها المخ والأعصاب». وأوصت بالتوعية بخطورة إﺩﻣﺎﻥ الطفل ﺍﻷﻟﻌﺎﺏ ﺍلاﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻴﺔ، حيث أنها تقتل الذكاء ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﻋند ﻛﺜﻴﺮ منهم، ونصحت بعدم شراء الجهاز للصغار مهما كان، لافتة إلى أهمية أن تكون للوالدين كلمة صارمة في ذلك بالمنع التام، وفي حال كان الجهاز موجوداً مسبقاً ويصعب إبعاده عنهم فمن المهم وضع شروط لاستخدامه تتمثل في: المحافظة على الصلاة في وقتها، اللعب في وقت محدد مع الالتزام بذلك، وعدم الانفراد بالجهاز واللعب في مكان واضح، وضبط الانفعال وعدم رفع الصوت، وتحديد الألعاب المناسبة لعمره، ومنع اللعب في يوم الجمعة منعاً باتاً، ومقتصراً في نهاية الأسبوع فقط، ومشاركة الأهل والقيام بمهام لهم، والاهتمام بنظافته الشخصية وبدراسته ومدرسته، وتقنين وتنفيذ العقاب حال إخلاله بالشروط. ورأت المحيميد أن على الوالدين إيجاد حلول لمعالجة إدمان الطفل الألعاب كتشجيعه على الأعمال، والألعاب الحركية البديلة، وتكليفه ببعض المهام المنزلية المناسبة لعمره مع دعمه معنوياً، ومن المهم تعزيز جانب القراءة والإطلاع، ومشاركة الابن لوالده باصطحابه معه في مهامه البسيطة بما يصقل شخصيته، وتدريبه على الاعتماد على النفس، مؤكدة ان كثيراً من الآباء تهاون بذلك، وترك الأبناء الذكور في البيت، وهذا لا يوافق تركيبتهم الفطرية، وحاجتهم للتربية العملية من الآباء. وشددت على أن المحافظة على الصلاة في المسجد، والخروج من المنزل، ومشاركة الآخرين سواء بحلقة تحفيظ، أم نوادٍ رياضية، ومراكز ثقافية كفيل بإبعاد الطفل عن أضرار تلك الألعاب. ووافقتها الرأي مدربة تطوير الذات ليلى الأحمد حول وضع ضوابط لاستخدام هذه الألعاب، مشددة على عدم تراخي الوالدين في تطبيق تنظيم الوقت، مبينة أن له الأثر القوي الفعّال على سلوك الأبناء ومنها: النوم باكراً للابن حتى وإن وصل إلى مرحلة الثانوية، وتطبيق سياسة الثواب والعقاب بطرق تربوية تشجع الابن على ممارسة أنشطته سواء داخل المنزل أم خارجه، لافتة إلى أهمية تضافر الجهود داخل الأسرة بالتعاون مع كل أفرادها. مستشارة تربوية تشدد على أهمية توعية الآباء والأمهات بأخطار الألعاب عزت المستشارة التربوية الدكتورة زينب الإبراهيم أسباب إدمان الأبناء الألعاب الإلكترونية إلى نفاد صبر الأم، فهي ليس لديها الوقت الكافي، وتحمل الجلوس مع الأبناء والحديث معهم، أو توفير الألعاب التي تتميز بالحركة لهم، وقالت: «كنت يوماً في مطعم ولفت انتباهي جميع الأمهات يضعون أجهزتهم النقالة أمام أطفالهم، كي يتحاشوا ضجيجهم ويلتزمون الهدوء»، مشيرة إلى أنها مشكلة ونحن خلقناها. وأضافت لـ«الحياة»: «حدثتني إحدى السيدات عن تجربتها مع صغيرها البالغ من العمر خمس سنوات ولم يعد يرغب بالخروج من المنزل، إذ إن كل ما يطلبه من ألعاب وأجهزة مسلية متوافرة من حوله، وعندما شعرت بخطرها عليه منعتها عنه، غير أن الأم فوجئت بتحول سلوك ابنها إلى العنف، فقد أصبح عنيفاً كالمجرم لا يطاق حتى مرت ثلاثة أيام فبدأ يتغير، ويرغب أن تصطحبه والدته معها، واخذ شيئاً فشيئاً الاستمتاع بطفولته في حياته الحقيقية التي كان سيفقدها». وبينت أن الأهالي يشعرون بالذنب أحياناً عندما يجدوا أبنائهم يشعرون بالملل، وخصوصاً في الإجازات فيهرعون إلى إلحاقهم بفصول دراسية، ودورات عدة، مبدية اتفاقها مع رأي طبيب مختص يقول: «دعوهم يطفشون فهو ليس بالأمر السيئ، الملل يولد الإبداع، فكلما بذلنا لهم العطاء ومنحناهم الألعاب، والمتع كلما طلبوا المزيد، ليس من الضروري إشغال وقتهم طوال 24 ساعة». وشددت الإبراهيم على أهمية توعية الآباء والأمهات بأخطار هذه الألعاب، إذ من الضروري القيام ببرامج وحملات توعوية وإعلامية مؤثرة ذات مستوى عال في المحتوى والإخراج، حتى تحدث الفرق في نفوسهم، كذلك المدرسة لها دور، والحي له دور هو الآخر في تفعيل أنشطة حركية محببة للصغار.
مشاركة :