سليمة لبال – يُنتظر أن تبدأ السيدة الأميركية الأولى السابقة ميشيل أوباما جولة للترويج لكتابها الجديد، الذي يروي عدداً من التفاصيل المثيرة عن طفولتها ولقائها باراك أوباما ثم مرافقتها له إلى البيت الأبيض. في سيرتها الذاتية، التي نشرت صحيفة لوموند الفرنسية مقتطفات حصرية منها، أعادت ميشيل سرد تفاصيل «الأوديسة» التي قادتها إلى البيت الأبيض، وهي القادمة من حي شعبي في شيكاغو. وتقول في كتابها إنها كانت دوماً تتساءل عما إذا كانت في المستوى كلما خطت خطوة في حياتها. صدرت أمس مذكرات ميشيل أوباما، في ثلاثة أجزاء مترجمة إلى 31 لغة، وطُرحت ملايين النسخ من الكتاب للبيع في الولايات المتحدة. وتتحدث ميشيل في المذكرات عن زوجها قائلة: «كان قادماً جديداً، أسود، مطارداً تاريخياً من البيض. برز من العدم باسم وتاريخ غريب، على أمل أن يلامس الوتر الحساس للناخبين الديموقراطيين.. ومثلما اعترف خبراء الحزب لاحقاً، كان اختيار باراك أوباما رهاناً يتضمن مخاطرة حقيقية». أصبحت الجملة التالية: «علينا أن نؤمن بأنه خطاب حقيقي» الفكرة المهيمنة عليّ، وأصبحت أرددها كثيراً في حديثي إلى باراك أوباما بعد سهرة 27 يوليو 2004. وتضيف: «كلما كان تحت الضغط، كان يبدو هادئاً، لقد قضى عدة أسابيع في تسجيل نقاط لصياغة نصه، الذي كان سيلقيه في إلينوي للترشح لانتخابات الرئاسة. لقد حفظه عن ظهر قلب، كما كرّره بعناية، لدرجة أنه لم يكن في حاجة إلى جهاز للقراءة، إلا إذا خانته أعصابه أو فقد الذاكرة. لكن ما حدث كان غير ذلك. ما أن رأى باراك الجمهور وشاهد كاميرات التلفزيون حتى شعر وكأن محركاً داخلياً، بدأ يعمل… لقد ابتسم وانطلق..». في ذلك اليوم اقتنع الجميع بأن باراك إنسان جيد ويؤمن بالديموقراطية، وأعتقد أني في تلك اللحظة قررت أن أتوقف عن التفكير في قدرتي عن ثنيه وأتراجع عن اعتقادي بأنه لن يكون أبداً ملكاً لغيرنا أنا وابنتيه. كنت أسمع نبضات قلبه في التصفيقات… ردُّ فعل وسائل الإعلام على خطاب باراك كان يجيش بالعواطف، فيما صرح كريس ماثيوز لصحافيي إن.بي.سي «لقد رأيت أول رئيس أسود للتو»، ما الذي حصل له؟ لم أعد قادرة على المتابعة. في نوفمبر، انتخب باراك عضواً في مجلس الشيوخ، بعد أن افتك 70 في المئة من الأصوات، وحصل على أغلبية مهمة بين البيض والسود واللاتينيين والنساء والرجال والأثرياء والفقراء وسكان المدن والضواحي والأرياف. وحين ذهبنا إلى أريزونا، كان هناك مؤيدون له، وهناك استطعت أن أقيس شهرته، وتبين لي أن البيض يعترفون به الآن. معضلة الترشح من عدمه كان زوجي سيناتورا وكان الجميع يرغبون في أن يعرفوا ما إذا كان سيترشح للانتخابات الرئاسية في 2008. لم اكن اجهل أن باراك تحدث مع أصدقاء ومستشارين ومانحين وأبلغهم بانه يفكر في الترشح لكنه كان يتفادى التحدث معي في الموضوع. كنت زوجة سيناتور، ولكني كنت أيضا أشغل وظيفة كانت تهمني. في الربيع كنت قد أصبحت نائبة رئيس المركز الاستشفائي لجامعة شيكاغو. «لقد كان يرغب في الترشح، كان يرغب في ذلك ولكن ليس أنا. كنت اريد باراك من أجل عائلتنا، بينما كان آخرون يريدونه لبلادنا». كنت أحب عملي وإن لم يكن عملا مثاليا، لكني كنت أحب حياتي. وبينما كانت ساشا، تستعد لدخول المدرسة الابتدائية، كنت أشعر بأني سأدخل مرحلة جديدة تستيقظ فيها طموحاتي وارسم فيها سلسلة اهداف. ما الذي ستكون عليه تداعيات الحملة الرئاسية؟ ستُنسف كل هذه المشاريع. كنت أنا وباراك قد عشنا 5 حملات انتخابية في ظرف عشرة أعوام، وكل واحدة منها أجبرتني على القتال بشدة حتى أتمكن من التشبث بأولوياتي. كل حملة من هذه الحملات الانتخابية تركت ندبا صغيرا في روحي وفي عائلتنا الصغيرة، وكنت اخشى أن تنقلب حياتنا بعد الحملة الرئاسية. كنت آمل أن يضع باراك نفسه حدا لكل التخمينات والتوقعات ويعلن خروجه من السباق ويدفع وسائل الاعلام إلى توجيه أنظارها بعيدا عنه، لكنه لم يفعل ذلك. كان يريد أن يترشح، كان يريد ذلك وأنا لا، كنت أريد باراك أوباما لعائلتنا. كنت أعي جيدا بأن عليّ أن افكر وانتهيت إلى فتح الباب وترك المجال أمام هذا الاحتمال ليفرض نفسه. لقد تحدث معي باراك في الموضوع عدة مرات وفحصنا المسألة من كل الزوايا، الى أن سافرنا في اعياد الميلاد الى هاواي وزرنا جدة باراك في توت. وحتى خلال إقامتنا هناك، كانت بعض أحاديثنا تنتهي بالدموع والتوتر، والبعض الآخر منها سمح لنا صراحة بالتقدم.. في الواقع كانت احاديثنا هي امتداد لحوارنا منذ 17 عاما «من نحن؟ وما الذي يهمنا؟ وما الذي يمكن أن نقوم به؟». في النهاية قلت نعم لاني كنت أعتقد أن باراك يمكن أن يكون رئيسا كبيرا. لقد كان متأكدا من نفسه مثل قلة من الناس، وكان يملك الذكاء والانضباط الضروريين لتحمل هذه المهمة والمزاج القادر على مواجهة الضربات.. لقد كان محاطا بأناس جيدين وأذكياء ومستعدين لمساعدته، فبأي حق سأوقفه؟ لقد قلت نعم، بينما في أعماقي هناك شعور مؤلم يتعزز الا هو عدم قدرتي على مشاركته مع آخرين.. لقد دعمته خلال الحملة وكنت اعتقد انه لن يمضي إلى النهاية. كان يتحدث غالبا وبشغف كبير عن عزمه سد الثغرات في بلادنا، بالترويج للأفكار النبيلة، التي كان يؤمن بأنها موجودة لدى غالبية الناس، ولكني كنت أرصد هذه الثغرات والانكسارات عن قرب، حتى أكبح احلامي: كان باراك اسود قبل كل شيء في اميركا ولم اكن أؤمن بفوزه أبدا. ترامب والنساء منذ طفولتي كنت مقتنعة بأن عليّ أن أندد بالوحوش الصغيرة من دون أن أنزل الى مستواهم. ولنكن واضحين، نحن الآن أمام رجل يسيء إلى الأقليات ويعبر بكل حرية عن ازدرائه واحتقاره لسجناء الحرب ويستهزئ ببلادنا في كل تصريح من تصريحاته. أردت أن يفهم الأميركيون بأن للكلمات أهميتها وبأن خطاب الكراهية التي يروج لها، لا يعكس اصالة بلادنا وبأنه بمقدورنا أن نصوت ضده. كنت أريد مخاطبة الكرامة والقول إننا أمة تستطيع التمسك بهذه القيمة الاساسية التي حملتها عائلتي منذ أجيال. لقد سمحت لنا الكرامة بالتغلب دوما على أي شيء.. كان خيارا بالنسبة إلينا، لكنه لم يكن الخيار الاسهل دوما، ولكنه كان خيار أشخاص أحترمهم جدا في حياتي. حين سمعت هذه المقتطفات (التسجيل الذي نشر في 2016 ويظهر فيه دونالد ترامب وهو يتباهى ويتبجح بكلمات بذيئة في حق النساء) لم أصدق أذني، كانت عباراته تحمل كراهية لم تكن منتشرة عادة في كل الاوساط، ولكنها بقيت مروعة وحية في الوعي الجمعي لمجتمعنا، الذي يفترض ان يكون مستنيرا لدرجة لا تسمح لواحد مثل ترامب بأن يتلفظ بمثل هذه الالفاظ.. كل امرأة من معارفي ادركت ذلك، إنه شكل من اشكال السلطة الأكثر دناءة.. لقد استشطت من الغضب بعد ان استمعت الى التسجيل. كثيرا ما هُدّدت او تعرضت للسخرية او الاستخفاف لاني سوداء وامرأة وصريحة وتلقيت تصريحات ترامب كضربة إضافية.. لن استطيع ان اترك هذا يمر.. فامام جمهور مشحون، قلت بصراحة ما أفكر فيه «ليس أمرا عاديا.. هذه ليست السياسة التي نعرفها، إنه لأمر معيب وعار. إنه أمر لا يطاق»، وبعدها عدت الى واشنطن بعد أن اسمعت صوتي. من المحزن والمخيب للأمل أن نلاحظ بأن سلوك الرئيس الحالي وبرنامجه السياسي دفعا الكثير من الاميركيين الى الشك في أنفسهم وعدم الوثوق في الآخرين بل والخوف من بعضهم. آخر مرة فوق سور البيت الأبيضصراع المشاعر يوم تنصيب ترامب عن آخر مرة في البيت الأبيض قالت ميشيل: {آخر مرة اجتزنا فيها أنا وباراك أسوار البيت الأبيض كانت في 20 يناير 2017، حين رافقنا دونالد وميلانيا ترامب لحفل التنصيب. في ذلك اليوم اختلجني خليط من المشاعر الملتبسة.. كنت متعبة وفخورة ومذهولة وفاقدة للصبر أيضًا وكنت أحاول على الخصوص أن أظهر في صورة جميلة، علما أن كاميرات التلفزيون كانت تتابع كل حركة منا.. لقد عزمت أنا وباراك على ان تتم مراسم تسليم السلطة بكرامة وأن ننهي اعوامنا الثمانية من دون أن نقوض مُثُلَنا العليا ولا نؤثر في دمنا البارد.. كنا نقترب من الساعة الاخيرة. حين كنت جالسة لثالث مرة على منصة التنصيب أمام مبنى الكابيتول، كنت أصارع نفسي من اجل ان اتحكم في مشاعري.. لقد اختفى التنوع الكبير الذي ميز حفلَي التنصيب الأخيرين وعوضته بانوراما، بدت لي موحدة بشكل خيَّب أملي، لقد كان ذلك المشهد الذي تسيده البِيض والرجال الذين لطالما رأيتهم خلال وجودي في البيت الابيض خاصة في الدوائر الاكثر حظًا وكواليس السلطة التي استطعت أن أصل إليها منذ أن غادرت منزل والدي. ما كنت اعرفه بعد ان عملت في اوساط مهنية واخترت محامين لمؤسسة سيدلي أند اوستن ومستخدمين في البيت الابيض، هو أن الزي الموحد او التوجه الواحد يولّد دوما التوجه الواحد، ما لم نبادر الى التفكير في علاج الوضع. وأنا أشاهد الـ300 شخص الذين كانوا يجلسون على منصة الشُرَف هذا الصباح، وضيوف الرئيس المشهورين وهم يدخلون، فهمت فورًا أن لا احد اتخذ زمام هذه المبادرة داخل البيت الابيض الجديد. لو كنا في زمن باراك اوباما، لقال مستشار من إدارته إن الامر ليس جيدًا بالنسبة للصورة وإن ما يراه الجمهور لا يعكس تمامًا قيم الرئيس ومُثله. حين أدركت ذلك ركزت نظري على الصورة التي كنت أراها وتوقفت عن إجبار نفسي على التظاهر بالابتسامة}. أنا حرة الآن ولن أترشح للرئاسة تقول: لان الناس غالبا ما يطرحون السؤال علي، أقولها هنا بكل وضوح، ليست لدي اي نوايا للترشح لانتخابات الرئاسة في يوم ما. حين تنتهي فترة الولاية وتغادر البيت الابيض في هذا اليوم الاخير، يتعين عليك ان تعثر على نفسك.. لاول مرة في حياتي، أنا حرة من اي التزام كزوجة رجل سياسي ومتحررة من أي تطلعات لاشخاص آخرين.. لدي ابنتان بالغتان تقريبا، ولكنهما بحاجة لي أكثر من اي وقت مضى، ولدي زوج لا يحمل بلده بين كتفيه.. في الـ54 من عمري لا أزال دوما «وأصبحت» وآمل ان اكون كذلك إلى الابد . ولانهم يطرحون علي السؤال مرارا ،أقول هنا بشكل واضح جدا اني لن اتقدم للانتخابات الرئاسية في يوم ما. السياسة لم تكن ابدا شغفا بالنسبة لي وتجربتي خلال السنوات العشر الماضية لم تغير شيئا في. سأواصل الانزعاج من التفاهة الحزبية والفصل القبلي بين الاحمر الجمهوري والازرق الديموقراطي، هذه الفكرة التي ينبغي ان نختارها معسكرا نتمسك به من دون ان نعبأ بالبحث عن تفاهمات. أنا مقتنعة بأن السياسة في شكلها الاكثر نبلا يمكن ان تكون شعاع تغيير إيجابي، ولكن هذه الساحة ليست مهيأة ببساطة لي. صورنا في الغاليري الوطني تؤثر فينا تضيف: اليوم هناك صور لي أنا وباراك معلقة في الغاليري الوطني في واشنطن وهذا ما يؤثر في كلينا كثيرا. أشك أن ما من أحد كان يتصور أن نكون يوما ما في هذه القاعات بالنظر الى طفولتنا واصولنا.. اللوحات جميلة ولكن ما يهم أكثر هو انها هنا ليراها الشباب وحتى تساهم وجوهنا في مكافحة الفكرة التي تشيع بأن عليك ان تكون بهذا الشكل حتى يسجل اسمك في التاريخ. إن كانت لدينا مكانتنا في هذا البلد، فهذا يعني أن كثيرين آخرين بمقدورهم ان تكون لهم مكانتهم الخاصة» أُجهضت.. ولجأت إلى التلقيح لإنجاب ساشا وماليا في الجزء الثاني من كتابها تتحدث ميشيل عن حياتها كزوجة وكيف واجهت هي وزوجها مصاعب الحياة كمعاناتها من الاجهاض اول مرة ولجوئها الى التخصيب لانجاب ابنتيها ماليا وساشا ثم معاناتها بسبب غياب باراك حين كان عضوًا في مجلس الشيوخ وكيف كانت تتردد على مستشار علاقات زوجية، ساعدتها جلساته على فك كل العقد التي ميزت علاقتها بزوجها في تلك الفترة، لتروي في ما بعد تفاصيل ترشحه للرئاسة. لن أسامح ترامب لأنه شكك بزوجي الجزء الثالث خصصته ميشيل للثماني سنوات التي قضتها عائلتها في البيت الأبيض من 2008 إلى غاية 2016 والاجراءات التي اتخذتها لحماية ابنتيها، حيث كانت تحرص على ان يصعد الرئيس يوميا لتناول العشاء معهما قبل أن يعود الى مكتبه، كما تحدثت ايضا عن دونالد ترامب وقالت انها لن تسامحه ابدا لانه عرض أمن عائلتها للخطر بعد ان أطلق في 2011 حملة للتشكيك في ان باراك اوباما ولد في الولايات المتحدة. مسيرة محاربة ولدت ميشيل روبنسون لأب كان يعمل موظفا في البلدية وترعرعت في عائلة متواضعة، لكنها موحدة وتحمل قيما كبيرة. تابعت دراستها في مدرسة الحي ثم في ثانوية في برينسيتون، لتنتقل بعدها الى كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وتلتحق في ما بعد بأشهر مكتب محاماة في شيكاغو. هنا عند هذه المرحلة ينتهي الجزء الأول من مذكرات السيدة الأميركية الاولى سابقا. كانت ميشيل في الـ25 حين التقت أول مرة باراك الذي كان في الـ28 من عمره ولم تتصور أبدا ولو للحظة بأن علاقة ما ستنشأ بينهما، لسبب بسيط هو أنها كانت المشرفة عليه، وأنها تعارض أي علاقة غرامية بسبب انهماكها بالعمل، واما السبب الثالث فهو أن باراك كان مدخنا. شيئا فشيئا تحولت علاقة الصداقة الى حب، لتكتشف المحامية الطموحة شيئا فشيئا شخصية باراك الواثق من نفسه والصريح.
مشاركة :