لم يكن من المفاجئ أو المستغرَب أن تكون وزارة الداخلية، وهي عين البحرين الساهرة على مدار الساعة، عند مستوى الحدث في مباشرة مسؤولياتها الأمنية، وذلك عندما أعلنت أنها ألقت القبض على الخلية الإجرامية التي ضمت أشخاصًا من جنسيات مختلفة، كانوا يتاجرون بأمن البحرين وسلامة مواطنيها والمقيمين على أرضها بارتكابهم جرائم التزوير والرشوة وغسيل الأموال. فوزارة الداخلية بكافة إداراتها وأجهزتها الأمنية متيقظة دائمًا وأبدًا، مؤتمنة على الأمن والاستقرار وعلى سلامة الفضاء العام للعيش المشترك، وهي تترجم هذه الأمانة سهرًا على ديمومة هذا الأمن والاستقرار اللذين ينعم بهما المجتمع البحريني. وما خبر القبض على هذه الخلية، الذي تناولته وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة نقلًا عن موقع وزارة الداخلية الذي نشر الخبر في يوم الثلاثاء الماضي 6 نوفمبر، إلا واحدة من النجاحات الأمنية وعنوانًا للمباغتات المظفرة لوزارة الداخلية ممثلة في الإدارة العامة للمباحث الجنائية، ولا يخفى على أحد أن نجاحًا كهذا لا يأتي بمحض الصدفة بل هو ثمرة عمل دؤوب وجهود مضنية طويلة من التعقب والرصد والتحري لكل من يعمل في الظلام لضرب الاستقرار. ما حصل قد يحتاج إلى شيء من الإيضاح ندرك معه أن لموظفي جوازات المطارات الدولية والموانئ البحرية والمنافذ الحدودية في العالم أجمع أدوارًا من أهمها حماية حدود الدولة من كل أشكال الجريمة المنظمة، وأن عمليات التزوير في وثائق السفر الرسمية لا تقع في خانة ما يمكن أن يثير الاستغراب لديهم لأنها حالات متكررة تحصل بأشكال مختلفة هم أكثر الناس انتباهًا لها، وليس حديثي عن هذا الأمر إلا بحكم خبرة شخصية ذلك أني في عام 1982 ولمدة عامين على التوالي كنت أعمل بدولة الإمارات العربية المتحدة في جوازات المطار بوزارة الداخلية، وقد مرّ عليّ وشاهدت كثيرًا من حالات التزوير والتلاعب بالوثائق الرسمية التي يرتكبها القادمون الأجانب من الدول الفقيرة لدخول الدولة في مغافلة إجرامية للقانون، وقد كان الهدف من هذه العمليات واضحًا بالنسبة إلينا نحن العاملين في جوازات المطار ورجال الأمن فيه إذ كان القصد بحثًا عن عمل، نظرًا لما تحظى به دولة الإمارات العزيزة من رخاء وفرص عمل وفيرة ومغرية. وضوح الهدف من التزوير في الوثائق لم يكن ليخلق حالة من الخوف على الأمن والاستقرار؛ لأن لأمن الحدود رجالًا متيقظين منتبهين، ولكن فيه شيئًا من التقليل من هيبة الدولة بالتلاعب في وثائقها الرسمية، ولهذا كانت الجهات الأمنية لا تتساهل في معاقبة المزورين لمنع تكرار عمليات التزوير. وتجدر الإشارة إلى أنني لا أتذكر أن هناك أسماء وردت لمواطنين قط كانوا متواطئين مع المزورين، أو أنهم يسهلون لهم عملية الدخول بالوثائق المزورة، على عكس ما كشفت عنه وزارة الداخلية في مملكة البحرين من أن هناك متعاونين قدموا التسهيلات إلى الخلية الإجرامية التي ارتكبت جرائم التزوير والرشوة وغسيل الأموال! إنها لجريمة يستحق كل من شارك فيها العقاب، بصرف النظر عن رتبته أو هويته؛ ليكونوا عبرة للآخرين. ما أود أن أشير إليه هو أن تلك التزويرات والارتكابات الجرمية التي تُكتشف آنذاك كانت فردية في معظم حالاتها أو كلها تقريبًا، ولم تكن تتولى إدارتها وتنفيذها مافيات في الداخل والخارج. غير أن الخطير في خبر القبض على العصابة الإجرامية التي تمكنت الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية من تفكيكها، وينبغي أن يستوقفنا لنفكر مليًا في كيفية تقديم الدعم لرجال وزارة الداخلية واقتسام مسؤولية المواطنة معهم، هو بلوغ الأعمال الإجرامية حدًا مخيفًا من التطور، فبعد أن كان التزوير عملًا فرديًا أصبح عملًا منظمًا له ممارسوه من ذوي الارتباطات الداخلية والخارجية، مع تعدد الاهتمامات الجرمية. أي لم يعد الهدف من دخول البلد المعني هو البحث عن عمل كما كان قبل سنوات وإنما الأهداف المرسومة أكبر بكثير من ذلك، رغم أن هذا الهدف لا يبيح دخول البلدان بمغافلة القانون. فالهدف بات أهدافًا، وأضحت هذه الأهداف أكثر شمولية لضرب اقتصادات الدول والإضرار بأمنها واستقرارها ما وسعت هذه العصابات الحيلة. لا شك أن إنجازات وزارة الداخلية الذي يترتب عليه هذه الأمن والاستقرار الملموس الذي ينعم به المواطنون والمقيمون في المجتمع البحريني مصدر فخر واعتزاز. ما ينبغي أن يدركه المواطن والمقيم في البحرين هو المعنى والقيمة من تمكن رجال وزارة الداخلية من القبض على أفراد الخلية المزورة التي أُعلن عنها. فإلقاء القبض على خلية تعمل على جعل منافذ الدخول إلى مملكة البحرين مشرعة أمام زمرة التزوير في الوثائق الرسمية هو بلا شك إنجاز يحمي المجتمع من تكوّن بؤر الجريمة المنظمة، ويحد من مزاحمة الأيدي العاملة الرخيصة للأيدي العاملة الوطنية. كما أن القبض على هذه الخلية كشف لنا أن هناك مواطنين يمكن أن ينساقوا وراء مصلحتهم الشخصية في قبول الرشوة طريقًا للثراء السريع على حساب مصلحة الوطن. ولا بد أن هذا الكشف سيضع معايير جديدة للتوظيف والمراقبة في مرافق الدولة الحساسة، استشعارًا بأهمية صيانة الأمن والاستقرار من عبث العابثين. أما أضرار غسيل الأموال فأبعاد مخاطرها تؤثر في السمعة الاقتصادية للبلد وتكون طاردة للمستثمرين ورؤوس الأموال المتوقع دخولها البلاد لتنشيط الحركة الاقتصادية. هذه المخاطر التي خططت الخلية لزرعها في المجتمع البحريني وضعت العين الساهرة، وزارة الداخلية، حدًا لها. فطوبى لنا بهذا
مشاركة :