في أزمنة الحروب الإقليمية والعالمية، والحروب التي خاضتها الشعوب للتحرر من الاستعمار، ظهرت فئة انتهازية، مغمورة من الرأس إلى أخمص القدمين في مستنقعات الفساد الأخلاقي، جمعت ثروات بطرق مختلفة، رغم الويلات التي عانت منها مجتمعاتها، إلا أن أصحاب تلك النفوس الفاسدة لم تهتم إلا بجمع ثروات هائلة عن طريق خيانة الوطن بتسريب معلومات للأعداء مثلاً، أو بيع السلاح للعدو، أو أسلحة فاسدة، أو احتكار المواد الغذائية واحتياجات المواطنين ومضاعفة الأسعار، أو السرقة والسطو حتى على جثث القتلى، ثم ظهروا بعد انتهاء الأزمات يرفلون في مظاهر الثراء، وعرف مصطلح، «أثرياء الحرب»، وقتها، كتوصيف لهؤلاء الذين لم يرعوا إلّاً ولا ذمة!. هذه النماذج لن تختفي ولن تنتهي إلّا بانتهاء البشرية، ولا يوجد مجتمع خالٍ من تلك النماذج، مهما كان متديناً، وعندما نذكر التدين، لا نعني به فقط الدين الإسلامي، بل كل الأديان، لأنها تحض على مكارم الأخلاق، وتحرم الاستغلال والفساد، وتدعو إلى المحبة والنقاء، لذلك لا يمثل ظهور فساد أو فاسدين في مجتمعنا عيباً في تركيبته أو تدينه، بل هي طبيعة بشرية، لكن المشكلة الحقيقية هي في تهيئة البيئة المناسبة لمثل هؤلاء الفاسدين لممارسة أعمالهم القذرة، وعدم معرفة أفعالهم أو التغطية عليهم أو تركهم يعيثون فساداً ويجمعون ثرواتهم باستغلال مكانتهم الوظيفية أو الاجتماعية، لذلك يتم حصرهم والقبض عليهم وتخليص المجتمع من شرهم حيث لا تنام أعين أجهزة الدولة الرقابية في أي ظرف أو وقت. عندما أعلنت نزاهة يوم الأحد 19/ 4/ 2020م، عن تورط قياديين في وزارة الصحة باستغلال وظيفتهم أو مهمتهم التعاقدية لتوفير سكن للمواطنين العائدين من الخارج، لقضاء فترة الحجر الصحي، بالتعاون مع ستة آخرين، ومالك لأحد الفنادق، في عملية فساد لاستغلال أزمة كورونا، والتربح من مال الدولة بطرق غير مشروعة، تمنينا الحكم عليهم بأقسى عقوبة، لأن الدولة بكامل أجهزتها تعمل لاحتواء هذه الجائحة، والتخفيف من الأزمة الاقتصادية التي يواجهها العالم أجمع بينما تحاول الدولة مساندة المواطن بكل وسيلة، كذلك تعمل وزارة الصحة وعلى رأسها معالي الوزير الدكتور توفيق الربيعة لمواجهة هذا الخطر ومداهمته، وتعمل كل قطاعات الدولة لمحاصرة انتشار الجائحة. كم شعرنا بدناءة هؤلاء، قيادي أو عسكري، وسيط أو مالك، وهم يفكرون ويخططون ويتآمرون على الوطن في ظل ظروف استثنائية، تشبه الحروب التي سمعنا عنها وقرأنا أخبارها ولم نشهدها ربما، لكننا احتقرنا أثرياءها، أي الذين أثروا من استغلال حاجة أوطانهم أو مواطنيهم. العالم أجمع يخوض حرباً ضد فيروس فتك بمئات الألوف وتجاوز ضحاياه المليونين ونصف، بينما يفكر هؤلاء الفاسدون في التربح من الأزمة!. كل فاسد لابد أن يجتث من جذوره كما تجتث النباتات السامة التي تلتف على سيقان الأشجار المثمرة فتضعفها أو تقتلها، وهذا ما قامت به الدولة حفظها الله. سيظهر آخرون ربما ليس هؤلاء فقط، ففي كل مجال وكل قطاع هناك فئة فاسدة، على المواطن أن يكون فطناً، لكن أحياناً يرى ويسمع ولا يملك إثباتاً أو دليلاً مادياً لتأكيد ما رأى وسمع للجهات المختصة، أو أنه يخشى سطوة هؤلاء الفاسدين الذين نزع خوف الله من قلوبهم، فيلوذ بالصمت ويمتلئ بالقهر. ولأن الشيء بالشيء يذكر، أسوق هذه القصة التي تحتاج إلى عيون لا تنام، حيث أنها تؤثر نفسياً وعلمياً وأخلاقياً على أجيال المستقبل، حيث ذكرت لي إحدى الصديقات أن ابنها قرر الانسحاب من الفصل الثاني له في الجامعة في السنة التحضيرية لأنه لم يتمكن من الحصول على الدرجات التي جهد للحصول عليها لأنه كما ذكرت لي لم ينتظم في الفصول الخاصة، التي يجبر الطلبة عليها كي يحصلوا على الدرجات الكاملة وهي تشبه الدروس الخصوصية، ولأن ابنها متفوق ولم يشعر أنه بحاجة لهذه الدروس لم يحظِ برضا بعض أساتذته وانخفض معدله. أرجو أن تكون هذه القضية موضع نظر نزاهة بعد انتهاء هذه الجائحة بإذن الله.
مشاركة :