سألني: ما رأيك أن ترافقني للذهاب إلى مزرعة «فلان»؟!قلت له: ولماذا أرافقك، خصوصاً أنني لا أعرف ذلك الرجل؟!قال: لا... اطمئن فهو مسافر، وأنا «أمون» عليه وعلى مزرعته، ولنقضي وقتاً ممتعاً من النهار هناك، ولكي أجرب أيضاً خلالها ركوب «الحمير»، التي حُرمت من ركوبها في صغري.تعجبت من كلامه وسألته: هل أنت بكلامك هذا تمزح معي أم تستخفّ بعقلي؟!قال: لا والله أبداً، ولكنني بعد أن وصلت إلى هذا العمر اقتنعت بأن الإنسان الذي لا يجرّب أكبر قدر ممكن من الأشياء فهو ناقص، وأضاع عليه في مشوار حياته متعاً لا تقدَّر بثمن.حقيقةً، إنني تبلّمت من منطقه، لهذا ظللت صامتاً لا أرد عليه سلباً ولا إيجاباً، ثم قذف بوجهي السؤال أو بالأحرى الأسئلة التالية: هل حاولت يوماً أن تتعلم اللغة «الهيروغنيقية»؟! هل جربت أن تركب القطار بالدرجة الثالثة أو على سطحه في أثناء زيارتك للهند؟! هل جرّبت الطيران الشراعي؟! هل حاولت أن تأكل الثعابين في الصين؟! هل استمتعت بحمامات الطين بألمانيا؟! هل نمت ثلاث ليالٍ متواصلات في منجم من مناجم الفحم؟! هل خطر على بالك أن تختبر صوتك في مجال الغناء «الأوبرالي»؟! هل جربت أن تحشو فمك بأوراق شجر الكوكا وتمضغها كما يفعل رجل «البيرو»؟! هل ركضت مع الراكضين في أزقّة إحدى القرى الإسبانية وتلاحقكم عشرات الثيران الهائجة؟! هل استمتعت يوماً بمناقرة الديكة وراهنت عليها في «الفلبين»؟! هل جربت الرقص مع الغجريات في أحد الميادين في أوروبا الشرقية؟! هل تلذذت بحلب بقرة أو ناقة أو عنزة؟! هل أحسست ولمست وشعرت بالخيط الفاصل والدقيق بين الحياة والموت، وأنت مثبّت ومربوط الحزام على مقعدك في طائرة تتأرجح بين السماء والأرض تتقاذفها العواصف والمطبات الهوائية من كل جانب؟!أخذ يعدد: هل وهل وهل وهل، إلى درجة أنني خِلتُ أنه لن يسكت أو يتوقف، فما كان مني إلاّ أن قاطعته متسائلاً: طيب اهدأ، اهدأ، «على هونك»، ولكن وبعدين؟!فقال لي: ولا قبلين، ولكن عليك أن تضع حكمة هكسلي حلقة في أذنك عندما قال: إن الإيقاع الطبيعي في الحياة مجرد «روتين» يتخلله المجون والعربدة، وأنا سبق لي أن جربت كل ما ذكرته لك، ما عدا ركوب الحمير.عندها عيل صبري، فما كان منّي إلاّ أن قلت له: «روح الله يرضى عليك اركب الحمير وحدك، فلست من أصحابك».
مشاركة :