سمير جعجع لـ الشرق: وصولي إلى قصر بعبدا يُحجِّم النفوذ الإيراني

  • 1/15/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الشرق بيروت السعودية لا تتدخل في معركة رئاسة لبنان. دور المملكة محوري في الإقليم منذ منتصف القرن العشرين. ملائكة اللحظة الرئاسية «حاضرة» ومعها الحل .. المهم الفوز. كَثُرَ الجدل حول اسمه وأحاطت به الأقاويل، لكنه ظل في عيون مؤيديه في لبنان وخارجه «الحكيم» الذي يحسن التصرف في أحرج المواقف مستنداً إلى بوصلة وحيدة يقول هو إنها «لبنان» الدولة والكيان الوطني الواحد ولا شيء سواه، ويرددها من ورائه من يؤيدونه مرشحاً للرئاسة اللبنانية في مرحلة عصية على الحل وعصية على الفهم. الدكتور سمير جعجع، مرشح الرئاسة اللبناني الذي زار المملكة مؤخراً، تحدث إلى «الشرق» بعد عودته مُقسِماً أن المملكة لم تتدخل يوماً في شأن لبنان، لكنها أبداً لم تتخلَّ عنه في الأزمات. وعن برنامجه الرئاسي الطموح وصعوبة تنفيذه حال فوزه بالرئاسة، قال لنا جعجع بإيمان باطني مثير للاهتمام «عندما تحين تلك اللحظة فإن ملائكتها ستكون حاضرة معها». وأعرب جعجع في مستهل حديثه معنا عن أمنياته المخلصة بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مشيراً إلى أن المنطقة في ظروفها الراهنة في أمس الحاجة إلى حكمته، فإلى نص الحوار: أنت عائد قبل أسابيع من زيارة للمملكة، حدثنا عن الزيارة وعن مدى الدعم السعودي للبنان والعلاقات التاريخية بين البلدين، وعن الدور الإقليمي للسعودية في حماية عروبة الإقليم؟ قبل أن أبدأ بالكلام عن دور المملكة في الإقليم، أود أن أعبر عن أمنيتي بالشفاء العاجل للملك عبدالله بن عبدالعزيز لأن المملكة لا تزال في أمسِّ الحاجة إليه، كما أن الإقليم في حاجة ماسَّة إلى دور المملكة في كل وقت وظرف، فالملك عبدالله تحديداً كان دوماً السبَّاق إلى دعم لبنان في أي مناسبة أو ظرف مرَّ عليه، تماماً كما سارع في دعم مصر أو أي دولة من دول المنطقة لتبقى هذه الدول سيدة حرة مستقلة ومستقرة. كما لا يمكنني أن أنسى كيف سارع إلى تقديم هبة بقيمة 4 مليارات دولار للجيش اللبناني والدولة اللبنانية لدعم الاستقرار في لبنان. أما فيما يتعلق بدور المملكة في الإقليم فهو محوري انطلاقاً من دورها منذ منتصف القرن العشرين وحتى اللحظة في كل ما يحدث في المنطقة، فالمسؤولون السعوديون يتابعون بشكل مستمر وبأدق التفاصيل كل ما يجري في المنطقة، وأقاموا علاقات صداقة قوية مع كل من يُمكن إقامة علاقات معهم من حكَّام المنطقة وسياسييها وأحزابها، ولم يفرِّقوا يوماً بين مسؤول سياسي وآخر إلا بمقدار عطائه لوطنه وصوابية عمله. كما أن دور المملكة العربية السعودية ينبعُ أيضاً من حجم إمكانياتها التي لم تبخل لحظة بأي شيء عند الحاجة إليها، فأنا أذكر تماماً في عامي 2006 2007 حين كانت الحكومة اللبنانية في حاجة لدعم الليرة اللبنانية، قامت المملكة بإيداع وديعة في المصرف المركزي اللبناني بقيمة مليار دولار لدعم الليرة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وبرغم كل ما تقدمه المملكة من دعم للبنان، فإنها لا تتدخل في تفاصيل الملف الرئاسي في لبنان ويُختصر دورها في تشجيع الأطراف اللبنانيين على الاعتناء بالمؤسسات الدستورية والمحافظة عليها، وفي طليعتها رئاسة الجمهورية، كما أنها لم تتدخل يوماً من الأيام في طرح أي اسمٍ من الأسماء. أما في ما خصَّ نتائج رحلتي الأخيرة إلى السعودية، فقد كانت حلقة في سلسلة المشاورات المستمرة التي تُجريها المملكة مع القيادات اللبنانية كافة وأنا من بينها. طبعاً أنا لا أُخفي أنه تربطني علاقة خاصة بالمسؤولين في المملكة ومن هنا تأتي هذه اللقاءات بشكل دوري لتبادل الآراء حول كل ما له علاقة بلبنان من جهة وبالمنطقة من جهة أخرى. لديك برنامج رئاسي موغل في الطموح، ما مدى قابلية هذا البرنامج للتطبيق.. هل لك أن تقول لنا كيف يمكن أن يتم تطبيقه؟ مسألة كيف يمكن تطبيق هذا البرنامج الرئاسي تخضع للحظة بداية التطبيق، فكل لحظة وملائكتها حاضرة معها، وبالتالي «الكيف» تخضع تماماً للحظة التي سيُطبَّق فيها البرنامج انطلاقاً من المعطيات وكيف ستكون التحالفات السياسية وما هي المستجدات وكيف ستكون عليه الأوضاع، فكل خطوة سياسية تتبعها ردود فعل إيجابية من جهة وسلبية من جهة أخرى. وبالتالي الـ «كيف» تبدأ بعد استيضاح كل هذه المعطيات التي لا أعرفها في الوقت الراهن. فأول خطوة في برنامجي الرئاسي يجب أن تُنفذ هي أن أكون رئيساً فعلياً لجمهورية فعلية. وكل شيء يبدأ بحلم يتحول رويداً رويداً إلى حركة، ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة أولى، ودون طموح سنبقى في الواقع الأليم الذي نتخبط فيه، أما كيف ومتى وبأي طريقة نحققه؟ فالمهم أولاً هو وضع التصور العام والحلم والمشروع والباقي يتبع، أقول إن هذه الأمور متروكة للظروف. تجتاز منطقة الشرق الأوسط وضعاً مأزوماً وحالة غير مسبوقة من السيولة انعكست بقوة على لبنان المأزوم بدوره، لماذا قررت خوض سباق الرئاسة اللبنانية الآن؟ في الواقع، الأحزاب الكبرى تسعى دائماً للوصول إلى المواقع السياسية الحساسة والرئيسة لتحقيق برامجها السياسية. ونحن كقوات لبنانية في الوقت الحاضر من بين أكبر الأحزاب السياسية في لبنان ونتقاسم مع التيار الوطني الحر الرأي العام المسيحي، وبالتالي من الطبيعي أن يُفكر الحزب في ترشيحي لرئاسة الجمهورية، وتحديداً لأن المنطقة تمر بمرحلة عاصفة وتأثيرات هذه المرحلة على لبنان كبيرة جداً. الرئاسة أعباء ومغانم، لكن رئاسة لبنان في هذا الظرف العصيب مغامرة ترقى إلى مستوى الانتحار، هل أنت مشروع لرئيس انتحاري؟ بالتأكيد لست مشروعاً لرئيس انتحاري، بل لرئيس يحاول حتى النهاية. وفي كافة الأحوال، مهما تكن الرئاسة في لبنان صعبة هذه الأيام فهي لم تكن أصعب من البقاء في زنزانة تحت الأرض لفترة 11 عاماً، وبالتالي وبالرغم من صعوبة الوضع لم ولن نستقيل يوماً، واستطراداً من الطبيعي أن أفكِّر في الترشُّح للرئاسة اللبنانية تحديداً في هكذا ظروف صعبة. اعتاد لبنان أن يكون للإقليم والعالم كلمة عند اختيار رئيسه، كيف تقرأ التصور الإقليمي والقبول الدولي لرئاسة جعجع في الظرف الراهن؟ الإقليم والعالم يحاولان لعب أدوار أو أن يكون لهما تأثيرٌ في انتخابات الرئاسة من خلال أحزاب معينة، ولكن لا يوجد تأثير مباشر لهما على الانتخابات الرئاسية. وبالتالي لن أتوقف مطوّلاً لتقييم الإقليم والعالم لرئاسة جعجع؛ لأن ما يهمني بالدرجة الأولى هو تقييم الشعب اللبناني لي. وأعتقد أننا إذا راجعنا استطلاعات الرأي في هذا الشأن خلال الأشهر الأخيرة نستطيع أن نجد أن هناك قسماً لا يُستهان به من اللبنانيين الذين يؤيدون رئاسة جعجع ويرون أنه من خلال هذا الترشح يمكن أن يكون هناك خلاص للبنان. كيف ترى نظرة المملكة لك كزعيم لبناني؟! المملكة تعتبرني سياسياً لبنانياً وطنياً بالصميم وأقوم بكل ما يجب فعله في محاولة لنقل لبنان من الحالة التي هو فيها إلى حالة أكثر استقراراً. يتعطل الاستحقاق الرئاسي اللبناني فيما تتقدم إيران على خارطة الإقليم في العراق وتساوم على سوريا وربما يمنحها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أوراقاً إقليمية إضافية، كيف يمكنك اجتياز عقبة طهران في الطريق إلى قصر بعبدا؟ أولاً لا أوافق تماماً على هذه القراءة، فإيران تأخرت في العراق ولم تتقدم، وكذلك الأمر في سوريا بمعنى أنها فقدت في سوريا نظاماً كان بأكمله موالياً لها وهو بات يسيطر بالكاد على بعض المناطق في سوريا، كما فقدت أيضاً حكومة موالية لها في العراق كانت تسيطر على كل أراضيه. وبالرغم من كل ذلك، عندما ترشحتُ للرئاسة أخذت بعين الاعتبار المعطيات اللبنانية واعتبارات مبدئية، وكذلك نيّة حزب القوات اللبنانية إخراج لبنان من محنته وأزمته المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، ولم آخذ بعين الاعتبار من سيقبل بي من الأطراف الخارجية أو من سيرفض. ونعم، أعتقد أن طهران تُشكِّل عقبة لوصولي إلى قصر بعبدا لأنه بوجودي فيه لن يكون لطهران هذا التأثير أو النفوذ الكبير في لبنان كالذي تمارسه في الوقت الحاضر. سوريا التي تجتاحها المخاطر أخطر بكثير على لبنان، كيف ستتعامل مع دمشق ومع من سوف تتعامل ووفق أية قاعدة للتعامل؟ أنا لا أعتبر أن هناك في الوقت الحاضر دولة سورية قائمة بل هناك مجموعات سورية متفرقة تتحكم كل منها في بعض الأراضي السورية. منذ البداية، كنا مع الثورة السورية بمعنى أننا مع انتفاضة الشعب السوري ضد النظام القائم للأسباب المعروفة. نحن نتعاطى في الوقت الحاضر مع بعض الأطراف المعتدلة التي ما تزال تحمل مشروع الثورة السورية في بداياته الذي هو مشروع قيام دولة ديمقراطية، تعددية وحرَّة تؤمِّن للمواطن حريته وأمنه وسلامه ورخاءه. مع من سنتعاطى في سوريا؟ نحن في انتظار أن تُسفر العملية السياسية الحالية أو المحادثات عن نوع من حكومة انتقالية سورية ستكون بالنسبة لنا الشرعية السورية الجديدة التي سنتعاطى معها، بالإضافة إلى تعاطينا مع بعض الأصدقاء في الوقت الحاضر بشكل جانبي. وقاعدة التعامل التي سنعتمدها هي التلاقي مع من نتفق معه في النظرة، ونختلف مع من نتعارض معه في النظرة إلى الأمور. وسط مقدمات اصطفاف طائفي يُجهِّز المسرح الإقليمي لما قد يكون حروباً طائفية، تتقدم طهران وأنقرة وتل أبيب.. كلٌّ يريد هيكلة الإقليم تبعاً لمصالحه، أين المفر وما هو الحل في نظرك؟ الأمر يختلف من مكان إلى آخر. على سبيل المثال لا الحصر الحلُّ الوحيد الذي أراه في سوريا هو تشكيل حكومة انتقالية بمعزل عن النظام الحالي وتضم كافة الفرقاء الذين يكوِّنون سوريا اجتماعياً، فدون حكومة انتقالية وتفاهم على المستقبل ستبقى الأطراف الخارجية هي صاحبة اليد الطولى في سوريا. في العراق مثلاً، دون إدخال الطرف السنِّي في الحكومة المركزية وبالثقل المطلوب ستبقى هذه الحكومة ضعيفة وبالتالي سيبقى الباب مفتوحاً أمام التدخلات الإقليمية والدولية من كل حدبٍ وصوب. إذاً العامل الأساسي هو العامل المحلي وبقدر ما يقوى هذا العامل يضعف العامل الإقليمي والدولي. بالحق أو بالباطل.. تختزن ذاكرة الإقليم صور مجزرة صبرا وشاتيلا وبينها دور للقوات اللبنانية يحمل علامات استفهام أو شبهات حول التورط في المجزرة بشكل أو بآخر، هل من الممكن تصويب الصورة لدى المهتمين بك أو بلبنان في الإقليم؟ هذا ظلمٌ بحق القوات اللبنانية، وبالمناسبة حتى إسرائيل بالذات شكلت لجنة تحقيق هي لجنة «كاهان»، وأتمنى مراجعة هذا التقرير لتبيان مدى مسؤولية كل طرف من الأطراف. ما أستطيع قوله وما أنا متأكد منه، هو أنه في تاريخ ارتكاب المجزرة لم تكن بعد هناك قيادة حقيقية للقوات اللبنانية ومن الظلم اتهام القوات بها، إذ من الممكن أن يكون بعض العناصر أو المجموعات الهامشية والجانبية شاركت فيها ولكن بأوامر من خارج القوات اللبنانية وبإيحاءات وتعليمات خارجية. فلا ننسى أن المجزرة وقعت بعد 24 ساعة أو أقل من اغتيال الرئيس بشير الجميل، وبالتالي كانت إدارة المؤسسة ككلّ في حالة من التضعضع بغياب القائد الأساسي، ولم يكن الطقم الإداري الموجود بعدُ قد قام من هول الصدمة، وحصلت المجزرة في هذا التوقيت وبالتالي لا يمكن ومن الظلم والحرام تحميل القوات اللبنانية كمؤسسة مسؤولية المشاركة في صبرا وشاتيلا. وفي كافة الأحوال، أتمنى العودة إلى التقارير الدولية في هذا الخصوص لتبيان الحقيقة. يشفق كثيرون على الرئيس اللبناني المقبل كائناً من يكون، لماذا تبدو مصرَّاً على اجتياز السباق والفوز به.. جسارة أم سوء تقدير أيها الحكيم؟! على الأكيد ليس سوء تقدير، ممكن أن يكون في الأمر بعض الجسارة ولكن بالمبدأ يجب أن يسعى كل حزب كبير للوصول إلى السلطة في سبيل تحقيق مشروعه السياسي، وإلا لن يؤخذ على محمل الجد.

مشاركة :