لا شك في أن الفوز في أي منافسة رياضية، فردية كانت أو جماعية، يتطلب أن تتــــوافر فــــي اللاعب مجموعة من العوامل، مــــن بينها الاستعداد الكافي، والأداء الفني، والجهد البدني، واللياقة، والحماسة، والرغبة العارمة في الفوز، والثقة بالنفس. ويلعب العامل النفسي دوراً محورياً، فهو سلاح ذو حدين، فإما أن يستطيع اللاعب تجييره لمصلحته شكلاً ومضموناً بحيث يتأقلم مع الأوضاع التي يمر بها، وبالتالي يتخطى الصعوبات التي تعترضه، وإما أن يكون تأثير العامل النفسي سلبياً، الأمر الذي يؤثر في سلوك اللاعب فيركبه القلق، ويسيطر عليه الهلع، وتهتز حركاته، ما قد يدفعه إلى اللامبالاة والتهور، وربما إلى ارتكاب حماقات وحصد إنذارات ومخالفات قد تودي به أو بفريقه الى خارج حلبة المنافسة. إن إثبات اللاعب ذاته في حلبة المنافسة يحتاج لأن يكون في جهوزية عالية على جميع الصعد، خصوصاً على الصعيد النفسي، فالمنافسة الرياضية هي مصدر كثير من المواقف الانفعالية المتغيرة لارتباطها بأحد خيارين: الفوز أو الخسارة. إن وجود اللاعب في حلبة المنافسة يعرضه لضغط نفسي شديد، لأنه ليس مطالباً بأن يثبت ذاته أمام مدربه وجمهوره ومشجعيه ومواطنيه فحسب، بل ربما أمام العالم كله، الذي يراقب تحركاته خطوة خطوة، والويل له إذا أخطأ. لا لاعب يمكنه الإفلات من حبل الضغط النفسي، فوجوده في جرعة مناسبة شيء ضروري، لأنه يدفع غدد الجسم إلى إطلاق عقال حفنة من الهرمونات إلى مجرى الدم على رأسها هرمون الأدرينالين، وهرمون السيروتونين، وهرمون الدوبامين، اذ تساهم هذه في اندلاع عاصفة من التفاعلات الفيزيولوجية التي تساهم في زيادة كفاءة مختلف أعضاء الجسم الحيوية، خصوصاً القلب، والرئة، والعضلات، وجهاز الدورة الدموية، فتتولد عند اللاعب الجيد رغبة جامحة لبذل المزيد من الجهد لتحقيق أفضل ما عنده. والضغوط النفسية التي يتعرض لها اللاعب هي ثلاث درجات: طفيفة ومعتدلة وشديدة. وخير الضغوط أوسطها، أي المعتدلة، فهي تصل باللاعب إلى الحال النفسية المثالية التي يعطي فيها أفضل ما عنده من قدرات. في المقابل، فإن الضغوط النفسية الطفيفة التي تلازم اللاعب في حله وترحاله تؤدي إلى سوء الأداء لأنها تزرع الملل في نفسه وتفقده حس المثابرة والمنافسة، ما يقوده إلى التغيب والتهرب من جلسات التدريب بحجج واهية. أما الضغوط الشديدة فحدث ولا حرج، فهي إذا ركبت اللاعب فإنها تجعله في عالم آخر لا ينفع فيه أي أداء ولا حتى أي رجاء، إذ نراه في حال مستمرة من الضيق والتذمر والغضب والإجهاد المتواصل. ويقع اللاعب الرازح تحت الضغوط النفسية الشديدة تحت تأثير مجموعة من السلوكيات اللامسؤولة، فلا يجيد التصرف، ويتوتر، ويصبح سريع الغضب، ومتعجرفاً تفلت أعصابه بسهولة، ما يسلبه قدراته ويدخله في مشاكسات وردود فعل قد تقوده إلى تسجيل اسمه أو اسم فريقه في ذيل القائمة. ولا نبالغ إذا قلنا إن أشرس ضغط نفسي يتعرض له اللاعب مصدره الجماهير في الملعب، فهذا النوع من الضغط قد يولّد لدى البعض إرباكاً شديداً، يمكن أن يؤدي به أو بفريقه إلى الخسارة بعد أن كان قاب قوسين من فوز يضعه في الطليعة. وقد يطارد شبح الضغط النفسي اللاعب حتى قبل البدء في المنافسة الرياضية، خصوصاً من قبل وسائل الإعلام التي غالباً ما تتناوله بالسلبيات، أو بالأحرى بالنواقص أكثر من المهارات، ويبدو هذا الأمر جلياً على أرض الملعب فينعكس سلباً أو إيجاباً، فاللاعب الصلب الواثق من مهاراته ينجح في الوصول إلى الهدف، أما اللاعب الذي تهزه تعليقات وسائل الإعلام فتكون الخسارة في انتظاره. وكلما ارتفعت درجة حرارة الضغوط النفسية بأبعادها وأشكالها انخفضت قدرات اللاعب وقلت كفاءته وتراجعت مهارته في إنجاز الانتصار المنشود. رب سائل يسأل: ما هي مظاهر الضغط النفسي على اللاعب؟ يمكن أن يتظاهر الضغط النفسي على اللاعب بصور عدة: 1- الغضب وكثرة الانفعالات. 2- الارتباك والتعامل السلبي مع الآخرين. 3- زعزعة الثقة بالنفس. 4- عدم تقبل أي نقد أياً كان مصدره. 5- الخوف من الفشل. 6- الشك في النفس وفي الآخرين. 7- غياب الحماسة والشعور بالإحباط وعدم القدرة على المواجهة. 8- الشعور بضيق في التنفس وتسارع في ضربات القلب. 9- ارتفاع ضغط الدم. 10- ضعف المقاومة تجاه الأمراض. 11- ظهور اضطرابات في النوم. 12- قلة الشهية على الطعام. 13- المعاناة من أوجاع في المعدة أو من آلام في المفاصل. 14- كثرة التعرق، وكثرة التبول. 15- ضعف القدرة على التركيز. 16- التهرب من التدريب، وكثرة الأخطاء وهبوط في الأداء والمهارات الرياضية خلال جلسات التدريب. 17- كثرة الشكاوى من التعب البدني والعضلي. 18- تدهور أداء اللاعب في ساحة المنافسة وعدم القدرة على إكمالها. والضغوط النفسية على اللاعب لا تأتي من الشخص أو من أسرته أو من جمهوره أو من ناديه وحسب، بل من المدرب أيضاً الذي قد يكون مصدراً لهذه الضغوط. فالمدرب "الديكتاتور" الذي يصب جام غضبه على اللاعب، ويطلب منه زيادة جرعات التدريب مقارنة بغيره، ويتخذ بحقه قرارات صارمة ومجحفة، وينحاز إلى لاعب آخر ضده، ويطلب منه بصورة مستمرة الفوز على منافس قوي إن لم نقل أقوى منه، مثل هذا المدرب هو بلا شك مصدر مهم للضغوط النفسية التي تضع اللاعب في موقف صعب قد يدعوه إلى الاستسلام حتى قبل أن يطلق الحكم صفارة بدء المنافسة. من هنا، على المدرب أن يساهم بشكل مباشر وغير مباشر في الإعداد النفسي للاعبيه، وأن يبذل قصارى جهده لتبديد الضغوط النفسية عنهم من خلال التوجيه والإرشاد وإسداء النصائح المناسبة بهدف الارتقاء بهم إلى الحال النفسية المثالية التي تمكنهم من تذليل العقبات التي تعترضهم من أجل تحقيق الفوز. ختاماً، إن اكتشاف مصادر الضغوط النفسية وعلاقتها بالصحة النفسية للرياضيين، يعتبر حجر الزاوية في مواجهة تلك الضغوط وعلاجها من أجل تهيئتهم نفسياً لخوض المباريات بأفضل مستوى لتحقيق التفوق الرياضي، مع الأخذ في الاعتبار شخصية اللاعب التي لها القول الفصل في مقاومة الضغوط النفسية.
مشاركة :