خذوا على أيدي سفهائكم

  • 11/16/2018
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

حديث ضعيف لكن به عبرةٌ عظيمة، ربما أن الكثير منكم قد سمعه من قبل، لا تهمني هنا درجة الحديث بقدر ما تهمني الغاية التي أود الوصول إليها وهي الحكمة المستفادة من ذلك الحديث، فيروى عن النعمان بن بشير أنه خطب في الناس قائلاً: “يا أيها الناس خذوا على أيدي سفهائكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن قوماً ركبوا في سفينة فاقتسموا فأصاب كل رجل مكاناً، فأخذ رجل منهم الفأس فنقر مكانه، فقالوا: ما تصنع؟ قال: مكاني أصنع به ما شئت، فإن أخذوا على يديه نجوا ونجا، وإن تركوه غرقوا وغرق، فخذوا على أيدي سفهائكم قبل أن تهلكوا”. عندما تقرؤون هذا الحديث سيتبادر إلى أذهانكم من الوهلة الأولى حالات التهور والغرق التي شاهدناها في الآونة الأخيرة، وهو جزء مما أردت الحديث عنه، فجميعنا لا نود أن نكون بتلك المواقف أو يكون بها أحدٌ من أقاربنا أو أصدقائنا أو عامة الناس، لكني هنا أتساءل عن الدافع وراء ذلك التهور والطيش وتلك اللامبالاة! هل انعدم الإحساس لدى هؤلاء الناس وأصبحوا يرون أنفسهم رخيصة إلى هذا الحد؟ هل من سبب يدفعهم لذلك التصرف الأحمق سوى الغباء المستفحل؟ هل هناك أسباب خفية لا نعلم عنها خلف تلك الحالات المتكررة؟ إن تلك الظاهرة من وجهة نظري هي امتدادٌ طبيعي لتدني الثقافة وانعدام الاحساس بالمسؤولية وقلة التربية، فليس من الطبيعي أن يكون هناك رجلٌ عاقلٌ سواءً كان متعلماً أو جاهلاً؛ يرمي بنفسه في دروب الهلاك أو يرتكب ما يضر به نفسه أو مجتمعه، وقد ذكرت في مرات كثيرة أننا نعاني في مجتمعنا من كثرة المصابين بدنو الهمة، فتجد الكثير من المنتمين لتلك الفئة متذمرين متشائمين غير مؤمنين بأهمية أنفسهم وأهمية أدوارهم في الحياة؛ ولا أدل على ذلك من الشماعة التي يعلقون عليها خيباتهم المستمرة وفشلهم الذريع عندما تسدى لهم النصائح فيقولون: “وهل تريد أن تصلح العالم” والشماعة الأخرى “ومن نصبك محامياً عن المجتمع”، ويرددون تلك العبارات بطريقة مستفزة معتقدين أنهم في قمة الذكاء، وأن ما يمارسونه سلوك طبيعي ومن يخالفهم بحاجة للنصيحة. أعتقد جازماً أن أحد الأسباب المؤدية لفشل المشاريع التنموية وتأخرها ليس المسؤولين ولا الشركات المسؤولة عن تلك المشاريع ولا البنية التحتية ولا غيرها من العوامل الطبيعية، وإنما ثقافة المجتمع السلبية المتمثلة في سلوك هؤلاء الناس المحبطين الساعين لنشر السلبية وفساد المجتمع؛ عن طريق انتهاج السلوك الأرعن الذي لا يدركون خطورته، ولا يستوعبون قيمة النصائح الموجهة لهم للعدول عنه. عندما تتراكم التصرفات السلبية في المجتمع يصبح الفساد مألوفاً والأنقياء قلة والنصيحة مكروهة، وتعم المعاناة بسبب سطوة المستفيدين المفسدين الذين لا هم لهم إلا أنفسهم وما عدا ذلك فهو خارج دائرة اهتماماتهم، لذلك علينا الالتزام ولو بأبسط الأشياء ومحاولة تعميمها عن طريق أدوارنا في المجتمع، وخصوصاً في مجالي التعليم والإعلام، فهاتين المهنتين فيهما من القدرة على التوجيه والنصح وتكوين القدوات الشيء العظيم، وعلينا الأخذ بأيدي بعضنا في مواجهة كل من يريد إفساد الجزء الخاص به من المجتمع؛ لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى انتشار السلوك المشين، وتصويره للناس على أنه أمر عادي ومستساغ بينما هو أمرٌ في غاية الخطورة.

مشاركة :