صحيفة المرصد: قالت مصادر صحافية لا تبدو الروابي الكلسية لجنوب لبنان من الوهلة الأولى مكانا صالحا للاستثمار في العقارات. فهذا الشريط الضيق من الأرض قرب حدود لبنان المتوترة مع اسرائيل عانى ويلات الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما والآثار المدمرة للمواجهات مع القوات الاسرائيلية. ولكنه شهد خلال السنوات القليلة الماضية بناء قصور جديدة على امتداد الطرق الضيقة قرب بلدة جويا التي تبعد نحو 100 كلم عن بيروت. وتبدو هذه القصور المنيفة في غير مكانها وسط بساتين الزيتون ومراعي الأغنام والمزارع المتداعية والطرق الترابية. ويقول لبنانيون من اهل المنطقة وفقا لموقع إيلاف ان هذه القصور التي ما زال بعضها قيد الانشاء هي ملك مسؤولين من المستويات العليا والمتوسطة في حزب الله الذي أصبح لاعبا كبيرا في السياسة اللبنانية بفضل المال الايراني والدعم الذي يأتيه من مغتربين اثرياء وبعض الابتزاز السياسي في الداخل. وأسهمت هذه المصادر في إثراء بعض الأفراد في جنوب لبنان حيث غالبية سكانه من الفقراء تاريخيا. ولكن ايام الخير هذه انتهت على ما يبدو ، ومصادر تمويل الحزب من عائدات النفط الايراني أخذت تجف تحت وطأة العقوبات الغربية ضد ايران وهبوط اسعار النفط. وتشير تقارير الى ان صادرات ايران النفطية انخفضت بنسبة 60 في المئة منذ عام 2011 فيما ارتفع عجز ميزانيتها الى 9 مليارات دولار. وكانت النتيجة ، كما يعترف مسؤولون في حزب الله ومراقبون قريبون منه ، إقدام ايران على خفض الدعم المالي الذي تقدمه الى الحزب بدرجة كبيرة. وقال خليل ، وهو قائد عسكري في حزب الله طلب استخدام اسم مستعار ، "ان الكثير من اعضاء الحزب لا تُدفع رواتبهم إلا بعد تأخير طويل". واضاف ان البعض يتسلم أقل مما كان يُدفع له في السابق. وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها حزب الله أزمة في السيولة النقدية. ففي عام 2008 عندما هبط سعر النفط من 147 دولارا للبرميل في الصيف الى 32 دولارا في الشتاء واجهت ايران صعوبة بالغة في الحفاظ على مستوى دعمها المالي للحزب. ويقدر محللون ان طهران خفضت تمويل الحزب بنحو 50 في المئة. ولكن خليل أكد لمجلة نيوزويك ان التخفيض هذه المرة كان بنسبة حتى أكبر. واضاف خليل محاولا ان يبدو متفائلا رغم الضائقة المالية التي تواجه حزبه "نحن معتادون على ظهور غيمة سوداء فوقنا وهذه الغيمة ايضا ستنقشع". أوقات سيئة ولكن أزمة حزب الله المالية ربما جاءت في اسوأ وقت يمر به. إذ اعترف الحزب بحدوث اختراق أمني في صفوفه على أعلى المستويات بعد اكتشاف جاسوس اسرائيلي مدسوس في وحدة أمنية حساسة باعتراف الأمين العام للحزب حسن نصر الله نفسه. ويُقدر ان جناحه العسكري فقد نحو 1000 مقاتل في سوريا. وكلما ازداد تورط الحزب في الحرب السورية الى جانب قوات النظام اشتدت الضغوط على موارده المالية المتناقصة اصلا. وقال المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ماثيو ليفيت لمجلة نيوزويك ان الصدمة النفطية هي اقسى صدمة شعر بها الحزب. ويُرجح ان تواصل ايران خفض تمويلها لحزب الله إزاء التوقعات باستمرار الهبوط في اسعار النفط على المدى المنظور. ويمكن ان يثير نقص التمويل تذمرا واستياء بين مقاتليه في سوريا حيث بدأ البعض يجاهرون بشكواهم مشيرين الى معاناة اهلهم الذين يعيشون في قلق على ابنائهم وأخذوا يواجهون مصاعب متزايدة في حياتهم اليومية من جراء الأزمة المالية التي تواجه الحزب. وقالت أم أيمن من الضاحية الجنوبية في بيروت ولديها ابن في السابعة عشرة يقاتل في سوريا ان حزب الله خفض اعاناته لذوي مقاتليه. ونقلت مجلة نيوزويك عن أم أيمن قولها "ان عائلتنا تحصل الآن على نصف العناية الطبية والأدوية التي نحتاجها. إذ كانت هذه تأتي كل شهر بدون مشاكل لكننا نعاني اليوم". أم أيمن ليست وحدها التي تعاني. ففي غمرة الانتقادات المتزايدة لتورط الحزب في سوريا أدى نقص الدعم المالي الايراني الى تخفيض متواصل في الخدمات الاجتماعية التي يقدمها لقواعده والمدفوعات النقدية التي يخصصها لحلفاء سياسيين لبنانيين. وبحسب القائد العسكري خليل ومصدر آخر قريب من حزب الله فان سياسيا درزيا متحالفا مع الحزب كان يتسلم 60 الف دولار شهريا من الحزب وهو اليوم يقبض 20 الف دولار فقط. وذهب خليل والمصدر على السواء الى ان سياسيا لبنانيا آخر كان يتقاضى مخصصات شهرية تبلغ 40 الف دولار ولكن عليه الآن ان يقنع بـ15 الف دولار. وقال الباحث ليفيت من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "اعتقد ان حزب الله يشعر بقلق بالغ. فهو حين يضع نفسه في موقع الحزب الذي يلبي هذه الحاجات يتعاظم ما يكون منتَظَرا منه".
مشاركة :