يختلف المسلمون في اليوم الذي وُلد فيه الرسول.. بينما المهم هو أن الحبيب قد وُلد توحد الفرس المجوس واليهود الصهاينة في أطـمـاعهـم وعداوتهم تجاه المسلمين!! خصص فضيلة الدكتور عبدالرحمن الفاضل خطبته ليوم الجمعة بجامع نوف النصار بمدينة عيسى أمس للحديث حول ذكرى مولد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، مشيرًا إلى اختلاف المسلمين في تحديد اليوم الذي ولد فيه الرسول.. ولكن يبقى أن المهم لدى المسلم أن الحبيب قد ولد، واستبشرت الدنيا بمولده ومقدمه المبارك.. مؤكدا أنه قد كان لمولده فرحة غامرة ذلك لأنهم قد شعروا بأنهم يخرجون من الظلمات إلى النور بعد أن كانوا يتخبطون في ظلمات من الجهالات. وكان بعضهم يصنع بيده ربًّا من التمر يعبده ويسجد له فإذا جاع أكله!! وقد بدأ الدكتور الفاضل خطبته قائلا: اتفق العلماءُ على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد ولد في يوم الإثنين، لأول عام من حادثة الفيل سنة 571 م.. واختلفوا في تحديد ذلك اليوم الذي ولد فيه من شهر ربيع الأول؛ فذكر منها: أنه ولد في اليوم الثاني، واليوم الثامن، واليوم التاسع، واليوم العاشر، واليوم الثاني عشر، واليوم السابع عشر، واليوم الثاني والعشرين. والمهم لدى المسلم أن الحبيب قد ولد، واستبشرت الدنيا بمولده ومقدمه المبارك، يقول أمير الشعراء رحمه الله تعالى: وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ.. كان لمولده فرحة غامرة، ولمقدمه رحمة ضافية، وقد اصطفاه المولى -عز وجل- ليبلغ وحيه، ويوصل للناس كافة رسالته؛ لتكون لهم بشارة ونذارة، يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، ولتكون للعالمين رحمة وهداية، يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). فابتعثه الله تعالى- بالكتاب العزيز ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطه المستقيم، يقول تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ). وقد كان الناس يتخبطون في ظلمات من الجهالات، ويتيهون في عمايات من الضلالات، انشغلوا بالخرافات وفاسد المعتقدات، وارتكبوا الجرائم وعظائم الغدرات، حتى وصل بهم الأمر أن يَئِدُوا البنات، ويأتوا كبائر الفواحش من المحرمات، بل إن القوي منهم يسطوا على الضعيف، ولا يأمن الجار من جاره فيغير على أهله ويسبي نساءه ومحارمه، تحكمت فيهم النعرات القبلية، والعصبيات الجاهلية، خلت حياتهم من الأمن وتوحشت من السلم والسلام، تناوشتهم الثارات فدفعتهم إلى حروب طاحنة، تفرقوا على أثرها فقطعوا أرحامهم فيما بينهم فلا علاقات تربطهم ولا صلات!! وليت الأمر يقف عند ذلك بل تجاوز إلى فساد ديانتهم ومعتقداتهم، فعبدوا الأصنام التي نحتوها من الأحجار، وتقربوا إلى الأوثان واحتكموا إلى الأنصاب والأوثان، وقدسوا الأشجار والحيوان، واستخفوا عقولهم فصنع بعضهم بيده رَبًّا من التمر يعبده ويسجد له، فإذا ما جاع أكله، أي ضلال ترتكس فيه هذه العقول المهينة، ولم يكن بقية العالم إلا على تلك الشاكلة، وكذلك لم تكن دولتا الفرس والروم بأحسَن من حال العرب!! فلما جاءَهم رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بِهَديه، وإيمانه وإسلامه، أحال الله تعالى بنِعمة الإسلام، حالهم إلى خير حال، يقول تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا)، وقد صور أحمد شوقي أميرُ الشُّعراء ذلكم تصويرا بديعا مُخاطبًا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم: أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هامَ في صنم والأرض مملوءة جورا مسخرة لكل طاغية في الخلق محتكم مسيطر الفرس يبغي في رعيته وقيصر الروم من كبر أصم عم يعذبان عباد الله في شبه ويذبحان كما ضحيت بالغنم والخلق يفتك أقواهم بأضعفهم كالليث بالبهم أو كالحوت بالبلم فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، وبرسالة الهداية والسلام الصادقة؛ لتحارب تلك المظاهر الفجة المقيتة، وتحرر الناس من تلك الخرافات المضللة، وتطلق العقل الذي امتن به الله تعالى- على الإنسان من إسار قيوده المهينة، وتنهي مظاهر الظلم التي عمت وطغت وتعيد للإنسان إنسانيته التي اختطفتها شياطين الإنس والجن، فجاهد -صلى الله عليه وسلم- في سبيل الله بلسانه ويده وسنانه حتى أظهر الله دينه، فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وهداها بعد ضلالة، يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).. فبرسول السلام –عليه أفضل الصلاة وأتم السلام- استتب الأمن وعم السلام، فتوحدت جهود الأمة الإسلامية على نصر دين السلام، فاستقامت لهم القيادة، وأتم لهم الله تعالى- وعده باستخلافهم في الأرض، يقول تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ..) وقد تم وعد الله تعالى- للمسلمين يوم اتخذوا كتاب الله تعالى منهجا لهم، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- متمسكهم؛ فاستُخلفوا في الأرض وسادوا وحكموا العالم من محيطه إلى محيطه في عزة ونصر وتمكين!! ولم يتغير ذلكم الحال؛ إلا يوم أن تفرقوا إلى دويلات يحارب بعضها بعضًا، وتَنازعوا أمرهم فيما بينهم، وقد حذروا من ذلك التفرق وذلكم الشقاق فلم يمتثلوا الأمر ففشلوا، يقول تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، وخالفوا وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار»، فإنه لمَّا لم يتمسكوا بقول ربهم، ولم يلتزموا بسنة نبيهم، سلط الله عليهم المستعمرين فانتزعوا بلادهم، وسلبوا خيراتهم، وخربوا وشردوا وقتلوا، فتسلط الصليبيون المستعمرون، الذين احتلوا البلاد وقسموها إلى دويلات، ومزقوا شعبها إلى شعوب متناحرة في قوميات وجنسيات متنافرة، وسلطوا بعد ذلك الفرس الصفويين فاحتلوا أراضينا؛ فاقتطع الفرس أولا الأحواز العربية بخيراتها وثرواتها، ولم تقف أطماع الفرس المجوس عند ذلك؛ بل توسعوا بمخططات قديمة مع الصلبيين فاحتلوا اليوم العراق وسوريا وعاثوا فيهما فسادا، وهاهم يحاولون احتلال اليمن ودول الخليج العربية، ليبسطوا سيطرتهم ما استطاعوا بخبثهم!! ووعد الصليبيون اليهود الصهاينة بوطن لهم فكانت فلسطين العربية هدفهم، وفعلا وفّوا بوعدهم لهم على حين غفلة منا وخداع منهم وتخاذل وخيانة من بعض بني جلدتنا، لقد سهلوا الطريق ومهدوه للصهاينة ليحتلوا فلسطين، فانتهبوا أراضيها، واغتصبوا مقدساتها الإسلامية، واحتلوا القدس واستولوا على المسجد الأقصى بغية هدمه وإقامة معبدهم وهيكلهم المزعوم مكانه، ولم يرعوا أي حرمة لهذه الأمة، فكيف تتقبل الأمة هذا الوضع المهين، وبين يديها أسباب القوة والمنعة التي لا تعدلها قوة من كتاب وسنة تصلح بالتمسك بهما حالها، ويقيننا أنه لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أوله! يقول تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).. وإننا إذ نذكّر بمولد الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لا يعني أننا نذكر بمنسي، حاشا وكلا، بل هذا والله المحال، فحال الرسول صلى الله عليه وسلم حاضر في أيامنا وعمرنا وحركتنا وسكوننا، في قلوبنا وعلى ألسنتنا، في صلاتنا في حالاتنا وأحوالنا لا يغيب عنا أبدا، وإن احتفالنا واحتفاءنا بمولده أو هجرته أو انتصاراته أو عموم سيرته الشريفة السنية -صلى الله عليه وسلم- إنما نذكره لزيادة ذكره، وللتأسي به، والاقتداءِ بمنهجه، ولاتباع سنته وطريقته، فذكره عندنا والصلاة عليه عبادة أمرنا بها ربنا عز وجل- في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). فذكره دائم لا ينقطع!! وإنه لا يمنع من أن نذكر يوم ميلاده، ونفرح به ونستبشر ونكثر من الصلاة والسلام عليه فيه زيادة في إظهار محبته وتوقيره من غير تجاوز لحدود السنة المتبعة في محبته؛ إنها تذكرة وشحذ للهمم حينما نذكر هجرته وانتصاره على المشركين في غزواته، وانتصاره على اليهود وإجلائهم من خيبر، وانتصار جيوش المسلمين على الفرس وإجلائهم من العراق وإزالة دولتهم وإهلاك كسراهم، وكذلك هزيمة الروم وطردهم من الشام. إننا لا نحتفل احتفال أعياد، أو احتفال بدع وخرافات كما يفعل أصحاب الديانات المحرفة والطوائف الضالة! إن أمتنا اليوم تمر بظروف عصيبة، وأوقات شديدة حرجة تحتاج فيها إلى اليقظة النابهة الواعية، والقوة الرادعة؛ فأعدى أعدائنا هم اليهود والذين أشركوا كما تعلمون، هم أعداءٌ لنا منذ أن بَعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- حسدًا من عند أنفسهم وحقدًا، مصداقا لقوله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ والذين أشركوا).. ونعلم أن اليهود مع عداوتهم وحسدهم وحقدهم وبغضهم للإسلام والمسلمين أصحاب أطماع وأغراض دنيئة، كما يشاركهم النظام الفارسي الصفوي المشرك ذات الأطماع والأحقاد الدفينة المتأصلة فيهم والمتجذرة في قلوبهم، فكلا الفريقين اليهود الصهاينة والفرس الصفويين المجوس أعداء حاقدون، فلا يُلبس علينا المتخاذلون والعملاء المتصهينون الذين يريدون أن يفرقوا بين عداوة هؤلاء وهؤلاء، فكلا النظامين الفارسي الصفوي في إيران، واليهودي الصهيوني فيما يسمى بإسرائيل في عداوتهما للأمة العربية الإسلامية سواء، فعليه يجب أن تتوحد كلمة أمتنا ضدهما ومن يمدهما من خلفهما من الأعداء المشركين والمنافقين الحاسدين، وأن تتأهب الأمة بإعداد ما تستطيع من قوة، والقوة متوافرة لا تحتاج إلا إلى إرادة صلبة صادقة، وقيادة مؤمنة مخلصة متمكنة تدفع بها، لإعلاء كلمة الله تعالى، واستعادة حقها المسلوب في الأراضي العربية الأحوازية المحتلة وغيرها، وتحرير فلسطين المحتلة والمقدسات المغتصبة، ولن يتم للأمة ذلك إلا بعد أن نصلح أنفسنا بالتغيير المطلوب منا، فهل نسارع لإحداث هذا التغيير؟! وليس ذلك ببعيد بإذن الله تعالى- يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
مشاركة :