عادت «حرب الفتاوى» إلى واجهة المشهد المصري، مع اتساع رقعة المواجهة وتضاؤل فرص الحل السياسي للأزمة التي تدخل شهرها الرابع. إذ عادت جماعة «الإخوان المسلمين» إلى هذا السلاح الذي لطالما استخدمته في مواجهة معارضيها، وأفتت في بيان أمس بأن «التصدي السلمي للانقلاب واجب شرعي ووطني»، ما رد عليه ضمناً مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف بأن «الإسلام يُحرِّم الدماء وتدمير الممتلكات». وكان لافتاً تركيز «الإخوان» في بيانها على ما رأته «تفنيداً شرعياً» لضرورة الاستمرار في «التصدي للانقلاب» من دون أن تكشف عن استراتيجيتها المستقبلية بعدما خف زخم التظاهرات في الشارع، فاتهمت الحكم الموقت بـ «محاربة الدين... والانتقاص من معاني الرسالة». واتهمت السلطة بـ «محاولة تبديل سلّم القيم في الأمة». وهاجمت دعاة الأزهر من دون تسميتهم، فوصفتهم بـ «أئمة الضلال ومحترفي الجدل الذين يقودون (الأمة) إلى مرحلة الضياع الفكري، ويؤازرهم المنافقون من أهل العلم الشرعي الذين يستخدمون علمهم في تبرير الأوضاع والتماس الأعذار للمستبدين، وفي تحريم الحلال وإباحة الحرام، وخلط الحقائق، حتى يختلط على جمهرة الأمة تمييز المعروف من المنكر ويتصدر هؤلاء الساحات المختلفة وميادين العمل المتقدمة». وأكثرت الجماعة من استخدام الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على عكس عادتها في الشهور الماضية. ورأت أن «ولاء كثير من العامة تحول من الخضوع لله مصدر الرسالة والحق إلى الخضوع للأشخاص، الذين يتحكمون بمقتضي السلطة فيرضون بالتنازل عن إرادتهم الحرة، بدلاً من التوجه بالدفع في نحر الظالم ومدافعة المستبد ليقلع عن ظلمه واستبداده». في المقابل، أكد مجمع البحوث الإسلامية في بيان له، عقب اجتماع عقد أمس في مشيخة الأزهر، أن الإسلام «يُحرِّم الدماء وتدمير الممتلكات العامة والخاصة... ويدعو إلى إجلال العلماء واحترامهم». ودافع عن مواقف الأزهر الشريف، مؤكدا أنها «هي المواقف المتفقة مع صحيح الدين ومع الواجبات الوطنية». وشدد على أن الأزهر، وهو يعبر عن ذلك، «كان حريصاً على أن يبقى خارج المنازعات والمعارك السياسية، وعلى القيام بدوره الوطني في إطار القيم والمبادئ الإسلامية التي ظل حريصاً على حفظها». وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة لـ «الحياة» ان «لا أحد يعرف بالضبط من الناطق باسم الجماعة أو إذا ما كانت هناك سياسة رسمية مجمع عليها... هناك تيار يتقدم الصفوف لكن غير واضح مدى سيطرته على مقاليد الأمور». ورأى أن بيان الجماعة «يؤكد أنها أصبحت أكثر اقتراباً من تيارات أخرى أكثر تطرفاً وراديكالية، بدعوى أن نبذ العنف لم ينفع ولا ينفع الآن سوى التصدي لهذه الدولة، وهو ما يمثل خطراً شديداً على المجتمع». وانتقد «غياب الرؤية الاستراتيجية» لدى الحكم الموقت إزاء طريقة التعامل المستقبلية مع «الإخوان». وأوضح: «لا يوجد إطار تفاوضي وهو ما قد يدفع الإخوان إلى اليأس والارتماء أكثر في أحضان جماعات العنف، فالنظام الآن كل ما يعنيه هو استئصال الإخوان من المجتمع وهو أمر صعب المنال». وشدد على «ضرورة وضع رؤية لاستيعاب الجماعة داخل المجتمع، وفتح مجال للتفاوض والحوار مع التيار الأكثر اعتدالاً ، وهو الأقوى داخل الإخوان». وقال: «إذا لم يكن متاحاً في هذه المرحلة التوصل إلى حل سياسي، فعلى الأقل هناك ضرورة لعقد هدنة سياسية في هذه المرحلة».
مشاركة :