يقوم فريق سعودي إيطالي مشترك بأعمال تنقيب أثري داخل مياه البحر الأحمر بعمق 40 متراً تحت سطح البحر، وذلك ضمن البعثات الأثرية التابعة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والتي وصلت هذا العام إلى 44 بعثة سعودية دولية مشتركة تعمل في مختلف مناطق المملكة. ويعد البحر الأحمر من البحار المليئة بالقطع الأثرية التي تعود لآلاف السنين باعتباره أحد المعابر البحرية الرئيسة على مدى التاريخ. وقد بدأت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالمملكة العربية السعودية مشروعا للتنقيب عن الآثار الغارقة في مياه البحر الأحمر بالتعاون مع جامعات ومراكز بحثية عالمية. < وأظهرت أعمال المسح وجود أكثر من 50 موقع لحطام سفن غارقة على امتداد البحر الأحمر تتنوع في قيمتها التاريخية والأثرية والفترات التاريخية التي تعود إليها. وبدأت الفرق السعودية الدولية عملياتها في التنقيب والبحث الأثري في هذه المواقع. حيث عثر الفريق السعودي الإيطالي المشترك على حطام سفينة غارقة في موقع قرب مدينة أملج تحوي معثورات مختلفة يعود تاريخها إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي. فيما عثر الفريق السعودي الألماني المشترك على بقايا حطام سفينة رومانية في البحر الاحمر، يعد أقدم حطام لسفينة أثرية وجدت على طول الساحل السعودي حتى الآن، اضافة الى حطام سفينة أخرى تعود إلى العصر الإسلامي الأول، وذلك في المنطقة الواقعة بين رابغ شمالًا حتى الشعيبة جنوباً. وأجرت البعثة السعودية الإيطالية للتنقيب أعمالها قرب مدينة أملج في الشمال الغربي للمملكة. وقال الخبير الدولي، عضو البعثة السعودية الإيطالية، الدكتور رومولو لوريتو إن البعثة ركزت جهودها خلال موسمي (2015-2016) على دراسة حطام السفينة الغارقة في ساحل أملج، موضحاً أن الفريق تمكن من تحديد موقع حطام السفينة، والتقاط مجموعة من الصور الفوتوغرافية ثلاثية الابعاد، وتسجيل فيديو متكامل لعمليات الغطس الأثري. وأشاد بمهارة أعضاء الفريق السعودي وتعاونه مع البعثة الإيطالية وقال إن البعثة تمكنت من تدريبهم على كيفية العثور والتعامل مع الآثار الغارقة تحت المياه. مشيراً إلى أن أعمال التدريب شملت: وصف السفن الغارقة وحمولتها، وكيفية التعامل مع المعثورات تحت الماء، والقيام بالرسومات الفنية لها. وذكر روميلو أن حطام السفينة بما في ذلك المعثورات يقع على مساحة طولها 40 متراً، وعرضها 16 متراً، وقال إن موقع الحطام يمكن الحصول عليه ومعالجته كإرث حضاري ثقافي، مبيناً أن الموقع يحتوى على كومة كبيرة من الجرار الملتصقة مع بعضها بعضاً، وهناك مجموعة من الأحواض الكبيرة توجد وسط السفينة، إضافة إلى أكواب من خزف البورسلان الصيني وغلايين للتدخين ومعثورات مختلفة يعود تاريخها إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي. وقال إن الفريق استطاع حصر الف جرة وحدّد أنواع من الجرار ستتم دراستها في المواسم القادمة. وأبان روميلو أن الحجم المرئي والمكتشف من السفينة يؤكد ضخامة حجمها ويتضح ذلك بمقارنة كبر إطاراتها وعوارضها الخشبية مع إطارات السفن الحالية. ولفت إلى أن هناك تشابهاً كبيراً بين موقع ساحل أملج ومواقع أخرى تقع في المياه الإقليمية المصرية مثل موقع سعدانة وموقع شرم الشيخ، مضيفاً أن البعثة ستقوم بدراسة المعثورات وتحليلها في المواسم القادمة، مما يسهم في مزيد من معرفة طبيعة الملاحة في البحر الأحمر وثقافتها. من جهته، أكد رئيس الفريق السعودي في بعثات التنقيب عن الآثار الغارقة الباحث مهدي القرني، أن الحضارات المتعاقبة التي شهدتها الجزيرة العربية كان لها تأثيرها في وجود آثار غارقة في سواحل البحر الأحمر، وخاصة أن هذه الأرض كانت معبرا لطرق التجارة القديمة، مشيراً إلى أن هناك 50 موقعاً تستهدفها البعثة السعودية الألمانية للتنقيب عن الآثار الغارقة في البحر الأحمر. وأشار إلى أن اكتشاف الآثار المغمورة يحتاج إلى الكثير من الإمكانات والخبرات المتخصصة، وخاصة أن السواحل تحوي الكثير من المخلفات والقطع التي لا تعد قطعا أثرية. وقال: «التراث الثقافي المغمور بالمياه جزء من هويتنا وتاريخنا الوطني، وحمايته تقع على عاتقنا جميعاً، لافتاً إلى أنهم اكتسبوا خبرات واسعة وتجربة غنية في الكشف عن الآثار الغارقة والمغمورة بالمياه». وأبان أن الفرق الدولية قدمت الدعم والتدريب للكوادر السعودية، مشيرا إلى نجاح الفريق السعودي أهل أفراده لنيل رخص الغوص تحت المياه وهو الأمر الذي يبشر بإعداد متخصصين في الآثار الغارقة ويساهم في اكتشاف الآثار المغمورة بواسطة طاقات وكوادر وطنية مدربة في المستقبل القريب إن شاء الله، خصوصاً مع تزايد الاهتمام بالآثار الغارقة على المستوى الدولي وإقبال عدد من الجامعات والمؤسسات العلمية الاتجاه نحو اكتشاف الآثار الموجودة داخل المناطق البحرية. وأشار إلى أن الفريق السعودي عاش استفادة علمية وعملية كبيرة من خبرة الفريق الإيطالي في العمل الأثري تحت الماء، وكان هناك تدريب مهني جيد في أعمال المسح والحفر وتنظيف المعثورات، مبيناً تعلم الفريق كيفية التصوير الثلاثي الأبعاد للمعثورات وأيضاً الرسم الهندسي للقطع الفخارية وغيرها من المهارات الأخرى، ذلك كله من شأنه صقل موهبة الباحثين في العمل الأثري تحت الماء، وتأهيل فريق يعتمد عليه مستقبلاً في مهمات الآثار الغارقة في الهيئة. وأكد أن نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني خصص فصلاً كاملاً عن الآثار الغارقة تضمن عدداً من المواد المنظمة التي تتعلق بالبحث داخل المناطق البحرية الخاضعة لسيادة المملكة وإعادة المكتشفات الأثرية الغارقة وتسليمها للهيئة وكذلك التعاون بين الجهات الحكومية ذات العلاقة بالمحافظة على مواقع الآثار الغارقة والإبلاغ فوراً عن آثار غارقة يتم اكتشافها. وأوضح أن الفريق المشترك تكون من 10 باحثين 6 من الجانب السعودي وهم: وليد بدر المزين، وفارس محمد حمزي، وعمار عبدالكريم الصيوان، وعبدالله السلامة الحايطي، وجمعة عبدالرحمن الجهني، ومهدي خصيف القرني؛ والفريق الإيطالي 4 أشخاص وهم: روملو ريليتو، وكيارا ذازاروا، ولويزا ترمنيلوا، وسلفادور كويدا. وتشير الباحثة الإيطالية الدكتورة كيارا زازارا العضوة الى أهمية المتاحف البحرية وقالت إن هناك عددا منها تم افتتاحه أخيراً في منطقة غرب المحيط الهندي، بهدف ربط علاقة الشعوب بالبحر من خلال الوقوف على جميع الأنشطة ذات العلاقة البحرية القديمة مثل الملاحة، وبناء المراكب، والتجارة البحرية، وقالت يمكن أن تشمل هذه المتاحف السفن الغارقة بمحتوياتها الأثرية المختلفة، وإقامة عروض مرئية عن هذا الإرث الثقافي الحضاري. ولفتت إلى معوقات البحث والاهتمام بالسفن الغارقة، مثل استمرار نمو السواحل المرجانية، والمياه الدافئة التي تؤثر على حفظ المواد الأثرية، وعدم وجود منهجية لدراسات المواقع الغارقة، وغيرها. مشيرةً إلى اهتمام العلماء بدراسة الآثار الغارقة حيت بدأ في بداية السبعينات تقريباً، وكان اهتمامهم على حطام السفن وكذلك البضائع التي كانت موجودة على السفن، مؤكدة أنه ينبغي أن ينظر لهذا الحطام بأنه منظومة متكاملة تحتوي على طاقم الرحلة والمعدات والبضائع؛ إضافة إلى أنه يجب اعتبارها جزء من نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي. مبينة أن دراسة هذه السفن تتمثل في فهم هندسة بنائها إضافة إلى المبادئ والطرق في إجراءات إنشائها، كذلك لفهم هذا الجانب يجب أن يكون هناك تكامل بين المعطيات الأثرية المتاحة من خلال أعمال المسوحات إضافة إلى الصورة الرمزية التي وجدت في بعض المصادر؛ أضف إلى ذلك دراسة الاثنوجرافية التي كانت في المجتمعات ذات الثقافة التقليدية لحياة البحر. وأبانت أن العديد من المتاحف فُتحت في منطقة المحيط الهندي وذلك لربط حياة الشعوب بحياة البحر، والتي تتعلق بتقاليد الملاحة البحرية وبناء المراكب والتجارة البحري، مشيرة إلى أن يجب أن يكون في هذه المتاحف سفن غارق تُعرض وتعطي هذه السفن جذورها وطريقة بناءها والعادات والتقاليد المرتبطة بحياة البحر، كذلك يمكن أن يكون هناك عروض مرئية لتلك السفن وأنشطتها داخل المتاحف. وأشارت إلى أن سفينة أملج يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر الميلادي وهي من السفن التي كانت تبحر شمال البحر الأحمر قادمة من أقصى الشرق وكانت وجهتها النهائية إلى أسواق الإسكندرية إلى مصر بها مجموعة من المواد مثل الورق والأنسجة والمعادن، إضافة إلى المواد الغذائية كما تشير المصادر التاريخية. مبينةً على أن ما وجد في سفينة أملج يدل على الأدلة الأخيرة على التجارة العربية المصرية في البحر الأحمر قبل تدخل الأوروبيين في البحر الأبيض المتوسط واتصاله بالبحر الأحمر، وأيضاً طريق تجارة البن الذي كان يدار عن طريق الدولة العثمانية في ذلك الوقت. من جانبه تحدث عالم الآثار الغارقة الإيطالي روملو ريليتو؛ عن بداية المشروع في 2015 لدراسة الآثار الغارقة بين ينبع وأملج بتقديم شكره لفريق البعثة السعودية من هيئة السياحة، مشيراً إلى حفظ حطام هذه السفن في هذا الموسم، مؤكداً أنه في المستقبل سيتم إجراء مسوحات شاملة على اليابسة. وقال إن المنطقة المركزية في السفينة في الموقع وفي وسط السفينة وجد مجموعة أخرى من الفخار كبير الحجم ربما استخدم في عملية تخزين المياه لطاقم السفينة، وأيضاً الحبوب والبذور، كذلك وجد مجموعة من الأحواض الكبيرة سواء الجرار الكبيرة أو الأحواض ليست محفوظة بشكل جيد حتى الآن، وهذه ربما استخدمت في أعمال خدمة طاقم الرحلة، كما وجد مجموعة من الأكواب من البورسلين الصيني يعود تاريخها إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي. وأوضح أن الفخار المكتشف أو البورسلين الصيني حتى الآن يتكون من مجموعة من الأواني الزرقاء والبيضاء مزججة بالتزجيج القلوي عليها رسومات زرقاء إذا كانت الخلفية بيضاء، هذه الأواني عبارة عن أوعية ذات أقدام لا تحتوي على أيدي، العناصر الزخرفية موجودة على هذه الأكواب كثيفة جداً وغنية بعضها يظهر على شكل مناظر شاسعة، أيضاً أحجام هذه الأكواب صغير جداً لا يتعدى 5سم تقريبا. كما تم انتشال هذه الأكواب من القاع لعملية رسمها ووزنها وتصنيفها ودراستها ثم أعيدت مرة أخرى إلى مكانها الأصلي، كما يوجد مواد أخرى زجاجية وفخارية مشابهة لما وجد في موقع سدانا في مصر، وسوف يتم دراسة هذه الأواني الفخارية في المستقبل.
مشاركة :