يحظى مسجد جواثا التاريخي بالأحساء بأهمية خاصة، لكونه ثاني مسجد صليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقع المسجد على بعد نحو 20 كيلو متراً باتجاه الشمال الشرقي لمدينة الهفوف، وبني هذا المسجد أول مرة في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قام ببنائه (بنو عبد قيس) الذين كانوا يسكنون الأحساء آنذاك. ولا تزال قواعد هذا المسجد قائمة إلى وقتنا الحالي. ويعود تاريخ المسجد إلى بداية العصر الإسلامي، حيث كانت تقطن المنطقة قبيلة بني عبد القيس، الذين كان لهم السبق في اعتناق الإسلام والعمل بتعاليمه والجهاد تحت رايته. إذ يذكر أن حاكم عبد القيس المنذر بن عائد الملقب بالأشج فور علمه بظهور محمد - صلى الله عليه وسلم - أوفد رسولاً إلى مكة لاستجلاء الأمر، وحين وصل بالعلم اليقين أسلم وأسلم جميع أفراد قبيلته، وأقام مسجد جواثا. وذكرت جواثا في معظم الكتب التاريخية، فقد ذكرها الهمداني في وصفه جزيرة العرب وعدها مدينة بالبحرين، وكذلك ذكرها البكري، واشتهرت في كتب التاريخ والجغرافيا والأدب بمدينة الرخاء. وعرف عن جواثا أنها مركز تجاري تقصدها القوافل التجارية وتعود منها محملة ببضائع التمور والمنتجات الزراعية والعطور، وربما كانت سوقاً تجارية ترد إليها تجارة جنوب الجزيرة العربية لموقعها المميز، حيث تقع على طريق القوافل المتنقلة من الساحل إلى وسط الجزيرة العربية. واستمر عمرانها خلال الفترات الإسلامية المبكرة. وتبنت مؤسسة التراث الخيرية ترميم المسجد ضمن «برنامج إعمار المساجد التاريخية»، الذي بدأته المؤسسة بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ثم انضمت له الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. وتكفلت الهيئة الملكية للجبيل وينبع بتكاليف ترميم المسجد، مع عدد آخر من المساجد التاريخية في المنطقة الشرقية، وانتهت مؤسسة التراث من ترميم هذا المسجد مطلع شهر ذي القعدة من عام 1430هـ، وفق الأسس العلمية لترميم المباني الأثرية، وبإشراف فني من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وأعدت المؤسسة دراسة معمارية تاريخية للمسجد، لتحديد نوعية الأسقف المستخدمة في البناء الأصلي، وشكل الأبواب والنوافذ، وبعد ذلك أعادت بناء الأجزاء المُنهارة من المسجد، وترميم بقية الأجزاء بما يحفظ للمسجد أصالته، ويبقيه على هيئته الأولى قدر المستطاع، ليظل محتفظاً بطابعه المعماري. ويهدف «برنامج إعمار المساجد التاريخية»، الذي تتبناه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية ومؤسسة التراث الخيرية، وأطلقه الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز عام 1418هـ من خلال مؤسسة التراث الخيرية، إلى ترميم المساجد الخيرية وتوثيق تاريخها وإعادة الحياة والصلاة إليها.
مشاركة :