من كرسيه المدولب المزود بشاشة هي أداة وحيدة للتخاطب مع العالم، أو ربما من ثقب أسود في الكون، اجتذب العالِم البريطاني ستيفن هوكينغ سينما هوليوود، فصنعت عنه فيلم «نظرية لكل شيء» (2014- بطولة إيدي ريدمان، وإخراج جايمس مارش). ويركزّ الفيلم على جوانب إنسانيّة في حياة هوكينغ الذي يعتبر أبرز علماء الفيزياء النظرية Theoretical Physics حاضراً. ويرأس هوكينغ قسم البحوث في «مركز علوم الكون النظريّة» في جامعة كامبريدج. وأصابه مرض متلف للجهاز العصبي - الحركي أثناء دراسته في الجامعة. وتنبأ الأطباء بوفاته خلال عامين، إلا أنه عاش ما يزيد على أربعين عاماً بعدها، وما زال حيّاً. وبسبب مرضه المستعصي، لا يكتب هوكينغ ولا يتكلم إلا بواسطة كومبيوتر خاص. تزوّج وأنجب ثلاثة اطفال. وساهم في توسيع نظرية «الإنفجار الكبير» عن نشوء الكون قبل قرابة 13.5 بليون سنة. ويعود إليه الفضل في تطوير النظرية الحديثة عن «الثقوب السود» Black Holes التي رأى أنها ليست سوداً تماماً، بل تصدر عنها أشعة سُميّت باسمه. كما ساهم في صوغ نظريات عن إمكان وجود «أكوان موازية» Parallel Universes تشبه كوننا، لكنها تختلف عنه أيضاً. ويستمر في العمل على توحيد النظريات الأساسية في الفيزياء النظريّة (وهي وثيقة الصلة بالرياضيّات)، خصوصاً النسبية بشقيها العام والخاص من جهة، وفيزياء الكموميّة Quantum Mechanic التي أرساها علماء كماكس بلانك وإرفينغ شرودنغر وورنر هايزنبرغ. أكوان وأزمنة يهتم هوكينغ بشدّة بمسألة وجود حضارات كونيّة، وبحث إمكان التواصل معها. وذاع صيته جماهيريّاً بداية من عام 1993، بفضل تأليفه كتاب «موجز لتاريخ الزمان»، الذي شرح فيه نظرته إلى الكون والجاذبية والزمن والسرعة والمسافة والضوء والطاقة. ويشمل الكتاب عرضاً سريعاً لنظريات أساسيّة في الفيزياء والرياضيّات، شكّلت أساساً للثورة العلمية التي بدأت مع غاليليو ونيوتين. ويرى هوكينغ ان مجالات الكون تعمل بقوانين رياضية دقيقة. ولذا، يحثّ على إنفاق بلايين الدولارات لصنع ماكينات ضخمة تستطيع دراسة المُكوّنات الأكثر أساسيّة للمادة والطاقة (بما فيها الجاذبية)، كـ «مُصادِم «هادرون» الكبير» التابع لـ»المركز الأوروبي للفيزياء النووية» («سيرن») في جنيف. وفي طفولته، كانت القطارات الكهربائية حلمه الدائم، إذ أهدته عائلته قطارات تعمل بالزبنرك، لكنها لم ترضِه أبداً. وفي مراهقته، انجذب إلى صنع نماذج للسفن والطائرات. لم يكن مِمَن يتقنون العمل بأيديهم (بل سيُقعد كليّاً في مراحل مبّكرة من عمره)، لكنه تعاون مع صديق له في صنع تلك النماذج. وفي مراحل دراسته المختلفة، مال هوكينغ دوماً إلى البحوث والاختبارات أكثر من ميله إلى إنجاز المقرّرات الدراسيّة. ولذا، لم يكن مستواه المدرسي متألّقاً، بل أنه لم يتجاوز المستوى المتوسط. أطلق عليه زملاؤه لقب «إينشتاين» تهكّماً، بل أن بعضهم راهن على أن هوكينغ لن يفلح في إنجاز أي شيء في حياته. وقبل اختتام المرحلة الثانوية من الدراسة، قرّر هوكينغ التخصّص في الرياضيات والفيزياء، تأثّراً بمدرّسَهُ في المادتين. في المقابل، رغبت أسرته بشدّة أن يكون طبيباً، لكنه لم يحب علم البيولوجيا الذي رأه مجالاً للأشخاص المتواضعي الذكاء! الجامعة ملل مجرّد نال منحة للدراسة في جامعة «أكسفورد» البريطانيّة. أمضى هوكينغ 3 سنوات في هذه الجامعة العريقة، لكنه رآها مملّة، تماماً كما سيفعل بعده بسنوات طويلة بيل غيتس، المؤسّس الأسطوري لشركة «مايكروسوفت». والطريف أن كلاهما رأى في الجامعة مؤسّسة غير ذكية، يمكن التقدّم فيها بمجرد الفوز في امتحان عند نهاية كل سنة دراسيّة. وعلى رغم إعترافه بأنه لم يعمل أكثر من ساعة يومياً في «أكسفورد»، إلا أنه نال درجة متقدمة، أهّلته للإنتقال إلى مركز للبحوث في جامعة «كامبردج». واندفع إلى دراسة الفيزياء النظريّة (وهو عِلم يدمج الرياضيات بالفيزياء)، تحت تأثير حبّه للعالِم آلبرت إينشتاين. أصيب الجهاز العصبي لهوكينغ بمرض «التصلّب الوحشي الضموري» Amyotrophic Lateral Sclerosis، في السنة الأولى من دراسته الجامعيّة. ولم يفتّ الأمر في عضده، على رغم تأكيد الأطباء عدم وجود دواء شافٍ، بل توقّعهم أن تسوء حاله باطراد، وصولاً إلى الموت شللاً. عقد العزم على مقاومة المرض، خصوصاً بعد أن أحب فتاة، ما لبث أن خطبها وتزوّجها وأنجب منها، ثم... انفصلا! أصدر هوكينغ كتابه «موجز لتاريخ الزمان» في ما يزيد على أربعين طبعة بالإنكليزية. وتُرجم إلى معظم اللغات الحيّة. ويعتبر «موجز لتاريخ الزمان» من أكثر الكتب مبيعاً في التاريخ. واستطاع مُقْعَد، يعمل بواسطة كومبيوتر يلتقط حركات عينيه، هي الشيء الوحيد الذي يستطيع تحريكه، أن يصوغ أحدى أضخم نظريات العلم المعاصرة، وأن يؤلف كتباً ومقالات وبحوثاً هي الأكثر تأثيراً في العلوم المعاصرة.
مشاركة :