قلت البَصِيرةُ لا البَصَر

  • 1/22/2015
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

قَالوا العَمَى فَقْدُ النَّظَر قلت البَصِيرةُ لا البَصَر قالوا: الحياةُ قَصِيرةٌ والموتُ آفاتُ البَشَر قُلتُ: اجْعَلوا مِقْياسَكَم لَيسَ الزَّمَان بل الأثَر كَمْ في القُصُور مُغَيَّبٌ وَيظَلُّ ذِكْرُ ذَوِي الحُفَر وجدتني وبلا مقدمات أحيدُ عن الموضوع الذي كنت أعتزم الكتابة عنه إلى موضوع آخر مختلف كليَّاً، وذلك بعد أن اطلعت على دراسة حديثة لباحثين في جامعة سري البريطانية توصلت إلى أن إغماض العينين هي الطريقة المثلى لاسترجاع الذكريات، والعثور على المفقودات، و تذكر الرقم السري لبطاقة الصراف الآلي وغير ذلك. كما نصح الباحثون بتحفيز الشهود على إغماض أعينهم أثناء عملية الاستجواب والإدلاء بالشهادة ليتمكنوا من تذكر المزيد من التفاصيل. قفزت إلى ذهني حينها قصيدة وجهة نظر للشاعر والكيميائي الفلسطيني جمال حمدان زيادة والتي حازت على المركز الأول في مسابقة mbc ضمن مجال الشعر العامودي وتم إنشادها بعد ذلك. الحديث عن البصيرة والبصر يُذكرني بـجدِّي أحمد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، والذي لم يمنعه كفُّ بصره لما يزيد عن اثني عشر عاماً في أواخر حياته من أن يشهد صلاة الجماعة في المسجد المجاور لمنزله مُسابقاً المُبصرين في الحضور قبل أن يُؤذن المؤذن للصلاة، وكان يستعين على ذلك بساعةٍ ناطقة أحضرها له والدي حفظه الله، رغم أنني أوقن بأن إدراكه للوقت كان يفوق إدراكنا جميعاً، حتى أن إمام المسجد أعلن للمصلين عشية وفاته أن المسجد قد فقد ركناً هاماً من أركانه داعياً له بالرحمة والمغفرة. كنتُ أرقب ذلك بفَخْرٍ بالغ، وأتذكر حديث أنس بن مالك رضي الله عنه حين قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عزَّ وجل: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه- يريد عينيه- فصبر عوضته منهما الجنة» رواه البخاري. وفي ذلك يقول الشاعر فؤاد زاديكه: إنّ العمى لو شئتَ تعلمُ ما العمى ليس بفقد العين أو نور ِ البصرْ بل بالبصيرة والجهالة ذا العمى فاعلمْ يقينَ الأمر من وحي الفكرْ نعم.. قد يفقد الكثيرون من المبصرين نور البصيرة التي يتمتع بها غالب فاقدي البصر، حيث يتفوق الخيال لديهم على الرؤية الحقيقية فيرون ما لانراه، ويُبدعون فيما لا يُبدع فيه مَنْ أنعم الله عليهم بكافة الحواس، وما مهنَّد أبودية المخترع السعودي الذي فقد بصره ورجله اليمنى في حادثٍ مروع وهو لا يزال في مقتبل شبابه إلا أنموذجا رائعاً لنور البصيرة، فقد قال في لقاء تلفزيوني عقب الحادث بعام ونصف: إن كنت فقدت إحدى ساقيّ فأنا أقف على جبل من الطموح. ونزع نظارته السوداء وقام بتحطيمها بيده قائلاً: إن يأخذ الله من عينيّ نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور، ورمى بها أرضاً في إشارة حقيقية إلى أنه لن يعيقك عائق إذا كنت تملك إرادة فولاذية. والباحثون البريطانيون حين طالبوا بإغماض العينين فقد أكدوا لنا أهمية البصيرة في تحفيز الذاكرة، واسترجاع الماضي وتفاصيل الأحداث، وقد يثبتون غداً أو بعد غد أهميتها في صناعة المستقبل بإذن الله تعالى. وفي مؤتمر للمكفوفين بمصر ألقى الشاعر عبدالمنعم عواد قصيدته بين البصيرة والبصر وجاء فيها: كم مِنْ ذَوِي العَينين يَسْعَى في الحَيَاةِ بِلا أثَرْ وَسِوَاهُ رغْمَ عَتَامَةِ العينين أفْلَحَ وانتصَر قبل الوداع: سألتني: عبارةٌ لَمْ تُنصِف المرأة برأيك؟ فقلت: مقولة رومانية قديمة لـ كاتو مفادها عندما تغضبُ المرأة تفتح فاها، وتُغمض عينيها، ولا أعلم بالمقابل حينما يغضب الرجل ماذا يفعل؟!! *رئيسة وحدة الإعلام الاجتماعي بالمنطقة الشرقية

مشاركة :