دقت شركات النفط في بحر الشمال نواقيس الخطر حيث يبدو أن سعر برميل النفط خام برنت يتراجع بشكل مستمر تحت سقف 50 دولارا وهو تقريبا مستواه عام 2009 وهو ما يعني كارثة بالنسبة لصناعة النفط. وقد عبر عن ذلك روبين ألان، رئيس رابطة برينديكس البريطانية للشركات العاملة في التنقيب عن النفط، بقوله إننا على وشك الانهيار، لأن السعر الحالي للنفط يجعل تحقيق أرباح أمرا شبه مستحيل، وتمثل هذه الرابطة التي ينتمي إليها ألان مصالح شركات نفطية صغيرة. ويعتبر هذا الأمر تحولا مأساويا في مجال صناعة النفط في بحر الشمال وربما يمثل هذا التحول بداية النهاية لهذه الصناعة هناك، وكان قطاع صناعة النفط في بحر الشمال قد أعلن قبل عامين فقط عزمه ضخ استثمارات بقيمة 120 مليار دولار لاستخراج النفط من بحر الشمال، وهذه الخطط تستند إلى أمل القطاع في إمكانية زيادة الاستثمارات. غير أن شركات القطاع والشركات المغذية لها وشركات الخدمات المستفيدة منها قررت الآن إعادة النظر من جديد في جميع خطط الاستثمار أو تجميدها أصلا. وقال باتريك بويان الرئيس التنفيذي لشركة توتال الفرنسية العملاقة للنفط والغاز إن الشركة ستخفض إنفاقها على الحقول المتقادمة في بحر الشمال وعلى إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بعد الانهيار الأخير لأسعار النفط. وأضاف بويان أنه يتوقع أن تبقى أسعار النفط منخفضة في النصف الأول من 2015 بعد أن نزلت نحو 60 في المائة منذ حزيران (يونيو) إلى ما دون 50 دولارا للبرميل. وكان بويان قد ذكر في وقت سابق أن الشركة تعتزم خفض إنفاقها الرأسمالي 10 في المائة هذا العام من 26 مليار دولار في 2014 كما تدرس تجميد التوظيف في 2015. وذكر بويان أن توتال ستخفض الإنفاق في بحر الشمال الذي ينتج مزيج برنت خام القياس العالمي مع تراجع الربحية، كما سيتم تقليص الإنفاق على إنتاج النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة الذي تزايد في السنوات القليلة الماضية ما تسبب في ارتفاع امدادات النفط العالمية. وأضاف بويان أن لدينا حقولا في الساحل الشرقي الأمريكي وتعليماتي كانت واضحة، سنقلص استثماراتنا، ويمكن أن نعود خلال عام مع تحسن الأسعار، وبذلك تنضم الشركة الفرنسية إلى مجموعة من شركات النفط العالمية التي خفضت ميزانياتها في 2015 بسبب تراجع أسعار النفط ومن بينها بي.بي وكونوكو فيليبس. وتقادمت حقوق النفط في بحر الشمال أو أوشكت على النضوب حيث كانت شركات النفط في هذه المنطقة تستخرج في فترة تسعينيات القرن الماضي التي تمثل أزهى عصورها أكثر من 250 مليون برميل من النفط الخام، ثم تجاوزت هذه الشركات ذروة إنتاجها لتعود للتراجع بسرعة من جديد، ليصبح إنتاجها هذه الأيام أقل من نصف ما كانت تنتجه قبل نحو 20 عاما. واستطاعت شركات النفط دائما وبتكاليف متزايدة الاستمرار في استخراج النفط من حقوله، ويشتهر الدنماركيون على وجه الخصوص بأنهم الأقدر على مستوى العالم في استنفاد حقول النفط بأقصى درجة ممكنة ولكن ذلك يكلفهم أيضا الكثير من المال. وارتفعت تكاليف استخراج النفط منذ عام 2011 في حقول النفط المقابلة لسواحل اسكتلندا بنسبة أكثر من 60 في المائة وحصلت الشركات المغذية لصناعة استخراج النفط على نصيبها من الكعكة عندما ارتفع سعره عن حاجز 100 دولار، غير أن سعر النفط تراجع لأقل من نصف سعره منذ الصيف الماضي. ورأى شتيفان بوكولد، خبير الطاقة الألماني في مدينة هامبورج، أن هذا التدني الواضح في سعر النفط يعتبر صدمة للقطاع وسيؤثر في عالم النفط على المدى البعيد وتوقع أن يدفع هذا التراجع شركات النفط لمراجعة خططها ودراسات الجدوى التي أعدتها من قبل للاستثمار في القطاع وخاصة في المشاريع المكلفة، مشيراً إلى أن هذا التراجع الواضح في أسعار النفط سيجعل من الصعب على شركات النفط العثور على جهات ممولة للمشاريع العملاقة. وانتشرت المخاوف في مدينة أبردين الاسكتلندية الشهيرة بصناعة النفط على مستقبل الصناعة والعاملين بها، وكانت أولى عواقب هذا التراجع إعلان عدد من شركات النفط عزمها خفض عدد عامليها. وفي النرويج يواجه 10 في المائة من إجمالي نحو 100 ألف وظيفة في القطاع خطر التسريح، وتعتزم شركة شتات أويل المملوكة للدولة التي تتجاوز أنشطتها استخراج النفط والغاز في بحر الشمال خفض الإنفاق لديها بواقع 1.3 مليار دولار بحلول عام 2016. أما الاستخراج الألماني للنفط في بحر الشمال فقليل نسبيا حيث يبلغ حجم النفط المستخرج من منصة فاتنمير في ولاية شليسفيج هولشتاين الواقعة على بحر الشمال نحو 1.3 مليون برميل سنويا. وذكر المتحدث باسم شركة "آر في إيه ديا" الألمانية العاملة في استخراج النفط أن جدوى استخراج النفط تراجعت بشكل واضح، مشيراً إلى أن الشركة ستختتم مشروع تنقيب حالي عن النفط قبل أن تتوقف عن التنقيب لدراسة جدواه أولا.
مشاركة :