تواجه إيران وضعا صعبا بعد فرض الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية نوفمبر الجاري، والتي وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنها "العقوبات الأكثر إيلاما"، وجاءت العقوبات لتضيف إلى حالة اليأس المنتشرة في الشارع الإيراني بشأن وضع الاقتصاد والخوف على المستقبل، فقد استقبل الشعب الإيراني -الذي يعيش غالبيته تحت خط الفقر- العقوبات الجديدة بإلقاء اللوم على المسؤولين المنضوين تحت عباءة المرشد علي خامنئي، ولا شك أن الانتشار الأمني الواسع وانقطاع الإنترنت يلعب دورا في إخماد انتفاضة الشارع، رغم ذلك اندلعت موجة احتجاجات وإضرابات عمالية في أنحاء متفرقة من مدن إيران وأعرب المحتجون عن قلقهم بسبب ما وصفوه بـ "الوضع الغامض". ولا شك أن صفعة العقوبات الجديدة التي وضعت إيران في هذا المأزق الاقتصادي ستفرز عن انقسامات داخلية في إيران، فعلى غرار من يطالب بإسقاط النظام لفشله السياسي، فإن الضغوط الاقتصادية تحمل كذلك قنبلة ستنفجر في وجه نظام الملالي، خاصة بعد الكشف عن الأرقام الحقيقية للمأساة التي يعيشها المواطنون والتي كان يتستر عليها النظام الإيراني لعقود بل يصدِّر للإعلام الخارجي أرقاما وإحصائيات مبالغا فيها ترسم صورة مزيفة لنجاحات كاذبة على كل الأصعدة. وفي ظل مرحلة تصفية الحسابات والصراع المشتعل بين تيارات النظام الذي له باع كبير في التدخل في شؤون بلدان كثيرة وعدم احترام القانون الدولي ومهاجمة السفارات وزرع الخلايا الإرهابية النائمة في دول عدة وتمويل العصابات التخريبية في المنطقة العربية، خرج بعض المسؤولين بتسريبات تكشف فشل النظام طيلة أربعة عقود وجرائمه بحق الشعب ونهب أمواله وتدمير البنية التحتية للدولة واستغلال مواردها في تمويل العمل العسكري والجماعات الإرهابية في المنطقة العربية. ونقل المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الاستراتيجية، عن شهاب نادري، عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني، قوله إن 80 % من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وجاء اعتراف نادري في جلسة استجواب لوزير التعاون والعمل والضمان الاجتماعي علي ربيعي، وحذر نادري من البطالة المنتشرة بشكل واسع في البلاد، مؤكدا أنها أصبحت أزمة أمنية حقيقية تهدد النظام الإيراني. نظام الملالي دعم الإرهاب ومول عصابات التخريب بأموال شعبه ووفق لما أعلنه رئيس منظمة الرفاهية، أنوشيروان محسني، فإن هنالك ما بين 12 إلى 13 مليون مواطن إيراني يعيشون في بيوت من الصفيح، واعترف وزير الطرق والمدن عباس آخوندي، بوجود نحو 19 مليون مواطن إيراني يعيشون في مساكن سيئة لا تتوفر فيها إمكانيات الراحة والأمان. وقالت د. نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة: إن هذه النسبة من الفقراء في إيران لم تكن بين يوم وليلة وإنما تدرجت، أعتقد أنه بعد فرض حزمة جديدة من العقوبات الأميركية على إيران فهناك سيناريوهان؛ أن يزيد سخط الشعب الإيراني ويؤدي ذلك إلى قلاقل في إيران بسبب فقدان الأمل، أو أن تحاول السلطة الإيرانية استخدام ذلك وتضع نفسها في صورة الضحية وستستخدم الشعارات والخطابات الشعبوية والدين وآليات مختلفة ولكن العالم الخارجي سيقف أمامها، وأضافت بكر في تصريحات خاصة لـ"الرياض" أن العقوبات الأميركية ستشكل ضغطا اقتصاديا على إيران من دون شك، ولكن السوابق التاريخية توحي بأن السلطة في إيران ستحاول استخدام هذه الورقة لصالحها كما استخدمتها منذ العام 1979م، علينا أن ندرك أن هذه ليست أول عقوبات تمر بها إيران. وأكد د. أحمد الشاذلي، أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة المنوفية بمصر: أن العقوبات الأميركية لها تأثير سلبي على الاقتصاد الإيراني وطالما هناك تأثير فهناك تأثير على حياة المواطنين سيكون تأثيرا سلبيا على المدى القريب، والاقتصاد الإيراني يعاني في الأصل من سوء توزيع الثروة على المواطنين، إضافة إلى المشاركة في الكثير من الحروب والصراعات سواء في العراق أو سورية أو اليمن بالإضافة إلى توغلها في أفريقيا وبعض الدول الآسيوية، وبالتالي العقوبات عندما تشمل جانبا معينا وهو "البترول" فربما يؤدي ذلك إلى انكماش التوغل الإيراني في الدول العربية وفي الدول التي تمتد إيران بنفوذها فيها، وستضطر إيران مجبرة إلى تخفيف نفقاتها في هذه الدول خارج حدودها. وبدلا من أن يوجه النظام مقدرات الدولة لإنقاذ المواطنين من الوضع السيئ الذي يعيشون فيه، أنفقت إيران ملايين الدولارات لتحقيق حلمها الواهم على مدار العقود الماضية للسيطرة على الخليج العربي الذي يمتد من خليج عمان جنوبا حتى شط العرب شمالا. وكشفت تصريحات أكبر تركان، كبير مستشاري الرئيس الإيراني حسن روحاني وسكرتير مجلس التنسيق للمناطق الحرة في إيران، عن نية طهران لتغيير ديموغرافية سواحل الخليج العربي وبحر عمان، من خلال تهجير مواطنين لها من سائر المحافظات، وقال تركان: إن ما يقارب 80 % من سكان العالم يعيشون في السواحل في حين أن في سواحل جنوب إيران من المحمرة إلى كواتر يعيش فيها مليون ونصف المليون نسمة فقط أي نسبة أقل من 2 % من مجموع السكان، ويستهدف المشروع الإيراني رفع عدد سكان سواحل الخليج وبحر عمان إلى 5 ملايين نسمة في خلال الخمس سنوات المقبلة ضمن الخطة الخمسية السادسة في البلاد التي تبدأ هذا العام. وأضاف تركان: أنه سيتم نقل مليونين ونصف المليون مواطن من مختلف المحافظات إلى سواحل الخليج العربي، ومليونين ونصف المليون الآخر إلى سواحل بحر عمان. ورغم التصريحات الشكلية للسلطة الإيرانية بأن الهدف وراء المشروع اقتصادي تجاري إلا أن جعفر قادري المندوب السابق لمدينة شيراز بمجلس الشورى الإيراني، كشف مساعي المخطط الإيراني عندما قال: إنه نظرا لمسمى الخليج الفارسي فإن ربط محافظة فارس بالخليج يأتي في إطار الأهداف الاستراتيجية للنظام في طهران. وتؤكد جميع الوثائق والكتب التاريخية لرحالة أجانب وكتاب من عرب فارس أن البر الشرقي للخليج العربي كان ميناء تجارة العرب قديماً قبل أن يتم تهجيرهم إلى الساحل الغربي بعد نجاح اتفاقية بريطانية فارسية مشتركة. على سبيل المثال لا الحصر فإن الرحالة الألماني كارستسن نيبور الذي عاش في الفترة ما بين 1733 و1815 قال عند مجيئه إلى المنطقة في العام 1765 أي في منتصف القرن الثامن عشر: يخطئ بعض الجغرافيين إذا اعتبروا أن جزءًا من السواحل العربية في الخليج كانت خاضعة لملوك العجم، بل إن العكس هو الصحيح، مضيفًا في كتابه الذي يعد من أهم الكتب التي نتجت في القرن الثامن عشر عن منطقة الخليج، من المضحك تسمية هذا الخليج العربي بالخليج الفارسي، وذلك لأن العرب كانوا يسيطرون على الخليج بشاطئيه الغربي والشرقي.
مشاركة :