مؤسسات الأحداث العقابية بمصر تمنح الأطفال فرصة جديدة للحياة

  • 11/19/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

طاردت السمعة السيئة المؤسسات العقابية المخصصة لسجن الأحداث (سجون الأطفال حتى سن 18 عاما) في مصر، ونُشرت عنها الكثير من الجهات البحثية تقارير تخص انتهاكات ووقائع تعذيب ضد الأطفال المحتجزين داخلها. وبدأت الصورة تتغير تدريجيا مؤخرا مع فرض اهتمام حكومي أكبر لإعادة تأهيل السجناء الصغار للرجوع للمجتمع، حتى لا يعودون للأعمال الإجرامية مرة أخرى. القاهرة – جاء تولّي فاطمة عبدالباسط، مديرة للمؤسسة العقابية للأحداث بالمرج (شمال القاهرة)، وهي الجهة المصرية الوحيدة المنوط بها إعادة تأهيل أطفال الأحداث المدانين في قضايا مدنية، بارقة أمل للمئات من الأطفال الذين ظلوا لعقود يعيشون تحت اختزالهم في صفة مجرمين. ونجحت هذه السيدة في إعادة تلك الجهة، التي نشأت منذ 35 عاما بالقاهرة، لتكون مركزا لإعداد الأطفال الصغار المسجونين من سن 15 إلى 18 عاما، ليكونوا أكثر إيجابية مع المجتمع، بعد أن أصابها إهمال حوّلها إلى مكان انتشرت داخله الأمراض وممارسة الشذوذ الجنسي بين الأطفال، وتركوا دون تأهيل نفسي أو اجتماعي، ما جعلها مصدر إزعاج لبعض القائمين على ملف حقوق الإنسان. شُرع أول قانون لمعاملة الأحداث جنائيًا في مصر عام 1983. وأقرت القوانين المتتابعة بعد ذلك ضرورة إصلاح المشاكل النفسية والجسدية لدى هؤلاء الأطفال والعمل على احتوائهم بالرعاية والعناية، بعد الظروف القاسية التي مروا بها، وأدت بهم إلى الجريمة. يبلغ عدد المؤسسات المخصصة لرعاية الأطفال الأحداث، في مصر 24 مؤسسة منها 18 للذكور، و6 للإناث، وبدأت الجهات الرسمية تهتم بها مؤخرا، بعد أن لاحظت خطورة النتائج التي أفرزتها، من وراء إهمالها. الخلافات بين الوالدين وطلاقهما، أو غياب الأب عن الأسرة، من أكثر الأسباب التي تؤدي بالطفل إلى نهاية مأساوية طرحت الإشادات التي رافقت المؤسسة العقابية المصرية، تساؤلات حول ما يجرى داخل تلك الأماكن. وقالت فاطمة عبدالباسط لـ”العرب”، “كانت حالة الأطفال في المؤسسة قبل سنوات يُرثى لها، فلم تكن هناك أنشطة يمارسونها، تعليمية وتثقيفية وترفيهية، واليوم بالنسبة إلى الصغار ينتهي عند الثانية ظهرًا، ويتم حبسهم حتى اليوم التالي في غرفهم، دون استغلال لطاقتهم في أنشطة تروض شخصياتهم وتساعدهم على تعديل سلوكياتهم، وتحويلهم إلى أشخاص أسوياء يواجهون المجتمع عند خروجهم ولا يعودون إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى”. يأتي الطفل الصغير بعد الحكم عليه إلى المؤسسة العقابية مكبلًا بالأصفاد، مرتعدًا ومتوترًا لا يعرف أي مصير ينتظره داخل هذا المبنى الذي يطالعه من وراء قضبان سيارة الترحيلات الزرقاء، فكل ما عرفه عنها لا يبشر بالخير، من سمعة سيئة في التعذيب والضرب والإهانة. البعض منهم يُعد نفسه لتحمل الاعتداء الجسدي قبل دخوله، بتناول جرعات من الحبوب المخدرة، حتى لا يشعر بآلام، هكذا تقول عبدالباسط، “تلك الاعتداءات لم يعد لها وجود واستبدلت بالمعاملة الآدمية، والرعاية للطفل بشكل سليم”. الزائر الجديد أو الحدث المحكوم عليه في جريمة ما، يتم ترحيله من المحكمة إلى المؤسسة، ويمر بعدة خطوات حتى يتم تسكينه بشكل نهائي في الغرفة التي يقضي فيها سنوات سجنه. تنقسم مراحل استقبال الطفل عند تسجيله بالمؤسسة العقابية إلى مجموعة جلسات أمنية ونفسية واجتماعية، يضعها متخصصون تابعون لوزارة الداخلية ووزارة التضامن الاجتماعي. تأتي أولى الجلسات مع الأخصائي النفسي والاجتماعي لتقييم شخصية الطفل والتعرف عليه عن قرب وتحديد سلوكه، إن كان عنيفا أم عدوانيا؟ وهل ارتكب جريمته عن قصد أم أنه إنسان سويّ جرفته الأقدار إلى اقتراف الجريمة صدفة والوقوع بالمحظور؟ ثم المرحلة الثانية الخاصة بتوزيعه على العنابر. وأوضحت مديرة المؤسسة العقابية لـ”العرب” أن غالبية الأطفال لا يظهرون مشاعرهم الحقيقية في أول لقاء مع الأخصائيين، وغالبًا ما يكون الحدث خائفًا ومتوترًا ويكذب، وأصبح لدى المسؤولين بالمؤسسة خبرة كافية لمعرفة شخصية الطفل، وتصنيف العنبر الذي يقيم فيه. ويحتاج الطفل إلى وقت لا يقل عن شهر ليطمئن إلى المؤسسة والعاملين بها، ويبدأ في التكيّف، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الأخصائيين الاجتماعيين، الذين من المفترض ألا يتركوا الأطفال، فساعات عملهم مقسمة إلى ورديات، يقضونها معهم في الأنشطة المختلفة، كذلك في المبيت داخل العنبر، لتفادي وقوع حوادث. وأشارت عبدالباسط، إلى أن المؤسسة العقابية تحتوي على 11 عنبرا للمبيت، ويتم اختيار العنبر المناسب للطفل حسب حالته، “ولا يتم تسكين الأطفال المتهمين في قضايا مخدرات معا حتى لا يسهل عليهم التكتل”. تأهيل لضمان وجود فرصة عملتأهيل لضمان وجود فرصة عمل وألقت غالبية روايات الأطفال عن أسباب وجودهم في المؤسسة المسؤولية على عاتق الأسرة، حيث عانى هؤلاء من غياب الأب أو الأم أو وجوده مع قسوته وتعاطيه المخدرات، وينتهي الأمر بتشريد الأطفال ووقوعهم ضحايا. وكشف المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، خلال مسح أجراه عن حالات السرقة عند الأحداث، أن 75 بالمئة من المجرمين الصغار كانوا ضحايا للتفكك الأسري والنزاعات بين الوالدين، والتي تصل إلى الطلاق. ويقول وائل سليمان، أخصائي اجتماعي بالمؤسسة العقابية، لـ”العرب”، أن هناك كثيرا من الأطفال ارتكبوا الجرائم، على خلفية ظروف أسرية صعبة، وفقر مدقع، ونشأة عسيرة، ما اضطرهم إلى اقتراف الجرائم التي تتنوع بين سرقة واغتصاب وقتل، وتعد الخلافات بين الوالدين وطلاقهما، أو غياب الأب عن الأسرة وتخليه عن المسؤولية، من أكثر الأسباب التي تؤدي بالطفل إلى نهاية مأساوية. وسرد سليمان العشرات من الحكايات عن أطفال قضوا فترة سجنهم بالمؤسسة، ولا يزورهم الأهل لأنهم لا يكترثون لأمرهم أو بسبب أنهم فقراء ولا يقدرون على دفع تكاليف السفر، لأن المؤسسة يلتحق بها أطفال من جميع أنحاء مصر. تضم المؤسسة العقابية بالمرج أكثر من 15 ورشة متخصصة في النجارة والسباكة والجزارة وصيانة السيارات، وصيانة الكمبيوتر والهاتف المحمول، والتكييف والتبريد. ويتم توزيع الأطفال عليها، كل حسب اهتماماته، إضافة إلى المزرعة التي يعمل بها الأطفال القادمون من بيئات ريفية، لضمان وجود فرصة عمل لهم حينما يخرجون من المؤسسة. يشير سيد حجاج، مسؤول وحدة الرعاية بالمؤسسة، أنه يتم التعرف على مواهب الطفل منذ لحظة دخوله للمؤسسة، ويتم توزيعه على الورش المختلفة، للوقوف على احتياجاته ودعمه، بعد خروجه، بإقامة مشروع صغير تصل تكلفته إلى نحو 1000 دولار، ويتم متابعة المشروع من قبل لجنة مشكلة، ومتابعة الطفل بشكل مستمر لمعرفة مدى استفادته.

مشاركة :