ربما تكون واحدة من مآزق المقالة الأسبوعية أن تكتب عن حدث ساخن متلاحق التطورات والتفاصيل، خصوصاً عندما يعلم القارئ (وغالباً لا يعلم) أن موعد تقديم المقالة يكون بحده الأدنى قبل موعد نشرها بـ48 ساعة، بسبب ظروف التنفيذ والطباعة، ما يعني أنه حتى وأنت تكتب عن هذا الحدث أو ذاك لحظة وقوعه فإن تطورات متسارعة قد تحدث خلال هذين اليومين، واللذين يمثلان الفترة ما بين تسليم المقالة وحتى موعد نشرها وبثها على موقع الصحيفة الإلكتروني، وقد يحدث خلال هذه الفترة ما يقلب كل الموازين والرؤى والأطروحات والتوقعات التي تضمنتها مقالتك، وبالتالي تبدو الكثير من مقالات الكتاب الأسبوعية التي تتطرق للحدث المتطور فضفاضة مواربة الأبواب والاحتمالات، وتكثر فيها (اللّولوة) وخطوط الرجعة والأخذ في الاعتبار لكل المفاجآت، ما يفقد الكاتب التركيز على رؤية موحدة، ناهيك عن استهلاك كل ذلك الحشو من التوقعات لمساحة مقالته، ليجد نفسه فجأة قد وصل للحد النهائي لعدد الكلمات المطلوبة منه قبل أن يقدم خلاصة الفكرة التي في ذهنه. وبلا شك فإن خبرة الكاتب ومهارته وقدرته تمثل العنصر الأهم في تجاوز مثل هذه المآزق قدر المستطاع، لأنه في النهاية ووفق اهتماماته ومجال كتابته يجد من الصعوبة والحرج بمكان أن يظهر مقالته الأسبوعية بعيداً عن تناول حدث مهم وضخم وبات يمثل حديث الشارع المحلي والخارجي. الجديد اليوم في ظل تسارع الأحداث وتطور التقنيات المتحكمة في صناعة الإعلام أن هذا المأزق أصبح الحديث فيه عن المقالة الأسبوعية نوعاً من التخلف التقني الذي قد يصل لحد السخرية، كون أن هذه الأزمة تطورت وأصبحت تهدد حتى المقالة اليومية التي تقدم قبل ٢٤ ساعة من موعد الطباعة والملزم للموقع الإلكتروني بعدم تجاوزه، مما يعني أن هناك فترة زمنية تمتد ليوم كامل تشهد ساعاتها الكثير من الأحداث والتطورات التي قد تحرج الكاتب كثيراً ويتساءل معها القارئ الإلكتروني: أين كان نائماً هذا الكاتب؟! وعندما يتفهم الكاتب كل ذلك ويحاول أن يهرب من مثل هذا المأزق ويكتب عن قضية اجتماعية أو قصة منتهية التفاصيل يعود القارئ الإلكتروني نفسه ويتساءل: أين يعيش الكتاب وكيف يتجاهلون حدث الساعة؟ لذلك، فإن المسألة بالنسبة لكتاب الأعمدة الصحافية اليوم أمام تطورات الأحداث من جهة وتطور التقنية الإعلامية من جهة أخرى لم تعد مجرد تحدٍّ مهاري ومهني، بل إني أضيف أنها أصبحت في الوقت ذاته مدعاة للشفقة على حال الكاتب الصحافي الذي يرى الإعلام الجديد وقد أجهز على كل فرص تميزه وتفوقه، لا من حيث عامل الوقت ولا من حيث الفرص الواسعة أمامه لتحديث المعلومات وتعديلها، بل وحتى حذفها واستبدالها. صناع وربابنة الصحافة التقليدية بنسختيها الورقية والإلكترونية مازالوا إلى اليوم متمسكين بمنهج الحفاظ على قدسية المقالة الصحافية في شكلها وطرحها وضوابطها، ويعتبرون أن أي تدخل لتقنية الإعلام الجديد ستكتب نهاية الهيبة لأهم أركان الصناعة الصحافية. لننتظر ونتابع من سيصمد في النهاية!
مشاركة :