عبر البلقان وسيرا على الأقدام وصل القاصر السوري محمد نور إلى ألمانيا. كيف يمضي أوقاته وما هي طموحاته في هذا البلد؟ مهاجر نيوز يسلط الضوء على حياة اللاجئين القاصرين من خلال سلسلة "أحلام القاصرين الجدد في ألمانيا". "بما أنني قاصر، أريد لمّ شمل عائلتي" هكذا أجاب محمد نور عندما سألناه عن أمنيته، فقد كان عمره 15 عاما عندما وصل إلى ألمانيا بمفرده. بعد اندلاع الحرب في سوريا، قرر والدا محمد إرساله إلى ألمانيا، لأن "حياتنا لم تكن آمنة، وخوف والدي علي من التجنيد دفعهما إلى إرسالي إلى ألمانيا" يقول محمد. لم يكن طريق اللاجئ السوري إلى ألمانيا سهلا. إذ كان عليه أن يقطع طريقا جبليا لمدة 12 ساعة سيرا على الأقدام ليصل إلى تركيا، وكان هو القاصر الوحيد ضمن مجموعة مؤلفة من 25 شخصا. عبر طريق البلقان وصل محمد إلى ألمانيا ليتم استقباله في مركز استقبال اللاجئين، وبعد ذلك تم إرساله إلى مخيم خاص باللاجئين القاصرين في مدينة تسيتاو الواقعة في شرقي ألمانيا. العشق ودوره في إتقان اللغة صحيح أن محمد كان مع شباب قاصرين من عمره، لكن ذلك لم يهون عليه وحدته، إذ بقي أكثر من شهر بمفرده في غرفته. فهو لا يتقن لغة القاصرين الآخرين، التي تساعده على الاحتكاك معهم. الأمر الذي دفع القائمين على رعاية القاصرين إلى تأمين مترجم خاص له، ليتعرف بعد ذلك على شاب أفغاني، "ساعدني كثيرا على تعلم اللغة الألمانية" يقول محمد ويضيف "بفضله تمكنت من إتقان اللغة الألمانية بشكل جيد جدا، بل وحتى أفضل بكثير من دروس اللغة التي كنا مجبرين على حضورها في المدرسة". الفتى السوري محمد نور: عشت قصة حب ساعدتني على اتقان اللغة الألمانية لم يكن الشاب الأفغاني وحده من ساعد محمد على فك رموز اللغة الألمانية وإتقانها، بل إن لقصة العشق التي عاشها دور مهم في ذلك، "عبر فيسبوك نشأت علاقة عاطفية بيني وبين شابة ألمانية". بمساعدة مترجم غوغل، كان محمد يقرأ ما كانت تكتبه له صديقته، ليزداد بذلك اهتمامه بإتقان اللغة. كثيرا ما كانا يلتقيان بعد المدرسة ويذهبان سوية إلى منزل عائلة صديقته، أو يتنزهان على ضفاف بحيرة قريبة من مكان سكنه "هذا المكان كان المكان المفضل لدي في هذه المدينة الصغيرة". "المساعدات المالية لا تكفي لتناول الوجبات الجاهزة" في تسيتاو كان على محمد الذهاب، يوميا ولمدة ثماني ساعات إلى مدرسة مهنية لتعلم اللغة، وليتمكن بعد ذلك من البدء بالاختصاص المهني في مجال الميكانيك، وهو ما لم يكن يرغب به الفتى السوري، لأنه يريد أن يتابع دراسته في مدرسة ثانوية "ما يتيح لي تحقيق حلمي في أن أصبح مدرسا في مادة الرياضيات". ليس ذلك فحسب، بل إن محمد كان يرى الذهاب إلى المدرسة المهنية إضاعة للوقت إذ "تم تخصيص صف خاص للاجئين فقط، ما جعلنا منعزلين عن الاحتكاك بالتلاميذ الألمان. وبالتالي لم نكن قادرين على تطوير مهاراتنا اللغوية بشكل كاف. ليس ذلك فحسب، بل حتى إن المدرس كان يكتفي بتعليمنا بعض المصطلحات الميكانيكية فقط". رغم صغر سنه كان الفتى السوري يعتمد على نفسه في كل أموره. فبعد الانتهاء من دوامه المدرسي، كان ينبغي عليه العودة إلى المنزل وتحضير طعامه "لم أكن اعرف أصول الطهي، ولكن هنا اضطررت لأقوم بذلك، فالمساعدة المالية المخصصة لنا شهريا، لا تكفي لتناول الوجبات الجاهزة يوميا". كانت الرياضة هي أكثر ما يستمتع به محمد في مخيم اللاجئين القاصرين في تسيتاو "كانت هناك غرف مخصصة لنا لممارسة الرياضة، وأنا أهوى الرياضة كثيرا". فتية قاصرون من بلدان مختلفة في المانيا ينجحون رغم المصاعب التي لا تقتصر على اللغة حان وقت الرحيل بعد مرور عدة أشهر على إقامة محمد في مخيم اللاجئين القاصرين في تسيتاو، تمكن من الاندماج مع أصدقائه الآخرين. لكن ذلك لم يكن سببا كافيا لبقائه في تسيتاو. فهو يريد متابعة تعلمه في المدرسة الثانوية، لكن ذلك غير ممكن لأنه "لا يوجد في تسيتاو مدارس ثانوية، والوصية المسؤولة عني، كانت مثقلة بالمسؤوليات ولم تساعدني على ترجمة أوراقي وتقديمها إلى ثانويات في مناطق أخرى." إصرار محمد على متابعة دراسته في المدرسة الثانوية كان الدافع الأساسي لمغادرة تسيتاو والاستقرار في مدينة كولونيا "أردت أن أعيش بالقرب من أخي، فهو لاجئ ولديه إقامة لمدة ثلاث سنوات وبإمكانه أن يكون الوصي المسؤول عني هنا". ربما يشعر محمد بالاطمئنان أكثر في كولونيا لقربه من أخيه، لكن ذكرياته في تسيتاو لا يمكن نسيانها، ويقارن كولونيا بتسيتاو بأنه "في مركز القاصرين كان المسؤولون لطيفين جدا، وكانوا يبذلون أقصى ما لديهم لخدمتنا وخاصة عندما يتعلق الأمر بالدوائر الألمانية. أما هنا في كولونيا، علي القيام بجميع هذه الأمور، فأخي لديه أعمال أخرى ولا يمكنه مساعدتي دائما". العودة إلى سوريا خيار وارد يعيش محمد في غرفة صغيرة جدا، لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار. ولم يحصل سوى على الحماية الثانوية و"إقامة لمدة عام واحد" في ألمانيا. ورغم ذلك يرى أن الحياة في ألمانيا جميلة جدا "هنا لا توجد حرب وإمكانية التعلم متاحة" لكنه يفتقد أهله ويقول "لو تمكنوا من القدوم إلى هنا ستكون ألمانيا بلدي الثاني". ويأمل محمد أن يتمكن من تحقيق ذاته في ألمانيا وأن تصبح لديه سيارة وعائلة، وإن لم يفلح في ذلك، فسيكون خيار العودة إلى مدينته المالكية في أقصى شمال شرقي سوريا، واردا جدا. دالين صلاحية- مهاجر نيوز
مشاركة :