ما زال تعزيز صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يلقي بظلاله على العلاقات الدولية، بعدما تم منح المنظمة عقب حادثتي الهجوم الكيميائي المزعوم في دوما السورية وقضية تسميم العميل الروسي سيرجي سكريبال في بريطانيا بغاز للأعصاب صلاحية توجيه الاتهامات وتحديد المسؤولين عن أي هجوم كيميائي في العالم إلى جانب صلاحياتها المعلومة والمتمثلة في التحقيق وتحديد نوع الهجوم، ومرد الجدل العالمي الجديد والمواجهة بين القوى العظمى يكمن تحديدا في معارضة روسيا لهذه الخطوة وهو ما يدفع بالكثيرين إلى التساؤل عن مرد انزعاج روسيا “البريئة” من ذلك رغم أنها تتمسك لدى نفي كل الاتهامات الموجهة إليها في العديد من الملفات بالبراءة استنادا إلى مسوغ لا وجود لأدلة تثبت تورطها. لاهاي - أدت الضغوط التي مارستها بريطانيا منذ مطلع عام 2018 إلى إعطاء المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية المزيد من الصلاحيات التي تؤهلها لا فقط للاقتصار على التحقيق وتحديد نوع الهجوم بل أيضا لتحديد المسؤول عن ذلك. يهم هذا التطور الجديد الآليات القانونية لمنظمة حظر الأسلحة. ويأتي بعد 20 عاما على إنشائها وإشرافها على معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية والمواد السامة. ويعد هذا التعديل أمرا هاما لأنه لم يكن بوسع المنظمة، في السابق، تحديد أي مسؤول عن الاستخدام غير القانوني للأسلحة. ونجحت بريطانيا، رغم المعارضة الروسية، في تمرير مقترحها بعدما لقيت دعما دوليا من الولايات المتحدة ودول أوروبية في مقدّمتها فرنسا وألمانيا، وتمت الموافقة على تعزيز صلاحيات المنظمة من قبل 82 دولة مقابل معارضة 24 دولة، وذلك في المؤتمر الطارئ الرابع للدول الأعضاء بالمنظمة المنعقد في مدينة لاهاي الهولندية في أواخر شهر يونيو 2018. واحتدت المواجهة بين الدول الرافضة لتوسيع صلاحيات المنظمة والدول الداعمة في اجتماع لاهاي، خاصة أن روسيا التي تقود حملة الرفض تخشى أي تطور في سياق قضايا تسميم العميل السابق الروسي سكريبال وكذلك تتخوف من مسألة الهجوم الكيميائي المزعوم في دوما وغيرها من المدن السورية خاصة بعدما توصل فريق المحققين التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية مؤخرا إلى أن غاز السارين استخدم في هجوم بإدلب السورية في 4 أبريل 2017. ويعد اجتماع الاثنين الأول للهيئة الرقابية الدولية المكلفة بتخليص العالم من الأسلحة الكيميائية منذ اتفقت الدول الأعضاء في يونيو على السماح لها بتوجيه أصابع الاتهام للجهات المسؤولة عن تنفيذ هجمات كيميائية. لماذا تعارض روسيا إقرأ أيضاً: روسيا تختبر المقاتلة "الشبح" في سوريا تتمسك روسيا بمعارضة الصلاحيات الجديدة التي ستبدأ المنظمة بموجبها اعتبارا من مطلع العام المقبل تحميل المسؤولية عن الهجمات الكيميائية في سوريا، حيث تدعم موسكو نظام الرئيس بشار الأسد. والمخاوف الروسية ليست متأتية من الملف السوري فحسب بل لأن سلسلة التطوّرات، وخاصة اجتماع الاثنين للمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية يعدّ الأول من نوعه منذ طرد أربعة روس اتهمتهم السلطات الهولندية في أكتوبر بمحاولة اختراق نظام كمبيوترات المنظمة باستخدام معدات إلكترونية كانت مخبأة في سيارة مركونة خارج فندق قريب. ويتساءل الكثير من المراقبين عن أسباب الانزعاج الروسي من توسيع صلاحيات المنظمة خاصة أنها تتمسّك بالبراءة في العديد من الملفات الحارقة وعلى رأسها قضية العميل الروسي السابق سكريبال أو قضية اتهام أربعة روس بمحاولة اختراق نظام كمبيوترات منظمة حظر الأسلحة في هولندا. وتتشبّث موسكو غداة التفاف الدول الكبرى كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا لمعرفة حقيقة تسميم العميل الروسي سكريبال عبر طرد العديد من دبلوماسييها بتعلّة أنه لا توجد أي أدلة ملموسة تشير إلى تورطها في القضية خاصة أنه في ذلك الوقت لم يكن من مهام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحديد المسؤوليات وتقديم الاتهامات. وتتعلل موسكو لدى تقديم مبررات رفض توسيع صلاحيات المنظمة بحجة أن هذه الخطوة تأتي منافية لنص معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية المبرمة في 1997. أكّد هذه التعلة مندوب روسيا لدى المنظمة ألكسندر شولغن، عشية اجتماع لاهاي بقوله إن “الصلاحيات الجديدة الممنوحة للمنظمة تتعارض مع نص معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية”، مضيفا أن “العديد من الدول تعارض كذلك خطط زيادة ميزانية المنظمة”. وهددت موسكو، قبل اجتماع الاثنين وفي عدة مرات، بالانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية محذّرة من أن الصلاحيات الجديدة قد تحول المنظمة إلى سفينة غارقة مثل “تيتانيك”. وتصطدم روسيا أيضا في هذه القضايا بتهديدات الولايات المتحدة التي تستعد لفرض المزيد من العقوبات على موسكو على خلفية تسميم سكريبال. وتشير بريطانيا إلى أن الحادث تم باستخدام نوفيتشوك، وهو غاز أعصاب تم تطويره في الحقبة السوفييتية. الاتهامات والمسؤوليات Thumbnail توضح منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن اجتماع الدول الأعضاء البالغ عددها 193، والذي سيستمر لأسبوعين، يهدف إلى “مناقشة مستقبل المنظمة، غير أن المدير العام الجديد للمنظمة الدبلوماسي الإسباني السابق فرناندو أرياس استبق الاجتماع بإقراره الأسبوع الماضي بأن الهيئة “تمر بفترة صعبة”، لكنه استطرد مؤكدا أن المنظمة “ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى”. والمنظمة الحائزة على جائزة نوبل للسلام في 2013 مكلّفة بالإشراف على تطبيق معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية التي دخلت حيز التنفيذ في 1997 وتمنع كافة أنواع الأسلحة الكيميائية وتخزينها. وأشرفت المنظمة على تدمير 96.5 بالمئة من المخزون العالمي للأسلحة الكيميائية. وتوسع دور المنظمة خلال السنوات القليلة الماضية ليشمل التحقيق في عدد من الهجمات الكيميائية في النزاع السوري، وكذلك في هجوم سالزبري خلال مارس 2018 وعملية قتل الأخ غير الشقيق للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في ماليزيا في 2017. وأصيب في هجوم سالزبري الجاسوس سيرجي سكريبال وابنته بعوارض التسمم، فيما قضت امرأة بريطانية بعد تعرضها لبقايا الغاز. وزاد هذا الهجوم من الضغوط لتعزيز صلاحيات المنظمة. واتهمت بريطانيا عنصرين من جهاز الاستخبارات العسكرية الخارجية في روسيا بالوقوف وراء الاعتداء. واتهمت هولندا الجهاز ذاته بالوقوف وراء محاولة اختراق شبكة كمبيوترات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في أبريل. وقال أرياس إن “هجوم سالزبري يعني أنه علينا التكيف مع المخاطر والتحديات الجديدة”. ويناقش اجتماع المنظمة هذا الأسبوع كيفية تطبيق الصلاحيات الجديدة التي تسمح للمنظمة بتحديد المسؤوليات في هجمات. وقال أرياس إن فريق تحقيق “صغير جدا لكن قوي جدا” سيتكفل بتحديد هوية منفذي جميع الهجمات الكيميائية في سوريا منذ العام 2013. ويتوقع أن تنشر المنظمة في وقت قريب تقريرا كاملا عن هجوم كيميائي وقع في بلدة دوما السورية في أبريل. وكان تقرير أولي ذكر أنه تم رصد مادة الكلورين لا غازات أعصاب. وستتمكن المنظمة أيضا من توجيه أصابع الاتهام للمسؤولين عن أي هجمات مستقبلية في أي مكان بالعالم، شرط أن تطلب منها ذلك الدولة التي وقع فيها الهجوم.
مشاركة :