تصاعدت التحذيرات من مخاطر دخول الجزائر في أزمات اقتصادية جديدة خلال العام المقبل، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، في وقت تؤكد فيه البيانات تسارع تبخّر احتياطات العملة الصعبة مع إقرار ميزانية بعجز قياسي، مع استمرار تأجيل الإصلاحات الواقعية منذ عقود. الجزائر - حذّر مركز إنترناشونال كرايسز غروب من أنّ الجزائر قد تُواجه أزمة اقتصادية حادة مع حلول العام المقبل في حال لم يُجر هذا البلد، الذي تراجعت مداخيله النفطية قبل أربع سنوات، إصلاحات اقتصاديّة فورية. وجاء في التقرير أنه “في غياب إصلاحات فإنّ أزمة اقتصادية يمكن أن تضرب البلاد مع حلول سنة 2019، لتغذّي التوتر المحيط بالانتخابات الرئاسية القادمة”. وقبل أقلّ من ستة أشهر من الانتخابات، مازالت إمكانيّة إعادة ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة تُسيطر على الساحة السياسية الجزائرية. ولم يُعلن بوتفليقة (81 عاما) الذي يرأس البلاد منذ 1999، والمنهك بسبب المرض، نيّته البقاء في الحكم، لكنّه بحسب المركز “سيفوز بكلّ سهولة” في الاستحقاق المقرّر في أبريل المقبل في حال ترشّحه. وصبّ الوضع المالي المريح في البلاد حتّى 2014 في صالح بوتفليقة، إلا أنّ تراجع المداخيل بسبب انهيار أسعار النفط الذي يُمثّل المورد الأساسي للدولة دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات تقشفية. مركز إنترناشونال كرايسز يتوقع أن تواجه الجزائر أزمة اقتصادية في 2019 إذا لم تقم بإصلاحات عاجلةمركز إنترناشونال كرايسز يتوقع أن تواجه الجزائر أزمة اقتصادية في 2019 إذا لم تقم بإصلاحات عاجلة وبحسب التقرير، فإنّ “السلطات الجزائرية تعترف بأنّ النموذج الاقتصادي الحالي لم يعد صالحا، لكنها تجد صعوبة في تصحيحه”. وأكد خبراء المركز أن الحكومة لا تزال تهدف فقط لربح المزيد من الوقت بسلسلة الإجراءات التي نفذتها لتقليص النفقات في الميزانية، التي لن ترى نتائجها سريعا، وسياسة نقدية تغذي التضخم. وكانت الجزائر قرّرت في نهاية العام الماضي عدم اللجوء إلى الاستدانة من الخارج، حيث لجأت للبنك المركزي بطبع العملة لسد العجز في الميزانية على مدى 5 سنوات، وهو ما اعتبره الخبراء بابا مفتوحا لزيادة التضخّم. وللمرة الثانية في تاريخ البلاد، يتم إقرار ميزانية بعجز كبير بلغ 17 مليار دولار، وذلك بعد الميزانية الحالية والمتوقع أن يصل إلى 21 مليار دولار. وتستهدف الحكومة تضخما عند 4.5 بالمئة في العامين الجاري والقادم و4 بالمئة بحلول نهاية 2020، مع نمو بنحو 2.9 بالمئة في 2019. ودعا مركز الدراسات، الذي يتخذ من بروكسل مقرا له، الجزائر إلى “وضع خارطة طريق للإصلاح الاقتصادي” من أجل تفادي اي أزمة جديدة محتملة، مشيرا إلى أن الحلّ يكمن في “تحسين الشفافية في ما يخصّ المالية العامة”. وتحتاج الحكومة إلى فتح حوار موسّع مع الفاعلين الاقتصاديين والمجتمع المدني حول التحدّيات التي تواجهها البلاد ووسائل إزالتها والتركيز على الشباب بما أن 70 بالمئة من السكّان يبلغون أقل من 30 سنة. وبعد عقدين من حكم بوتفليقة، مازالت مردودية الاقتصاد الجزائري المرهون بأسعار النفط ضعيفة، كما يعتمد البلد كثيرا على السلع المستوردة وسياسة دعم تقضم كلّ سنة مبالغ ضخمة من الميزانية العامة. وصادق البرلمان الأسبوع الماضي على الميزانية الجديدة، نصّت كما العام الماضي على تخصيص 20 بالمئة من النفقات لتمويل الإعانات الاجتماعية ودعم السلع الواسعة الاستهلاك وأهمّها الوقود والحبوب والسكر والزيت والحليب. وتختزل ميزانية 2019 حجم المشكلات المالية التي تعترض الحكومة، خاصة بعد أن قالت إنها تتوقع انخفاض صادرات الطاقة، المورد الرئيسي للعملة الصعبة. 106 مليارات دولار تبخرت من احتياطات الجزائر النقدية منذ أزمة تراجع أسعار النفط منتصف 2014 وأقرت الميزانية استنادا إلى سعر مرجعي لبرميل النفط عند 50 دولارا وسعر صرف العملة عند 118 دينارا مقابل الدولار، ولكن خبراء يشككون في قدرة الجزائر على الخروج من أزمتها خاصة وأن أسعار برميل النفط تتجاوز 70 دولارا. وتعكس المؤشرات حول تسارع تبخّر احتياطات العملة الصعبة حجم التحديات أمام الحكومة في ظل محاولاتها اليائسة جعل الميزانية الجديدة متوازنة، والتي يقول خبراء إنها لن تعالج الأوضاع، مع استمرار التعويل المفرط على عوائد الطاقة. ونسبت رويترز لمحافظ البنك المركزي محمد لوكال، الأسبوع الماضي، تأكيده على أن احتياطي النقد الأجنبي سيرتفع مع بقاء أسعار النـفط فـوق مستوى 50 دولارا للبرميل، وهو الرقم المقترح في ميزانية العام القادم. وقال على هامش مؤتمر عقد بتونس، إن “احتياطي الجزائر من العملة الأجنبية بلغ حاليا 88 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي عامين من الواردات”، مشيرا إلى أن الأسعار العالمية للنفط ستساعد في رفع الاحتياطي. وكان الاحتياطي الجزائري عند 194 مليار دولار في منتصف 2014، لكنه هبط بعد ذلك بسبب تراجع إيرادات النفط، لتفقد الدولة 106 مليارات دولار منذ ذلك التاريخ. ويأتي تصريح لوكال مخالفا لتصريح وزير المالية عبدالرحمن راوية، الذي قال في وقت سابق إن بلاده لن يكون بمقدورها كبح تبخّر الاحتياطات النقدية. ووفق وثيقة الميزانية الجديدة، تتوقع الحكومة إيرادات العام المقبل بنحو 55.2 مليار دولار، منها قرابة 23 مليار دولار من صادرات الطاقة، مقابل إجمالي نفقات تقدر بأكثر من 72.5 مليار دولار.
مشاركة :