تناول الباحث الموسيقي د. فهد الفرس محور «الأغنية في السينما المصرية»، في أمسية «حديث الاثنين». ضمن فعاليات الموسم الثاني لمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، عقدت أمسية "حديث الاثنين"، أمس الأول في القاعة المستديرة، بعنوان "الأغنية في السينما المصرية" مع الباحث في التراث الموسيقي ورئيس قسم التربية الموسيقية في كلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د. فهد الفرس، وأدار الحوار د. أحمد الصالحي. استهل الحديث د. الصالحي عن السيرة الذاتية للباحث د. الفرس، لافتاً إلى أنه مطلع على الموسيقى والسينما المصرية، وجامع للأسطوانات القديمة، إضافة إلى العديد من الوثائق. بدوره، قدم د. الفرس نبذة مختصرة عن بدايات السينما العالمية في أواخر القرن الثامن عشر، كرسوم متحركة، وصولاً إلى فترة الأفلام الصامتة عام 1925 وبعدها إدخال الموسيقى إليها، ثم تطورت إلى الأفلام الناطقة التي انطلقت عام 1927. ثم انتقل د. الفرس إلى مرحلة السينما في مصر، التي تعد من أوائل الدول العربية في هذا المجال، في أواخر القرن الثامن عشر، وكانت عبارة عن تصوير قام به بعض الأشخاص كنوع من التوثيق لحدث اجتماعي ما، ثم في عام 1925، تم تأسيس أول بنك في مصر، ومن خلاله أسست أول شركة للسينما، اسمها شركة مصر للتمثيل، وقدمت أفلاماً اجتماعية شعبية تحاكي الطبقة البسيطة، وكان الإقبال عليها كبيراً، وقد ظهر المخرج محمد كريم، صاحب البصمة الكبيرة في تاريخ السينما المصرية، أخرج أول فيلم مصري ناطق وهو "أولاد الذوات" عام 1932، ولا يزال يعرض حتى اليوم، وقد أنتج كل أفلام الموسيقار محمد عبدالوهاب، وعددها 7. وتابع الفرس أنه في عام 1932، ظهر فيلم "أنشودة الفؤاد" للفنانة نادرة، وهو أول فيلم مصري غنائي، لكن الأغنيات لم تكن ضمن الحوار والأحداث، بل كفاصل، وشارك في التمثيل زكريا أحمد الذي لحن جميع الأغنيات، أما المخرج محمد كريم والموسيقار محمد عبدالوهاب لهما السبق في أن تكون الأغنيات ضمن سياق الأحداث، من خلال فيلم "الوردة البيضاء"، الذي لاقى نجاحاً كبيراً، و يعتبر أول فيلم لولادة السينما الغنائية، فكريم كان يدرك أن عبدالوهاب صاحب رؤية وعلى إطلاع بالموسيقى الغربية، الذي أدخل العديد من الآلات الموسيقية الغربية مثل الأكورديون والصاجات الخشبية، وكذلك الإيقاعات الرومبا والتانغو التي أدخلها على الموسيقى العربية، مبتعداً عن التقليدية المعروفة في الأغنية العربية، كما ألف عبدالوهاب في هذا الفيلم الموسيقى التصويرية ودورها الكبير في الحدث. وعرض الفرس مشهداً لأغنية "يا مسافر وحدك" لعبدالوهاب من فيلم "ممنوع الحب"، عام 1942، حيث استخدم فيها الصاجات الخشبية، وعمل نقلة نوعية في الأغنية العربية، مبيناً أن عبدالوهاب كان مثقفاً موسيقياً ومطلعاً ومستمعاً جيداً للأعمال العالمية، وكان يقتبس جملاً موسيقية من الغرب ويوظفها بطريقة جميلة ويضفي عليها الروح الشرقية، وهذا يعتبر إبداعاً، وهو ما ميز عبدالوهاب في عبقريته الموسيقية. كما عرض لقطة أخرى للحضور لأغنية "الصبا والجمال" من فيلم "يوم سعيد" عام 1947، كنموذج لتقديم آلة البيانو الغربية لأول مرة في السينما العربية، ونموذج آخر هو أغنية "سهرت منه الليالي" من فيلم "دموع الحب" عام 1935، التي استخدم فيها إيقاع التانغو وآلة الأكورديون الغربية، وهي جديدة على المستمع العربي. ووصف د. الفرس عبدالوهاب، بلقب مجدد الأغنية، وكان ذلك جلي الوضوح منذ بدايته عام 1933 إلى آخر أفلامه عام 1940، حيث كان مطوراً للأغنية، كما أدخل الأصوات النسائية مثل ليلى مراد ورجاء عبده ونجاة علي، واستخدم عبدالوهاب أغلب القوالب الغنائية الموال والدويتو والمونولوج والطقطوقة والقصيدة، وقدم خلال سبعة أفلام 72 مادة موسيقية ما بين أغنية وموسيقى تصويرية. ولفت الفرس إلى أن الفنانين فريد الأطرش وصباح ومحمد فوزي وشادية لهم بصمة كبيرة في تاريخ السينما المصرية، لكن البدايات مع محمد عبدالوهاب كمؤسس وتأتي من بعده أم كلثوم، فهما الأساس في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وسبب انتقال الأغنية إلى السينما العربية، وبالتحديد المصرية، ومن ثم نهل منهما الفنانون الآخرون. بعدها تحول الفرس للحديث عن أم كلثوم، التي قدمت ستة أفلام فقط، وكانت أقوى تمثيلاً من عبدالوهاب، وبشخصيات مختلفة، وأول فيلم لها "وداد" عام 1936، وأم كلثوم تميزت بالذكاء أيضاً حيث استقطبت كبار الملحنين والشعراء، في البداية اختارت محمد القصبجي وزكريا أحمد وأحمد رامي وبيرم التونسي، لكن أغنية "على بلد المحبوب" في فيلم "وداد" للملحن رياض السنباطي، كانت لأم كلثوم، لم تعجبها ورفضتها، فغناها عبده السروجي ونجحت معه وانتشرت، فاستأذنت السنباطي والسروجي وسجلت العمل على أسطوانة، ومن بعد أصبح التعاون قوياً بينها وبين السنباطي. ثم عرض الفرس نموذجاً لإحدى أغنيات أم كلثوم وهي عبارة عن طقطوقة "غنيلي شوي شوي"، من فيلم "سلامة" عام 1945، من كلمات بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد الذي حافظ على الهوية الشرقية، لافتاً إلى أن هذا اللحن الجميل والبسيط لا يزال يردد حتى الآن، وكذلك نموذج آخر أغنية "ح قابله بكرا" من فيلم "فاطمة" عام 1947، كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي. يذكر أن د. فهد الفرس حصل من المعهد العالي للموسيقى العربية، بأكاديمية الفنون (القاهرة) على الماجستير عام 1996 وكانت رسالته عن رواد العود في الكويت، والدكتوراه عام 2000 ورسالته عن الإيقاعات الكويتية.
مشاركة :