قلة من المشاهير افتتن بهم الإعلام العالمي بشدة، مثلما فعل ذلك مع «النعجة دوللي»، فقد أحدث وصولها ضجة عظيمة، فجرت حالة عارمة من التأملات والصخب الإعلامي، لقد تصدرت غلاف مجلة «بيبول» وجذبت انتباه الرئيس الأمريكي وقتها بيل كلينتون، وأصبحت قصة حياتها ملهمة لعدد من المسرحيات وأفلام الكارتون وعروض الأوبرا، واستغل المعلنون صورتها، وكما هو مقدر لكل شيء أن يبدأ دورته في الاحتضار والزوال، فقد أصيبت بسعال، وبدأت طورا من التدهور، وبعد أسابيع قليلة ماتت «النعجة دوللي» في سن صغيرة.أما هو فقد كان شخصًا هادئًا ذلك الهدوء المشوب بالحذر، لا تغويه الأضواء بالاقتراب منها، باحث جاد، ظهرت أبحاثه التي مثلت حجر الزاوية في دنيا العلم في الدوريات العلمية المحترمة، لقد وطد لنفسه سمعة حصينة، رغم أنه دخل عالم البحث العلمي عن طريق غير مباشر، كما دخل عالم الاستنساخ بعدما طلب إليه أن يجد وسيلة لإنتاج حيوانات تحمل صفات وراثية معينة.إنه د. إيان ويلموت، قائد فريق استنساخ النعجة دوللي بمعهد روسلين في اسكتلندا، وعبر نغمة تعلن عن أحداث النشوة والألم والترقب والإحباط وغيرها من الانفعالات، التي ميزت تلك الفترة من حياة الكاتب وفريقه، قام إيان ويلموت وروجر هايفيلد المحرر العلمي لجريدة الديلي تليجراف البريطانية ومؤلف العديد من الكتب المهمة بإهداء القارئ هذا الكتاب القيم في الذكرى العاشرة لمولد النعجة دوللي، وعنوانه «بعد دوللي» وترجمته إلى العربية أسماء شهاب الدين. يتعرض الكتاب لحدث علمي شغل العالم كله بإعلان استنساخ النعجة دوللي من خلية ضرع لأنثى بالغة، وهو الأمر الذي كان يعد مستحيلا، لقد اتسمت الضجة التي أعقبته بمعالجات غير علمية، وعناوين إعلامية مثيرة وحدث خلط كبير بين الآفاق العلمية والطبية الحقيقية لهذا الإنجاز، وبين الكوابيس المتخيلة غير الواقعية، ولجأ البعض إلى مهاجمته باسم الدين، وادعى اعتداءه على جوهر الطبيعة، لذلك كان من الضروري طرح الجوانب العلمية بموضوعية ووضوح، وبيان الآفاق المحتملة لتطبيق تقنيات الاستنساخ في الطب وإنتاج الغذاء، وفي ضوء ذلك يتم التطرق إلى المحاذير ومناقشة القضايا الأخلاقية والقانونية والاجتماعية المختلفة.لقد فعل المؤلف ذلك في كتابين أولهما «الطريق إلى دوللي» ثم هذا الكتاب الذي تعرض فيه لما بعد دوللي، التي ماتت وتركت لنا هي ونسلها وبقية الحيوانات المستنسخة الكثير من الدروس المستفادة ولم يفته أن يستطرد في شرح التقنيات الأحدث الخاصة بالخلايا الجذعية، والآمال المنوطة بها، كما طرح آراءه المسؤولة حول محاذير استنساخ البشر وتصميم الأطفال حسب الطلب، كما يتردد في وسائل الإعلام، وفي الحالتين قدم نموذجا يحتذى لتقديم العلم إلى القارئ العام، حيث استعان بكاتبين علميين، لتيسير المادة المتخصصة وشرحها بشكل واضح وجذاب.
مشاركة :