«نتكلم».. جسر للحوار بين اللاجئين السوريين والغرب

  • 11/23/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: محمد هاني عطوي بعد أن اضطروا لمغادرة منازلهم إلى مجتمعاتٍ يجهلونها، وجد كثيرٌ من اللاجئين السوريين صعوبةً في تأمين ضروريات الحياة الأساسية، لكن مع معرفتهم الواسعة بثقافتهم ولغتهم، وجد السوريون الدعم والعمل من خلال تعليم الآخرين لغتهم الأم. وتشير إحصاءات معهد سياسات الهجرة في واشنطن إلى أن 39 % من الخمسة ملايين لاجئ سوري، الذين استقروا في الولايات المتحدة هم من حملة الشهادات الجامعية.ومن هنا جاءت فكرة تأسيس برنامج «نتكلّم»؛ وهو عبارة عن منصة إلكترونية تُعنى بمنح المتعلمين من اللاجئين السوريين فرصة لكسب الأجر الذي يُمكّنهم من العيش الكريم. وتسعى هذه المنصة التي أنشأتها ألين سارة، لبنانية المولد، إلى إيجاد حلقة وصل بين اللاجئين السوريين والأشخاص الذين يدرسون اللغة العربية؛ بهدف تعلم المهارات اللغوية للهجات العامية بالتحديد عبر برنامج «سكايب».من جهة أخرى، يتيح برنامج «نتكلّم» لمستخدميه فرصة إجراء المحادثات العادية بأسعار في متناول الجميع، كما يعمل اليوم مع كبرى الجامعات في الولايات المتحدة؛ كي يتحول إلى منبر تعليمي، ليس لدروس اللغة فقط، وإنما أيضاً لبناء حوار بين اللاجئين والطلبة في جميع أنحاء العالم.ومثل الكثير من العرب الذين ينشؤون في الخارج، كانت اللغة العربية تأتي في آخر أولويات سارة التي تتحدث الفرنسية والإنجليزية بطلاقة أكبر. وبعد إنهائها لدرجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة كولومبيا في نيويورك، سعت إلى العمل في منظمة غير ربحية، بدلاً من أن تبدأ عملها التجاري الخاص.وتقول سارة: كنت أبحث عن فرص العمل في الشرق الأوسط. لكن جميعها كانت تتطلب إتقان اللغة العربية. وكل الخيارات المتاحة لتعلّم هذه اللغة كانت مكلفة للغاية؛ إذ تتراوح تكلفة الدروس الخصوصية بين 70-80 دولاراً أمريكياً للساعة الواحدة، وأنا أريد شخصاً لأتحدث معه فقط؛ كي أحافظ على لهجتي الشامية.وفي حين يصعب الحصول على أرقام وإحصاءات دقيقة، فإن عدد اللاجئين السوريين في لبنان اليوم يصل إلى مليون لاجئ تقريباً. ولا يُسمح لأغلبية هؤلاء بالعمل بشكل قانوني، الأمر الذي يدفع الكثيرين منهم إلى امتهان وظائف منخفضة الأجر، مثل التنظيف والنجارة والعمارة، والتي لا تعكس بالضرورة المواهب والمهارات، التي يتمتع بها اللاجئون السوريون المتعلمون من وجهة نظر سارة.بالنظر إلى كل هذه المحن والمعاناة التي يواجهها هؤلاء المثقفون السوريون، شعرت سارة بتعاطف كبير معهم، وتمنّت أن يكون لها دور في مساعدتهم. وهكذا بدأت فكرة «نتكلّم» تتبلور في ذهنها.وتقول سارة: فكّرت أنه في ظل هذا الاهتمام الكبير بلغة التخاطب العربية، وبوجود كل هؤلاء السوريين المؤهلين والمثقفين، فقد يكون من الممكن الاستعانة بهم؛ ليصبحوا شركاء في تعليم الناس اللغة من خلال المحادثة». ولا بد من الإشارة هنا إلى أن «نتكلّم» لا تعطي دروساً في اللغة العربية، وإنما تهتم بمنح فرصة إجراء محادثات بين الأشخاص، الذين يعرفون القليل من اللغة العربية، ولكنهم يهتمون بشكل رئيسي بإتقان التخاطب باللهجة العامية.انتظرت سارة حتى فبراير/ شباط 2015 لتتخذ القرار النهائي لتحقيق فكرتها، وذلك بعد أن تلقت رسالة بالبريد الإلكتروني من جامعة كولومبيا، تعلن فيها عن مسابقة سنوية للشركات الناشئة. عملت سارة مع زملائها السابقين في جامعة كولومبيا، وهما أنتوني جيربيجان (28 عاماً)، وريزا رانيما (27 عاماً)؛ للمشاركة في تأسيس «نتكلّم»، ووصلوا معاً إلى الجولة التالية من المسابقة، لكن لم يحالفهم الحظ في المراحل المتقدمة. في المقابل، توجّه تركيزهم نحو منافسة يعقدها البنك الدولي للمشاركين من لبنان ومصر وجيبوتي، فوصلوا هناك إلى الدور قبل النهائي. عملت سارة مع منظمة «سوا» غير الحكومية؛ للعثور على بعض اللاجئين السوريين، الذين كانوا يتقنون اللغة الإنجليزية، ولديهم مهارات التواصل مع الآخرين.انطلق البرنامج التجريبي مع سبعة أشخاص كانوا يدرسون اللغة العربية مع اللاجئين السوريين في يوليو/ تموز 2015، وبدأت مؤسسة «نتكلّم» في التبلور، وفي غضون أسبوع واحد انتشر بشكل كبير جداً. في ذلك الأسبوع، اشترك 150 شخصاً معها، ما دفع الشركة إلى إطلاق نفسها رسمياً بعد أن سجلت اسمها في أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام.اليوم، يصل عدد مستخدمي المنصة إلى 1000 مستخدم متميّز، ممن يشاركون من 60 بلداً حول العالم في أكثر من 9000 ساعة من المحادثات، مع 35 شريك محادثة من اللاجئين السوريين. وتبلغ تكلفة كل جلسة 15 دولاراً أمريكياً، يتم منح 10 دولارات منها للشريك (اللاجئ) السوري. وعن ذلك تقول سارة: «نحن نحاول إعطاء اللاجئين الحد الأدنى للأجور في لبنان، في حدود 400 دولار أمريكي شهرياً».وتروي فالنتينا كانتوري، التي تعيش في الولايات المتحدة، تجربتها الخاصة قائلة: «منحني برنامج «نتكلّم» فرصة لا تقدر بثمن ليكون لديّ شريك محادثة سوري رائع. وهو لا يشارك لغته فحسب، ولكن أيضاً يشاركني اهتماماته الشخصية وتاريخه، باعتباره لاجئاً يعيش في لبنان. هذا المشروع ليس مجرد تبادل للغة، بل هو جسر يربط بين ثقافتين. وهو شيء نحن في أمسّ الحاجة إليه في هذه الأيام».عقدت المنصة الإلكترونية المبتكرة «نتكلّم» شراكات مع جامعات تافتس، وجورج واشنطن، ونيويورك، وجورج تاون، وديوك، وغيرها كما أنها تتعاون مع معهد تعلم العربية بجامعة كورنيل لتدريب شركاء المحادثة السوريين على مناهج المعهد الدراسية؛ لتمكينهم من تعليم اللغة العربية لمستوى الطلبة المبتدئين.

مشاركة :