سؤال الرواية الجديدة

  • 11/24/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

علاء الدين محمود تحولات كبيرة تمر بها الرواية من حيث الأسس الأسلوبية المتعلقة بالبناء السردي والدرامي، حيث صارت الرواية الجديدة، في قطعها مع رواية المتعة والقصة المتماسكة، تقوم على التعمق في طرح الأسئلة، فهي رواية مسكونة في تفاصيلها بالسؤال، تخلت عن هواية مداعبة العواطف والمشاعر، واتجهت بشكل حاسم نحو التأمل في مصير الإنسانية، في تناولها للواقع الجماعي والفردي الجديد الذي بدأ يتشكل منذ نهاية القرن العشرين، وبروز ما يعرف بالعولمة التي ولدت راهناً مختلفاً، وإنساناً يسير وحيداً منعزلاً.ومن هنا فإن فن الرواية، الذي أثبت أنه شديد التأثر بالمتغيرات الحياتية، أصبح معنياً بالغوص في المناطق المعتمة في النفس البشرية، وفي الموقف من الوجود بشكل عام، وهذا يعبر عن تمرد على الأنماط السردية التي سادت، وعن أفق جديد للرواية التي صارت سماتها الانفتاح على المشاعر الإنسانية وفق التحولات الجديدة.صارت الرواية الجديدة تعبر عن أدب «الصدمة والقلق»، وقد أنتج كل ذلك ذائقة جديدة لفن الرواية، فالتحولات فيها كانت شاملة بحيث امتدت للقارئ، فإذا كانت الرواية الجديدة، هي الأسئلة الفكرية المعطرة بروح الفلسفة، فإن القارئ يصبح عبر تفاعله مع النص مكملاً للرواية، فالنمط الجديد من السرد يعتمد على القارئ بشكل كبير، فهو لا يقدم قصة تقليدية غارقة في الخيال، بل تخاطب القارئ مباشرة وتشركه في سؤال الرواية.الرواية في تحولاتها، التي شملت الشكل والمضمون، صارت منفتحة نحو الهوية البصرية، أكثر من السردية، فهي مهتمة بإنشاء الصور، والتقاط الوقائع، وربما هنا نشير إلى تلك الآراء الساخرة التي ترى بأن الواقع صار أكثر غرائبية مما كان ينشده خيال السارد والروائي في الأشكال التقليدية من السرد، ومن هنا فإن التعريفات القديمة للرواية نفسها قد تلاشت، وصارت الرواية تستوعب النصوص الشعرية والنثرية في لغتها، بل واشتملت كذلك على أدب السيرة الذاتية الذي هو في حقيقته سرد روائي، يعكس موقف وتأملات وأسئلة السارد.ويحيلنا ذلك إلى ما يفعله على سبيل المثال عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، في مؤلفه «بؤس العالم»، هو يجمع العشرات من القصص الواقعية في حياة المهمشين من اللاجئين العرب والأفارقة في فرنسا، أولئك الذين يعيشون على هامش الحياة في أحياء فقيرة، وهي عبارة عن قصص مليئة بالمواجع والفواجع، إن بورديو في كتابه هذا يقدم صوراً ناطقة، حكايات متحركة في فضاء العالم غير المنظور، ليصوغ من تلك الحكايات أسئلته في أسلوب روائي يبرز فيه الموقف الفكري والفلسفي.ولعل ارتباط الرواية الجديدة بالسؤال يعبر عن حيرة تكتنف الأديب تجاه تلك التحولات الكبيرة على مستوى العالم، فيقف متأملاً، ويمارس فن صياغة وطرح السؤال من خلال النص الروائي.

مشاركة :