«أنا آسف».. «أرجو المسامحة».. «العفو».. «سامحني».. «لم أقصد إيذاءك» كلمات وعبارات سهلة وبسيطة إن خرجت من نفس صادقة لها تأثير قوي وعلاج فوري للنفس الجريحة، تضمد جراح القلوب، وتشفي الصدور، وتطفئ نيران الغضب، ودافع للمغفرة ونسيان الخطأ.. كلمات تنمي الحب والمودة والتسامح والعفو الجميل فتعود العلاقات الأسرية والاجتماعية والعملية المتصدعة أكثر ترابطا، فنحن في معترك هذه الحياة قد نتصرف بطريقة خاطئة تجاه أشخاص نكن لهم كل المحبة والاحترام. والاعتراف بالمسؤولية تجاه أي تصرف مقصود كان أو غير مقصود يعتبر من الأخلاق الراقية الرفيعة، ومهارة من مهارات التواصل الاجتماعي يجب على أفراد المجتمع تعلمها والتمسك بها. ومن أساليب الاعتذار الفعالة: { أقدم اعتذاري مع الاعتراف بالخطأ لإثبات حسن نيتي خاصة في العلاقات الاجتماعية والخاصة. { الحرص على البساطة في تقديم الاعتذار وعدم المبالغة التي قد تفهم خطأ. { من الأفضل تقديم الاعتذار مباشرة وجهًا لوجه لأن تعابير الوجهة لها تأثير كبير في إحساس الطرف الآخر بصدق مشاعرك وقبوله الاعتذار. * تقديم هدية مع بعض الكلمات الجميلة اللطيفة لها أثر كبير في تقبل الطرف الآخر للاعتذار. * اختيار الوقت المناسب للاعتذار فلا يصح تقديم الاعتذار وقت الغضب والانفعال؛ إذ يمكن أن ينقلب إلى العكس ويفسد العلاقة بين الطرفين. صحيح أن الاعتذار من صفات الشجعان، ولكن يجب أن يكون في محله، فكثرة قول «آسف» بلا سبب وجيه، تؤدي إلى نقصان الثقة بالنفس وعدم تقدير الذات والشعور بالخذلان. وقد قدم مؤلف كتاب «ذا هيومر أدفانتج» مايكل كير في صحيفة «إندبندنت» البريطانية عرضا لأبرز الحالات التي يجب أن تتجنب فيها قول كلمة «آسف» في العمل، ومنها: { حين لا تكون آسفًا حقًا: لا تعتذر إن لم تكن تعني ذلك، فهذا أسوأ من عدم الاعتذار، ووفر كلمة «آسف» لوقت الحاجة الحقيقية إلى الاعتذار. { إن لم تكن مخطئًا: لا تعتذر مطلقًا لإرضاء الطرف الآخر وأنت تعلم جيدًا أنك لم ترتكب أي خطأ. * حين تتخذ قرارًا يعتمد على مبادئك وقيمك: لا تعتذر إن كان قرارك نابعًا من صلب قيمك ومبادئك حتى لا تخسر نفسك. { حين يزيد الاعتذار الأمر سوءًا: إن كان اعتذارك يخلق فكرة سيئة لم تكن موجودة من الأساس في ذهن محدثك، سيكون الاعتذار في هذه الحالات أسوأ ما تقوم به، ويزيد الطين بلة. { حين تعتقد أنه سيقود مباشرة للمغفرة: لا تعتذر وأنت تعتبر هذا وسيلة سهلة للخلاص من الموضوع، بل اعتذر إن كنت فعلاً مخطئًا وتشعر بذلك. { حين تنوي الاستقالة: لا تعتذر قائلاً «أنا آسف، لكني حصلت على عرض أفضل»، وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو تعبيرًا مؤدبًا لكنه غير واقعي. الاعتذار في هذه الحالات قد يسمح للطرف الآخر باستخدام عامل الشعور بالذنب الذي تدعيه. { حين لا يكون لك أي علاقة بالمشكلة: لا تعتذر عن أزمة أو خطأ حدث في العمل، وأنت لا علاقة لك به. يضر هذا النوع من الاعتذار بمستواك المهني، فيضعف ثقتك بنفسك وقدرتك على التطور في عملك أحيانًا، كما أنه قد يعودك على قبول الظلم. * حين تكون مؤمنًا بفكرتك وترفض التخلي عنها: لا تعتذر مطلقًا عن فكرتك التي تتحمس لها في العمل، حتى وإن اختلفت مع مديريك. إن قلت كلمة «آسف»، فستفتح المجال للطرف الآخر لاتخاذ موقف دفاعي ضدك. { حين تشعر بالغضب أو الإهانة وترفض تصرفًا ما: يجب ألا تقول مثلاً «آسف»، ففي هذه الحالة على الطرف الآخر الاعتذار عما اقترفه وليس العكس. { حين تعتذر بينما الجميع قد تجاوز الأمر: إن أخطأت وقمت بالاعتذار بينما تجاوز رئيسك أو زملاؤك الأمر، فستبدو بمظهر سيئ جدًا. فما أروع الاعتذار عندما يأتي من شخص كبير قوي ومقتدر لشخص ضعيف فإنه يقلب كل الموازين ويضمد جراح القلوب ويشفي الصدور ويطفئ نيران الغضب، وما حملته قصص الأنبياء السابقين والسيرة النبوية الشريفة أروع الأمثال عن ثقافة الاعتذار فموسى عليه السلام لمَّا وكز الرجل وقتله، لم يتغن ببطولته، ولم يُبرر عملَه، بل اعترف بظلمه لنفسه وقال في ضراعة: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ. قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (القصص: 15. 16). فنبي الله موسى عليه السلام قدم الاعتذار عن الخطأ وهو القتل الذي لا تقره قيمه ولا أخلاقه ولا دعوته، (فعلتها إذًا وأنا من الضالين) اعتراف واضح وصريح بالخطأ والاعتذار عنه، فالخطأ هو الخطأ والقتل ضلال، مهما كانت أسبابه ودوافعه. وهذا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وتراجعه عما كان يظن أنه لا ضرورة لتأبير النخل- أي عملية تلقيح النخل- فأشار بعدم تأبيرها. ثم قال بعد ذلك: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًا، فلا تؤاخذوني بالظن» «رواه مسلم». حتى بلقيس ملكة سبأ التي نشأت في بيئة وثنية اعترفت بذنبها فقالت: (رَب إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (النمل: 44) (ظلمت نفسي) قالتها امرأة حين استحيت من أعمالها السالفة. إذن لماذا غابت كلمات الاعتذار من لغتنا؟ على الرغم من أنها وسيلة للعفو وامتلاك القلوب، هل وصلنا إلى الكمال لنظن أننا معصومون من الخطأ؟ { كاتبة بحرينية nshowaiter98 nshowaiter@gmail.com
مشاركة :