بلغة حازمة وفاصلة قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول التقارير المتضاربة تجاه مقتل جمال خاشقجي: (لن أكون أحمق وأتخذ موقفاً تصعيدياً، وأضر باقتصاد بلدي والاقتصاد العالمي)، بهذه الكلمات القليلة والمختصرة حسم الرئيس الأمريكي القضية حسمًا يكاد أن يكون نهائياً وفاصلاً؛ فاليسار الأمريكي الليبرالي حاول توظيف القضية لخدمة أجندته المعارضة للرئيس، كما أن منافسي المملكة إقليميًا حاولوا انتهاز هذه الفرصة لتحقيق طموحاتهم وأجنداتهم، غير أن الرئيس الأمريكي القوي والصارم وغير المتردد كسلفه أوباما، قال كلمته التي أعادت الحق إلى نصابه. فالرئيس الأمريكي بهذا الموقف لم يخدم المملكة ولم تكن للعلاقات الشخصية أي تأثير في هذا الموقف الحاسم، ولكنه بكل ما تحمله الكلمة من معنى خدم مصالح الولايات المتحدة الحيوية، فالمملكة في معايير القوى العالمية واحدة من أهم الدول المؤثرة في استقرار العالم اقتصادياً، والمساس باستقرارها تحت أي ذريعة سينعكس تلقائيًا على استقرار العالم أجمع. هناك ثلاث دول إقليمية حاولت بكل قواها أن تكسب هذه الجولة في مقابل المملكة، أولهما تركيا أردوغان التي لا تخفي طموحها في قيادة العالم الإسلامي، وتجد في المملكة، وفي الأمير الشاب محمد بن سلمان عقبة كأداء لتحقيق هذا الطموح، كما أن إيران المتأسلمة تمر هذه الأيام بمرحلة تاريخية خطيرة بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية قاسية عليها، وإيران تعتبر المملكة لاعبًا مؤثرًا في أحكام الطوق الاقتصادي على توسعاتها الجيوسياسية، لإعادة الإمبراطورية الفارسية إلى ما كانت عليه كما هم يطمحون، أما قطر فهي منذ انقلاب الابن على والده في منتصف التسعينيات من القرن الميلادي المنصرم، تقدم نفسها كعدو مجاني ضد المملكة، دون أن يكون لها أي أسباب ولمصالحها أي مردود. والمملكة، وتحديدًا في عهد الملك سلمان متصالحة مع الدول المؤثرة الكبرى، وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين، بينما أن (هياط) الأوربيين وتهديداتهم ليس لها قيمة، خاصة ألمانيا التي لا تعني لنا شيئًا، لأنها دولة عاجزة ومهزومة على مستوى القوة، والنفوذ، وسواء وقفت معنا أو ضدنا، فليس ثمة ما يزعج على المدى المتوسط والبعيد، لأننا نعرف أن عقلية (تاجر البندقية) هي التي تسيطر على توجهات نخبها، ما سيجعلها عاجلاً أم آجلاً تعود لمصالحها وليس للشعارات الرنانة التي ليس لها في حسابات الربح والخسارة أي قيمة. أما تركيا أردوغان فهي دولة براغماتية في نهاية المطاف، ولديها من المشكلات الاقتصادية والسياسية ما يجعلها تفكر مليًا في أي موقف تصعيدي تتخذه، فهي الآن لا تواجه المملكة العربية السعودية منفردة وإنما تواجه بعد موقف ترامب البيت الأبيض، لذلك فالخيارات التي بيدها تُعَدُّ الآن ضئيلة، إذا قسنا هذه الخيارات قياسًا عقلانيًا وموضوعيًا. أما دويلة قطر فهي دولة هامشية في القياسات الجيوسياسية كما هو معروف لا تكترث بمصالحها، ولا بمصالح شعبها، قدر ما تسعى منذ ما قبل الربيع العربي إلى هز أمن واستقرار المملكة لبواعث عبثية ومجانية؛ ويبدو أن من ينظرون لها قد أقنعوها بقناعات وأوهام جعلتها سياسيًا واقتصاديًا في هذا الموقف المعزول والهامشي الذي يبدو أنه سيطول سنوات وسنوات، ولا سيما أن ممارساتها السياسية والإعلامية تجاه أزمة مقتل خاشقجي قد صبت المزيد من الزيت على النار، وجعلتها الآن في وضع أبعد ما تكون فيه عن الصلح مع دول المقاطعة، وخاصة المملكة. ويبدو أن موقف الرئيس ترامب الأخير قد نقل القضية برمتها من الجغرافيا إلى التاريخ، ولكن أهم ما نتج عن هذه الأزمة أن كثيرين من العرب الذين كانوا يستخفون بقيمة ومكانة المملكة، ستجعلهم حتمًا يعيدون حساباتهم ويثوبون إلى عقولهم ويتخلصون من تفكيرهم الرغبوي. إلى اللقاء
مشاركة :