يرى البعض أن الخصومات الزوجية بمثابة ملح الحياة الزوجية، وتعتبر ظاهرة صحية لا بد من حدوثها، فيما يجزم آخرون بأنها تدمر العش الوردي ويترتب عليها مشكلات نفسية وتربوية وتنمو حتى تصبح مجتمعية ويري الكثير بأن هذه الخصومات تكثر في مدينة جدة أكثر من غيرها لأسباب مجهولة. «عكاظ» لبست قفازات الشفافية والتقت بعدد من النساء في جدة والائي تحدثن عن تجربتهن من الخصومات الزوجية، مؤكدات في نفس الوقت أن الخصومات الزوجية تفق وراء الكثير من حالات الطلاق والتي بلغت نسبة مهولة في السنوات الماضية، حيث شهدت أروقة المحاكم حالة طلاق كل نصف ساعة، فيما أكدت جهات أن عدد المطلقات في تزايد يفوق المعدلات العالمية، وكشفت تقارير صدرت حديثا عن ارتفاع نسبة الطلاق إلى نحو ما نسبته 35 %، خصوصا بين من تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين عاما الفئة التي تنقصها الخبرة ولا يمكنها أن تتعامل مع المواقف في غالب الأحيان كما يجب. في البداية يذكر جهاد أحمد أن الحياة الزوجية الطبيعية لا تخلو من الخصومات التي تعتبر في المقام الأول حالة صحية ما لم تتجاوز المألوف، مضيفا أنه في مثل هذه المواقف يحتاج الأزواج إلى فترة من الوقت لنسيان أحداث الخلاف والعودة للتعامل مع شريك الحياة بشكل طبيعي مجددا. وأضاف، ربما يقع حديثو الزواج ضحية الخصومات عند خوضهم أول خصومة كلامية ويعتقدون أنها بداية النهاية، إلا أنه في حقيقة الأمر وطبيعة الواقع شرعا في تأدية الوظائف الأولى لتقريب وجهات النظر ومزجهما معا وتحقيق التقارب المنشود. من جهتها أشارت ابتسام عبدالمحسن إلى أن البعض يعتقد أن التصرف السليم يتطلب استبدال العنف الجسدي بالخصومة الكلامية، منوهة إلى أن هذا التصرف غاية في الخطورة إذ أن بعض الكلمات يكون وقعها أكثر تجريحا وإيلاما من العنف الجسدي والضرب. وأضافت، توجد خصومات بناءة وأخرى مدمرة، والفرق بينهما أن معظم الأزواج من الجنسين يشعرون براحة عقب خصومة بناءة ويصبح الجو العائلي نقيا من الشوائب بل ربما تتوثق العلاقة الزوجية بشكل أكبر، أما الخصومات المدمرة فتتولد عن اللجوء إلى الأساليب الظالمة. وأشارت عهود الغامدي إلى أن بعض الأزواج يتشاجرون في سبيل أن يستأثروا بالسلطة ويدفعهم لذلك حب التملك وهذا مرفوض عند الطرفين، ومن الأنواع الخصومات التي لا نهاية لها مثل أن يتشاجر الزوجان بسبب إصرار الزوجة على قضاء الإجازة لدى أهلها وتتم التسوية المؤقتة والتي عادة ما تلوح في الأفق مجددا كلما رغبت في الذهاب لأسرتها. ونوه خالد حمد إلى أن بعض الأزواج يحاولون عمدا تحطيم شخصية شريك الحياة، مستدلا بالزوجة التي تتهم زوجها باستمرار بأنه شديد التعلق بأمه ويخضع لمشيئتها فإن هذا الاتهام قد يلحق أذى حقيقي بشخصية الرجل إن لم يكن واثقا من قدرته على تدبير أموره وكذلك الزوج الذي يقارن زوجته بأخريات ويحطم ثقتها في نفسها. وتابع، يحاول الكثير تجنب الخصومات ووأد المشاجرات بعد تبادل بضع كلمات غاضبة والانسحاب بهذه الطريقة إلا أن ذلك غير مجد بل إن الحل الأسلم المواجهة ولكن دون تجريح بل في هدوء فارتفاع الأصوات عادة يزيد الأزمات ولا يحل المشكلات. وأكد طاهر عبدالله أن دوام الحب لا يعني عدم وجود مشكلات، فلابد من المواقف الساخنة في الحياة الزوجية، إذ لا يخلو بيت من الخصومات والفجوة بين الأزواج إلا أن هذا الأمر طبيعي وفطري، مشيرا إلى أن الزوجين اللذين يهابان الخصومة يعانيان من نقص وسائل التخاطب، ووسيلة التخاطب البناءة تعمل على إنقاذ الزواج من التدهور عن طريق إطلاق شرارة تكبر حتى تبلغ الانفصال. فيما قال الاستشاري الأسري عبدالعزيز الحسن إن الزوج لم يتوان في رسم حياة سعيدة بعد الزواج وسرح بخياله كثيرا مع أحلامه الوردية، وكذلك الحال بالنسبة للفتاة التي بنت قصورا ولونت صورة رائعة لشريك حياتها وسبحت في عالم الخيال وهي تحلم بذلك الإنسان وكيف ستعيش معه حياة هانئة بكل المقاييس. وأضاف، الشاب والفتاة ينتظران لم شملهما بفارغ الصبر وإذا ما اقترب موعد زواجهما خفقت قلوبهما فرحا واستبشارا وبعد الزواج يعيشان فترة من السعادة والاستقرار ولكن ما تلبث أن تظهر إحدى المشكلات البسيطة وحينما لا يحسن الزوجان التصرف معها بحكمة فتنقلب السعادة إلى هم وشقاء. وأشار إلى أن الخصومات حين تكبر يتحول الزوجان إن لم يحسنا التصرف من صديقين حميمين وعاشقين إلى عدوين لدودين ويصبح كل منهما يثأر لنفسه وينتقم لكرامته. وانتقد الاستشاري الأسري محمد الغامدي بعض الأزواج الذي يصنفون الاعتذار على أنه إهانة، مضيفا في حال كان الزوجين يفكران بهذه الطريقة وسعيا إلى تصنيف الأمور إلى كرامة وإهانة فالأرجح أن حياتهما ستأخذ أحد منحنيين إما أسرة مفككة مهلهلة أو فشل الحياة ومن ثم الطلاق. وختم الغامدي أن الحياة الزوجية كالسفينة يقودها قبطان واحد وعلى متنها ركاب والجميع يحرص على سلامتها ووصولها إلى بر الأمان إذ أنه متى ما نازع راكب القائد على القيادة فسيغرق الجميع ويهلكون وهكذا الحياة الزوجية وأفراد الأسرة. من جهته أشارت الباحثة الاجتماعية عبير السلطان إلى أنه بدلا من الخصومات يجب أن على الزوجين إعطاء مساحة للآخر وخصوصية لا يمكن تعديها وتجاوزها مهما كانت الظروف كذلك احترام الاختلاف في الرأي والذي يكتسب مع الوقت فقد يكون الزوجان من بيئتين مختلفتين فلا بد لكل منهما أن يتنازل للآخر قليلا بحيث يتم خلق مساحة فيها الكثير من التسامح على الحياة من قبل الطرفين. وحذرت السلطان من سرعة التصرف واتخاذ القرارات أثناء الخصومات حيث أكدت على ضرورة أخذ مساحة من الوقت لحين صفاء النفوس. وأضافت ينبغي على كل زوج أن يبين لشريكة العمر أنه بحكم طبيعة شخصيتهم يحتاجون بعد المشاحنات والمواقف العصيبة إلى فترة من الوقت يختلون فيها بأنفسهم، كي يتسنى لهم استعادة الهدوء النفسي، ومن ثم التعامل بشكل طبيعي مجددا، مبينة أن هذا التوضيح يساعد شريك الحياة على تفهم سبب الصمت وعدم الرغبة في تجاذب أطراف الحديث، مما يحول دون تفاقم الأمور. فيما أكدت دراسات عدة أن للنزاع بين الوالدين أعراض خطيرة تؤثر على الأبناء كما أن تكرار الخصومات يؤثر على سلوك وشخصية الأبناء فعندما يحصل النزاع فإنه يؤثر على انضباط الأطفال وعدم اكتراثهم بأوامر الوالدين، وتعتبر هذه إساءة كبيرة للزوجين. وأشارت الدراسات إلى أن من بين الأخطار التي تهدد الأسرة انقسامها إلى أحزاب حيث سيتبنى كل طفل موقفا معينا فيكون إلى في صف والده أو والدته ويدافع عنه وهذا ليس في صالح أي من الوالدين. ومن الأخطار التي نوهت إليها الدراسات الاجتماعية إساءة الظن بالوالدين فقد يكون أحد الوالدين محقا في هذا النزاع ولديه أدلة قوية وكثيرة، إلا أن الطفل يحمل تصورا مختلفا عن هذا الموضوع، حيث ينظر من زاوية خاصة تقوم على إدراكه وتفكيره فيدين طرفا وينحاز للآخر. بوابة الجريمة من النتائج الحتمية للخصومات الأسرية تمهيد الأجواء لينهج الطفل سلوكا اجتماعيا منحرفا فيلجأ إلى الجريمة فالجحيم الذي يؤججه بعض الآباء وكثرة النزاع والشقاق بين الوالدين تؤدي إلى انحراف الأبناء، كما أن احتدام النزاع واستمرار الشقاق والخصومة بين الأبوين يدفع الأبناء للهرب من محيط الأسرة إما بالعزلة والانطواء أو بالبحث عن رفقاء يعوضونهم عن الأجواء المكهربة بأخرى هادئة بأي ثمن ودون اكتراث بما يقدمونه من تنازلات.
مشاركة :