تبقى ترجمة الشعر من أصعب عمليات الترجمة التي تتطلب جهدا وبحثا كبيرين من المترجم لنقل نص شعري من لغة إلى لغة أخرى. وصعوبة ترجمة الشعر مردّها إيقاعه اللغوي الخاص في لغته الأصل ومعجمه واشتغالاته اللغوية المكثفة، ما يجعل من المترجم لا مطالبا بنقل الكلام فحسب بل بنقل روحه وإيقاعه (ولا نقصد الإيقاع الخارجي هنا)، وهو ما خاضه الشاعر السعودي غسان الخنيزي في ترجمته للشاعر الأميركي جون آشبري. عن سلسلة روايات التابعة لمجوعة كلمات في الشارقة، وبدعم من مبادرة 1001 عنون، أصدر الشاعر والمترجم السعودي غسان الخنيزي ترجمته الأولى لقصائد مختارة من دواوين الشاعر الأميركي جون آشبري (1927-2017)، حملت عنوان “صورة ذاتية في مرآة محدبة”. وتعدّ هذه الترجمة هي الترجمة العربية الأولى لأعمال آشبري. شاعر متمكن اشتمل الكتاب على قصائد مختلفة تمثّل مجمل ما اشتغل عليه آشبري شعريا من 1956 حتى 2016، حيث اختار الخنيزي قصائد من ثمانية عشر ديواناً من أصل سبعة وعشرين صدرت لآشبري على مدى ستين عاماً. يقول الخنيزي “كان من بين التحديات الاطلاع على مادته التي تنتشر على أزيد من ثلاثة آلاف صفحة، توفر بعضها ورقياً، والآخر إلكترونياً، عبر صيغ ومنصات مختلفة. ومن فهرس الكتاب يتّضح أننا لا نقدم سوى عينات ونماذج قليلة من أعماله واشتغالاته، فبعضها قصائد ذائعة الانتشار أشبعت درساً وتدريساً، مثل ‘زهرة الليلك‘ لبعدها الأسطوري، و‘الصمت أوجز‘ لبعدها الاجتماعي، و‘بعض الأشجار‘ لصفتها الاستعادية، وبعضها الآخر أُضيفت لخصوصيتها الأسلوبية، مثل ‘الروح الجديدة‘، و‘فندق لوتريامون‘، ومن ثمّ تأتي غيرها ممّا تظافرت قابليتها للترجمة مع الذائقة الشخصية”. الترجمة حاولت أن تنقل الصنعة اللغوية للشاعر بصياغاتها الاستطرادية، وبنيتها المتداخلة، وأسلوبه في تقطيع الجمل وعن علاقته الشخصية كشاعر ومترجم بتجربة آشبري يتابع الخنيزي “اطّلعت على شعر آشبري في مطلع الألفية، واستغرق الأمر فترة للتقرب من نصوصه ومناوشة بعضها ترجمة، وإن من باب تزجية الوقت، وقد شدني ذلك السحر والدهشة والمتعة والرضا في قراءة وترجمة نصوص مثل ‘سوناتا زرقاء‘، و‘منازل بطابق واحد‘، و‘صدى متأخر‘، بما تقدّمه من ثراء في التخليق الصوري، والتراكيب اللغوية السيالة، والزخم المعتمد على التلميح والمداورة وتعدد المرجعيات؛ نصوص مفتوحة على السماء الشاسعة للمعنى بنفس غنائي حميمي؛ جامع مشترك، فيه زهو التمكّن وتواضع الروح”. ويضيف الخنيزي أن مشروع ترجمة مختارات آشبري لم يكن ليأخذ خطوة ويتحقق إلا بالحديث، أواخر العام الماضي، وبعد فترة وجيزة من رحيل آشبري، مع محرر هذه السلسلة؛ الصديق الشاعر أحمد العلي. ولاشتراكهما في الحماس لتجربة هذا الشاعر، كان اتفاقهما على أن تكون قصيدة “صورة ذاتية من مرآة محدبة” ورقة الاختبار الحقيقية لإمكانية ترجمة آشبري بصورة جدية، والعمود الفقري لمختارات جديرة بأن تحمل اسم الشاعر وعنوانه”. أسلوب الترجمة نقل روح الشعر وإيقاعهنقل روح الشعر وإيقاعه على خطى كثير ممن يقدّم الإرشادات في كيفية قراءة آشبري يقول الخنيزي “كتبت الناقدة والشاعرة ميغان أوروك ناصحة القرّاء بعدم محاولة فهم القصائد، بل الاستمتاع بصياغاتها، على النحو الذي نستمع فيه إلى الموسيقى”. ويشير إلى أن الصحافية والناقدة الأدبية جوان ديديون حضرت قراءة لآشبري لأنها ببساطة أرادت تحديد ما الذي يكتب عنه. وفي واقع الأمر، فقد كان مفيداً جداً -لغرض هذه الترجمة أيضاً- الاستماع إلى تسجيلات صوتية لقراءاته الشعرية ومقابلاته الإذاعية المتوفر -لحسن الطالع- على الشبكة العنكبوتية، وبخاصة في المكتبة الصوتية (Pennsound) التابعة لموقع جامعة بنسلفانيا، حيث نسمع الشاعر وهو يقدم نفسه، ويتحدث عن أعماله الشعرية وطريقته في الكتابة، وننصت إلى نبرته وهو يلقي قصائده”. ويختتم الخنيزي حديثه عن مشروع ترجمة آشلي بالقول “ترجمة هذه النصوص في نهاية المطاف كانت عملية فيها تكرار ومعاودة بين قراءتها والاستماع إلى ما توفر منها بصوت الشاعر والاطلاع على تعليقات وملاحظات النقاد حول ما أصبح -بصورة أو بأخرى- جزءاً من كلاسيكيات الشعر الأميركي، إن لم نقل الشعر المكتوب بالإنكليزية، كما هو الحال مع قصائد والت ويتمان، وت.س.إليوت. وقد حاول أسلوب الترجمة أن ينقل تجربة الصنعة اللغوية المميّزة للشاعر بصياغاتها الاستطرادية، وبنيتها النصوصية المتداخلة، وأسلوبه في تقطيع الجمل الشعرية”. يذكر أن غسان الخنيزي شاعر سعودي، من مواليد مدينة القطيف (شرق السعودية) عام 1960، عاش في العراق منذ 1971 حتى 1974، ثم انتقل إلى أميركا للدراسة منذ عام 1980 حتى 1985، يعدّ من أهمّ رواد قصيدة النثر السعودية منذ الثمانينات من القرن الماضي مع جيل شعري كامل له ذاكرته ونصه الخاص. صدر له: “أوهام صغيرة”، و”اختبار الحاسة”.
مشاركة :