يقوض استمرار الاحتجاجات في مدن الحوض المنجمي بجنوب تونس جميع مساعي الحكومة للاستفادة من ثروة الفوسفات المهدورة بعد توقف الإنتاج في كافة المناجم وعودة الأزمة إلى المربع الأول نتيجة رفض شباب المنطقة نتائج التوظيف الأخيرة. قفصة (تونس)- شكك اقتصاديون في قدرة الحكومة على تحقيق طموحاتها بإعادة عجلة قطاع الفوسفات الاستراتيجي إلى الدوران مجددا، والذي يشكل فيه “الفرز الوظيفي” نقطة خلاف جوهرية مع سكان الحوض المنجمي. ورغم أن هناك إطارا قانونيا يشمل معايير تحكم مسألة التوظيف في شركة فسفاط قفصة الحكومية، لكن معظم شباب مدن ولاية قفصة العاطلين عن العمل غير مقتنعين بذلك. ولطالما شكلت الاضطرابات الاجتماعية في المنطقة صداعا مزمنا للسلطات وازدادت مع الحكومة الحالية، التي عجزت منذ توليها السلطة في أغسطس 2016 عن إيجاد حل جذري للأزمة. ورأى صلاح الدين كريمي، أحد سكان المنطقة، في تصريحات لـ”العرب” أن تكرار الاحتجاجات نتيجة حتمية للسياسات التنموية الفاشلة للحكومات المتعاقبة الموجهة لولاية قفصة، والتي تقتصر على الفوسفات. 2.8 مليون طن إنتاج الحوض المنجمي المتوقع هذا العام بتراجع نسبته 30 بالمئة عن العام الماضي2.8 مليون طن إنتاج الحوض المنجمي المتوقع هذا العام بتراجع نسبته 30 بالمئة عن العام الماضي وطيلة العقدين الماضيين، شهدت المنطقة سلسلة من الاحتجاجات تفاقمت في عام 2008 عندما اندلعت اضطرابات واجهتها السلطات في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بشدة وسط تكتم إعلامي كبير حينها. ولم يفلح سقوطه في معالجة المشكلة. وقال كريمي، الصحافي المختص في الاقتصاد، إن “إعلان نتائج المناظرات الرسمية لانتداب موظفين في شركة فسفاط قفصة دائما ما تكون مصحوبة باحتجاجات واعتصامات رفضا لها”. وأشار إلى أن المحتجين يعتقدون أن النتائج الجديدة التي تم الإعلان عنها مؤخرا لم يراع فيها مبدأ الشفافية أو حتى الظروف الاجتماعية للعائلات، التي تعاني من الفقر. وأثار تجدد الاحتجاجات قبل أكثر من أسبوع في المنطقة، والتي يرجح أن تستمر لأسابيع، وفق ما قاله محتجون لـ”العرب” المخاوف من دخول القطاع في دوامة من الركود، ممّا سيفاقم خسائر الشركة الحكومية، فضلا عن وحدات الإنتاج وخاصة تلك الموجودة في ولاية قابس. ورغم أن مشكلة الحوض تبدو شبيهة لحدّ ما بمشكلة الكامور في ولاية تطاوين، والتي عطل فيها المحتجون إنتاج النفط كنوع من الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم، إلا أنها مسألة الفوسفات تبدو أعمق. ويتبنى شباب المنطقة، الذين ينصبون خيامهم في بالقرب من مناجم الفوسفات في كل مرة تطفو فيها مشكلة التوظيف على السطح، شعارا واحدا وهو “إما المنجم وإما الهجرة وإما الموت”. ويعد الفوسفات من أهم الموارد الطبيعية لتونس، والذي جعلها رابع منتج في العالم، ويخضع استغلاله لاحتكار الدولة، التي عهدت به إلى ذراعها في هذا القطاع والتي توفر أكثر من 7 آلاف فرصة عمل. وتنتج المتلوي كبرى مدن الحوض المنجمي، أكثر من 40 بالمئة من الإنتاج الإجمالي للبلاد، والباقي يتوزع بين مدن أم العرائس والرديف والمظيلة. وكرر الخبير، معز الجودي، طرح الحلول التي ستعيد القطاع إلى نشاطه والخروج من الحلقة المفرغة التي كبلت استفادة الدولة من عوائد صادرات الفوسفات. وقال في تصريح سابق لـ”العرب” إن “الحكومة لديها خيارات كثيرة لإنعاش القطاع على أسس مستدامة ولا أرى أنها تبدو صعبة عليها، ولكنها تفتقر إلى الإرادة، من بينها حوكمة القطاع أو خصخصة جزء منه”. صلاح الدين كريمي: تكرار الاحتجاجات نتيجة حتمية لارتباك سياسات التنمية للحكومات المتعاقبةصلاح الدين كريمي: تكرار الاحتجاجات نتيجة حتمية لارتباك سياسات التنمية للحكومات المتعاقبة وأطلقت الشركة الحكومية صيحة فزع من أن الإنتاج لن يتجاوز حاجز 3 ملايين طن بنهاية 2018، بتراجع يبلغ 30 بالمئة عن مستويات 2017، البالغة 4.1 مليون طن. ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية للمكلف بالإعلام في الشركة، علي الهوشاتي، قوله إن “الإنتاج توقف بنسبة 70 بالمئة في مواقع الاستخراج بسبب الاحتجاجات على نتائج مناظرة التوظيف”. وأوضح أنه من الصعب بلوغ حجم الإنتاج نصف ما كان مقررا. وقال “قبل شهر من نهاية العام، وصل الإنتاج إلى 2.8 مليون طن وسط تقديرات بإنتاج 6.2 ملايين طن خلال 2018”. ويستخدم الفوسفات كمادة خام في عدد من المنتجات الزراعية والصناعية، وتظهر البيانات الرسمية أن الإنتاج الصناعي تراجع في الأشهر التسعة الأولى من العام بنسبة تناهز 0.7 بالمئة نتيجة انحسار الإنتاج إلى جانب تقلص إنتاج النفط. وأثر تواتر الاضطرابات على القطاع، الذي تراجعت مردوديته بنحو 60 بالمئة عما كانت عليه قبل 2011، حيث كانت صادرات الفوسفات، البالغة 8 ملايين طن سنويا، مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة، وتوفر لخزينة الدولة قرابة ملياري دولار. وتطمح الحكومة لزيادة عوائد قطاع المناجم في العام المقبل بنسبة 10 بالمئة عبر إنتاج 5 ملايين طن من الفوسفات من خلال استثمار نحو 140 مليون طن من هذه المادة، في ظل نتائج دون المتوقع حققها القطاع هذا العام متأثرا بالاحتجاجات العمالية وركود الطلب العالمي. وأشارت وثيقة الميزانية الجديدة أنه تم تخصيص 180 مليون دينار (62 مليون دولار) للنهوض بالقطاع عبر ضخ استثمارات جديدة في كل من توزر والمكناسي وأم الخشب.
مشاركة :