إسطنبول/ كوتلوهان غوروجو*/ الأناضول بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، عام 2015، ركزت تركيا على تطهير حدودها الجنوبية من التنظيمات الإرهابية، ونفذت لذلك عمليتي "درع الفرات"، و"غصن الزيتون"، شمالي سوريا. وكان الهدف الرئيسي من هاتين العمليتين هو إبعاد خطر عناصر تنظيمي "داعش" و"وحدات حماية الشعب" (ي ب ج) الإرهابيين من المناطق الحدودية التركية. وانطلاقًا من الهدف ذاته، تُصر تركيا على تطهير المناطق الواقعة شرق نهر الفرات أيضًا من عناصر "ي ب ج"، مراعيةً خلال ذلك أوضاع سوريا، حيث نفذت أنقرة "غصن الزيتون" بعد توصلها إلى اتفاق مع موسكو. كما تعمل تركيا جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية لإخراج عناصر "ي ب ج" من مدينة منبج (في محافظة حلب- شمال)، وانتقدت مرارًا تعاون واشنطن مع هذه الوحدات، وأعلنت أنها تعتبرها امتدادًا في سوريا لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية. وبدأ التقارب السياسي والعسكري بين واشنطن و"ي ب ج" مع هجمات "داعش" على مدينة عين العرب (كوباني- شمال)، وزادت وتيرته لاحقًا، ليصبح الطرفان بمثابة حليفين. لجأت واشنطن لهذا التحالف لمحاربة "داعش"، والحد من التوسع الإيراني في المنطقة، بينما سعت وحدات "ي ب ج" إلى السيطرة على المزيد من مناطق شمالي سوريا، والحصول على بعض الشرعية. بفضل علاقة التحالف، حصلت "ي ب ج/ بي كا كا" من واشنطن على أسلحة ثقيلة وخفيفة، وأحكمت سيطرتها على مناطق واسعة ذات أغلبية عربية في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، وهو ما لم تكن حتى تحلم به. وحاليًا، تنفذ الوحدات عمليات ضد "داعش" في المنطقة الممتدة بين بلدة هجين وباغهوز، تحت غطاء من سلاح الجو الأمريكي، ودعم من عناصر المدفعية الفرنسية والإيطالية. ومؤخرا، وبعد استهداف المدفعية التركية لنقاط تمركز "ي ب ج/ بي كا كا" بين عين العرب ومحافظة القامشلي، أعلنت الوحدات تعليق عملياتها تحت لواء ما تُسمى بـقوات سوريا الديمقراطية (قسد). لكن الوحدت، وبضغط أمريكي، أعلنت في 11 نوفمبر/ تشرين ثانٍ الجاري، أنها ستعيد تنفيذ العمليات، إلا أنها لم تحرز أي تقدم في مناطق داعش حتى الآن. في المقابل، استعاد "داعش" كافة المناطق التي سيطرت عليها "ي ب ج/ بي كا كا" في الفترات الأخيرة، إذ استغل التنظيم عدم قدرة سلاح الجو الأمريكي على شن غارات؛ بسبب سوء الأحول الجوية، اعتبارًا من أواخر أكتوبر/ تشرين أول الماضي. ويفيد ذلك بأن قوات "ي ب ج/ قسد" غير قادرة على تحقيق أي انتصار دون حصولها على غطاء جوي أمريكي. وبعد استهداف المدفعية التركية لنقاط تمركز "ي ب ج/ بي كا كا" شرق الفرات، أظهرت واشنطن معارضتها للأمر، عبر تسييرها دوريات مشتركة مع وحدات "ي ب ج/ قسد". في الوقت نفسه، أعلنت جائزة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال ثلاثة قياديين في منظمة "بي كا كا"، في محاولة منها للتفريق بين قيادة المنظمة في جبال قنديل (شمال العراق)، وقيادة المنظمة في سوريا. ربما تسعى واشنطن من خلال ذلك لجعل تركيا تقبل بامتداد منظمة "بي كا كا" في سوريا، أو كسب المزيد من الوقت بهدف إنتاج سياسات جديدة، كما تتصرف ببطء كبير حيال أزمة منبج، بهدف التغطية عن سياستها المستعصية في سوريا. من ناحية أخرى، تواصل تصريحاتها بشأن مكافحة "داعش"، دون أن تتخذ، منذ فترة طويلة، أية خطوة للقضاء على التنظيم الإرهابي، رغم انحسار مناطق سيطرته كثيرًا في الفترات الأخيرة. مقابل هذه التطورات، تسعى تركيا إلى مكافحة الإرهاب في سوريا، وتفعيل نموذج "الجيش السوري الحر" في المناطق التي تسيطر عليها. وتتواجد تركيا في المنطقة الممتدة من مورك شمالي حماة حتى جرابلس على الحدود السورية الشمالية، ونجحت، قبل أشهر، في إجهاض عملية عسكرية (من جانب قوات النظام والموالين له) على إدلب، بتوصلها إلى اتفاق مع روسيا. من جهة أخرى، تواصل أنقرة مشاريع البنية التحتية في المنطقة الممتدة بين عفرين وجرابلس، بهدف إعادة اللاجئين السوريين إليها. وتهدف تركيا إلى تفعيل هذا النموذج في المنطقة الواقعة شرق الفرات، حيث تواصل تحضيراتها العسكرية والسياسية والاجتماعية؛ للقضاء على التنظيمات الإرهابية فيها. وتعتبر أن تطهير المنطقة من الإرهاب أمرًا ضروريًا لإعادة اللاجئين السوريين إليها، وبدء تفعيل عملية سياسية جديدة في سوريا، إلى جانب حماية الأمن القومي التركي. ليس صعبًا التنبؤ بأن العملية العسكرية شرق الفرات ستحقق أهدافها بسهولة أكثر من العملية العسكرية (غصن الزيتون) التي جرت في عفرين. فقد اكتسبت القوات المحلية السورية، خلال هذه الفترة، خبرات متزايدة، بفضل تدريباتها المستمرة مع القوات المسلحة التركية، ومشاركتها في "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، بجانب علاقاتها الطبية مع أهالي تلك المناطق، ما يسهل عليها تنفيذ عملية جديدة شرقي الفرات بسهولة. ازدادت في الفترة الأخيرة التظاهرات المناهضة لــ"ي ب ج/ بي كا كا" في المناطق التي يسيطر عليها، لكون تلك المناطق تتمتع بأغلبية سكان عربية. وأصدرت العشائر في الرقة، بيانًا مشتركا، أعلنت فيه وقوفها ضد "ي ب ج"، وتأييدهم لـ"الجيش السوري الحر". ومن الممكن أن تنفذ هذه العشائر عمليات من الداخل بالتوازي مع عمليات القوات المسلحة التركية و"الجيش الحر". ورغم تمتع الجيش التركي بكفاءة كبيرة تمكنه من تنفيذ عمليات كهذه بسهولة كبيرة، إلا أن أهم مشكلة تعترضه هي علاقات واشنطن مع "ي ب ج/ بي كا كا" سياسيًا وعسكريًا. إن تصنيف واشنطن لمنظمة "بي كا كا" ضمن لائحة الإرهاب من شأنه أن يزيد من صعوبة استمرار تحالفها مع "ي ب ج". وأعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، في وقت سابق، أن "ي ب ج/ ب ي د" يعتبر امتدادًا لمنظمة "بي كا كا" في سوريا. لكن رغم كافة معطيات التحالف بين الوحدات والولايات المتحدة تدعي واشنطن أن التعاون بينهما يقتصر على المجال التكتيكي، وأن هدفها الرئيسي هو محاربة "داعش". أمام معادلة تتضمن انحسار مناطق سيطرة "داعش" كثيرًا، لدرجة باتت شبه معدومة، يبدو محتملًا أن تتوصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق. ويزيد من احتمالية هذا الاتفاق أن واشنطن بحاجة إلى أنقرة في المنطقة، مع التوسع الإيراني والروسي فيها، وعدم إمكانية استمرار التعاون السياسي مع دول الخليج على المدى البعيد. وفي الوقت الذي تحمي فيه تركيا أمنها القومي بتواجدها في سوريا، تعتبر قوة رئيسية تتيح لأوروبا اتخاذ موضع سياسي في سوريا. رغم كل هذه التطورات، فإن القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) تميل إلى عدم التخلي عن "ي ب ج/ قسد"، بينما تصر تركيا على القضاء على الإرهاب في مصدره بشمال سوريا. إن فشل مساعي الحل في سوريا قد يفتح المجال أمام ظهور تنظيمات إرهابية جديدة واستمرار الفوضى في المنطقة. لذلك يجب على النخب السياسية الأمريكية تنفيذ سياسة مغايرة لسياسة "سنتكوم"، والتعاون مع تركيا في سبيل الوصول إلى حل سياسي فعال في المنطقة. * كوتلوهان غوروجو، باحث مساعد في قسم السياسات الخارجية في مركز "سيتا" التركي للدراسات. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :