مضر رمضان: رحلة البحث عن جواب تفقد السؤال معناه

  • 11/27/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يختبر المؤدّي عبر جسده المكان، بوصفه لحما بشريا يُستعرض في فضاء علني، وتكمن الإشكاليّة في أن هذا اللحم يختزن الجغرافيا التي مر بها وتلمسها وقاسى فيها، لتصبح لحظة الأداء أشبه بتجسيد للذاكرة، تُحرر المؤدي من الآن، لاستعادة تحولات اللحم ضمن الزمن، لا بوصف جسد المؤدي أثراً فيزيائياً على الحياة، بل أيضاً دليلاً على النجاة، والاستمرار بالرغم من التهديد الدائم بالأذى والخطر. في حديث حول الأداء “العرب” التقت الممثل والمخرج السوري مضر رمضان. هامبورغ (ألمانيا) – شهد مهرجان “ستامب” في هامبورغ –ألمانيا هذا العام عرض أداء “حدود”، من إخراج إنديا إيفا ماريا روث، وتأليف وأداء مضر رمضان إلى جانب الراقصة كريستينا سابار، وفيه نتعرف على قصة شاب سوري متحول جنسيّاً، وحياته السريّة في سوريا، ثم فراره لأوروبا خوفاً على حياته، وحين وصوله لألمانيا، يفقد والدته التي رافقته في رحلة النجاة، ليبقى وحيداً يصارع الأسئلة وجدواها لالتقاط هويته. مفهوم الهوية يحيلنا العرض منذ العنوان إلى العلاقة بين الشخصي الحميميّ والعلني السياسي، وخصوصاً أن اختيار متحول جنسياً يسائل الحدود بين المذكر والمؤنث، ومدى قدرة الفرد على الظهور علناً في مساحات تُحارب حرفياً جسده كما في سوريا، لا فقط بوصفه متحولاً، بل كونه في فضاء حرب وخاضعا لنظام قمعي، هذا الخطر الجسديّ، والحد بين الموت والحياة، يحضر أيضاً في رحلة الشخصية ووالدته نحو “برّ الأمان”. تُجسد أمامنا الثنائيات السابقة سواء عبر النص المحكيّ أو الأداء الجسدي، الذي يراوح بين الرقص والإيماء، كما يوظف المؤديان حبلاً يجمع بينهما، نراه بداية حين يدخل رمضان حاملاً الراقصة، ثم حين يبدأ كل واحد منهما بتقييد الآخر ثم الانفلات منه، وكأنّ هناك قيدا يربط الفرد مع الماضي، تتغير شدته مع الزمان والمكان، ما يحيلنا إلى سؤال الهوية المذكرة والمؤنثة، ومدى ارتباط الفرد بكل واحدة منهما، فتبني الهويّة الجديدة، يعني إعادة تكوين الذاكرة، والموقف من العالم والأحداث السابقة والحاليّة، وخصوصاً أن النجاة لم تعد الهم الوحيّد، بل استبدلت بسياسات الحضور وأشكال الظهور في المجتمع الجديد. العرض الأدائي يطرح أسئلة عن مفهوم الهوية والانتماء ضمن المتغير السياسي والاجتماعي الذي تشهده سوريا اليوم وحين سؤال مضر رمضان الذي سبق له أن عمل في سوريا مخرجاً وممثلاً، وتحول إلى فن الأداء في ألمانيا، عن سبب اختيار شخصية المتحول جنسياً (جورج في العرض) يقول إنها فتحت له الأفق لطرح أسئلة عن مفهوم الهوية والانتماء ضمن المتغير السياسي والاجتماعي الذي تشهده سوريا اليوم، إذ بدأ مع المخرجة التحضير للعرض من نقطة عمياء، تنطوي على مجموعة أسئلة تحاول الإحاطة بمفهوم “الحدود”. ويضيف “كان هناك اختلاف في مفهوم الحدود بيني وبين المخرجة، إلا أننا أثناء عملية بناء الموضوعة الأساسية للعرض، وجدنا أن شخصية المتحول جنسيا الذي يعيش ضمن المجتمع السوري الآن، تشكل نقطة التقاء بين ما أردنا استثارته، وذلك انطلاقا من الشك الذي ينطوي عليه سؤال ‘من أنا؟‘، وصولا إلى اليقين بضرورة الإجابة عن هذا السؤال ضمن المجتمع السوري، بهذا أصبحت الشخصية بمثابة معادل للمجتمع السوري، ليس فقط ضمن الثورة السورية، بل على مدى تاريخ طويل من الدكتاتورية السياسية والاجتماعيّة التي أنتجت الثورة السورية، والأهم برأيي، أن رحلة الهجرة التي عاشتها الشخصية، بحثاً عن جواب واضح لسؤالها عن هويتها أفقدت السؤال جدواه”. يحدثنا رمضان أيضاً عن صعوبات كتابة النص باللغة الألمانية، وأزمة الوضوح في المعنى التي واجهها، والتي خلقت مسافة بين الفكرة والإحساس والتعبير عنهما، ما يترك الكاتب أمام تحدّ صعب يضعه بين مجموعة خيارات، أحدها التخلي عن المعنى الذي أراده أو السؤال الذي يرغب بطرحه. وهنا يشيد رمضان بالشاعر كريستيان فيليبس، ومجموعته مرج للترجمة الأدبية، والمساعدة التي تلقاها منهم لصياغة النص بشكله الذي تم تقديمه. ويضيف “كانت هناك صعوبة في إيصال السؤال العام إلى الجمهور الأوروبي، إذ غلب على النص الطابع الفردي، ليبدو كأنه حكايتي الشخصية، دوناً عن كونه تساؤلا يخص المجتمع السوري، ففي المهجر نبدو كأننا أفراد لا كجماعة بشريّة، ربما ذلك بسبب التجربة المسرحية العربية في أوروبا، أو ربما أحال موضوع مسرحيتي إلى ذلك، فضآلة هامش الحرية في البلاد العربية للتعبير عن أزمة التحول الجنسي، يجعلني أبدو للأوروبي أنني استغل حريتي هنا لطرح قضيتي الشخصية”. سوريا مسرح المهاجرين تشهد الخشبة الأوروبيّة الكثير من التجارب المسرحية والأدائيّة العربيّة، والكثير منها يواجه بالانتقاد كونه تحول إلى نوع من الصرعة أو وسيلة للشهرة الزائفة، حيث تتم المراهنة على القضية السياسية عوضاً عن القيمة الفنيّة، وأحياناً تتحول الخشبة إلى مساحة لاستجداء الشفقة وإظهار الدونيّة. وحين سؤال رمضان عن رأيه بذلك يعقّب بقوله، إن للمسرح الأوروبي شكله الخاص، المرتبط بنظام المجتمع والنظام الاقتصادي والسياسي، وهذا ما يدفع بالمنتجين المسرحيين الأوروبيين في غالب الأحيان إلى مسايرة القضايا الرائجة، تحت مسميات مختلفة كالاندماج، وفتح باب التعبير أمام الآخر المقموع، واكتشاف الآخر وما إلى ذلك، وهذا طبيعي، وليس بجديد، فهوية اللاجئ قديمة ضمن المجتمع الأوروبي، ومسرح المهاجرين أو فن المهاجرين هو جزء من الهوية الثقافية الأوروبية. ويضيف “محاولات الهروب من هذه الهوية أو السمة، كمحاولات التنفس تحت الماء، لكن يبقى السؤال كيف نتعامل كمسرحيين من أصول مهاجرة مع هذه الهوية، أظن أنه غالباً ما يكون التعامل مع هذه القضية في سنواتها الأولى سطحيا، لكن الأسئلة الجوهريّة حولها ستبقى حاضرة حتى تختمر، ولا بد للإنتاج الثقافيّ أن يأخذ وقتا كي يتبلور، بالتالي لا مفرّ من تجارب مختلفة، سواء كانت سطحية وتجارية أو غير ذلك. أما الأثر الحقيقي، فليس بالإمكان استشفافه الآن خصوصا في ألمانيا البلد الذي استقبل أكبر عدد من المهاجرين السوريين والفنانين خصوصاً”.

مشاركة :