نواصل في الجزء الثاني من المقال، حديثنا عن النماذج العربية في التنمية السياسية. تنطلق دراسة التنمية السياسية من حيث الأبعاد، انطلاقاً من النظرة البنائية - الوظيفية للنظام السياسي كنظام فرعى فى إطار النظام المجتمعي. وتؤكد على وجود ثلاثة أبعاد، هي: بناء المؤسسات السياسية، تحديث الثقافة السياسية، زيادة فعالية النظام. إذ يمكن التمييز في خصوص تحليل الظاهرة السياسية بين مقومات ثلاث: الأولى هي المقومات المادية وتشمل الإقليم والعامل الجغرافي وتوزيع الثروات، الثانية هي المقومات النظامية وتشمل هيكل الدولة أو الإطار النظامي للوجود السياسي، والثالثة هي المقومات المعنوية وتشمل الأيدلوجية والدين والأمن والقومي. الأولى والثانية تمثل الناحية الشكلية في الظاهرة السياسية، والثالثة هي الناحية المعنوية، وعملية التفاعل بين الأولى والثانية من ناحية والثالثة من ناحية أخرى تمثل الناحية الديناميكية في الظاهرة السياسية أو فى النظام السياسي وتعبر عنها مدى فعالية النظام باعتبارها البعد الثالث من أبعاد التنمية السياسية، بينما تعبر عملية بناء المؤسسات السياسية عن الناحية الشكلية، وتعبر عملية تحديث الثقافة السياسية عن الناحية المعنوية. ويمكن تناول هذه الأبعاد الثلاث بشيء من الإيجاز في إطار التعريف بعملية التنمية السياسية:1- عملية بناء المؤسسات السياسية:فيما يتعلق بعملية بناء المؤسسات السياسية، فإن «لوسيان باي» ينطلق في تصوره للتنمية السياسية من زيادة فعالية الأبنية السياسية مع تميزها وتنوعها، وذلك أن الأشكال التنظيمية الواسعة، المعقدة والفعالة، ومن ثم المرونة هي سمة فيصليه للمجتمع الحديث. ويذكر «باي» أنه لا يمكن أن تكون لتلك المؤسسات هذه الصفات السابقة ما لم توجد أبنية غير رسمية، خاصة قنوات الاتصال غير الرسمية. كما أن الأفراد الذين يستطيعون المشاركة بفعالية في هذه الأبنية غير الرسمية هم ذو المشاعر المشاركة، فالأفراد الذين لا يشعرون بالأمن والثقة لا تتوافر لديهم هذه الاتجاهات، ومن ثم فان المجتمع الحديث لا يمكن أن يتطور إذا وجدت في تنظيماته نسبة كبيرة من الأفراد غير الآمنين ومعدومي الثقة. كما أن «باي» يرى أن التنمية السياسية هي في تنمية الجهاز الإداري القانوني وهو الأمر الذى يتضمن مفاهيم التخصيص وتمايز الأدوار، وهو ما يجعل الباحثين في إطار الدراسات التنموية السياسية يسلكون المنهج القانوني والمنهج الإداري في الاقتراب من الظاهرة التنموية. ويتفق في هذه النظرة «ليبست» الذي يرى أن البعد المؤسسي للنظام السياسي يفرض تحليل ما يتعلق بالتنظيم السياسي، وذلك بالإضافة إلى دراسة الأوضاع والقيم الأخرى التي تتصل بهذه الخصائص الهيكلية. كما أن «هيليو» يميز بين التنمية السياسية كبناء لدولة المؤسسات والتنمية السياسية كتحديث سياسي والتنمية السياسية كإطار يجمع بين هذه وتلك. أما «ألموند وبويل» فلهما في هذا الصدد رأياً آخر هو أن عملية بناء الأبنية والمؤسسات والتنظيمات تساعد على التغلغل الحكومي في المجتمع لحشد موارده، وتنظيم السلوك فيه، وهو ما يقود في النهاية إلى تسهيل إمكانيات بناء الأمة. أما «دويتش» فإنه يهتم بالجانب المؤسسي من زاوية تأكيد أثر التعبئة الاجتماعية على الأبنية السياسية والعمليات السياسية. أما «إيستون» فإنه يهتم بالأبنية السياسية من زاوية التفاعلات التي تحدث داخل تلك الأبنية التي تمثل الأبنية الفرعية والنظام السياسي في إطار العملية السياسية. وللحديث بقية.* كاتب وأكاديمي مصري
مشاركة :