أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس أنه يعتزم تنظيم حوار وطني حول الانتقال البيئي، مؤكداً إدراكه وتفهّمه غضب مواطنيه، الذي عبّرت عنه احتجاجات «السترات الصفر». وتعهد تعديل أسلوب اتخاذ القرارات، من خلال حوار مع الفرنسيين، لا رغماً عنهم. في الوقت ذاته، أعلن ماكرون أن فرنسا ستغلق 14 من مفاعلاتها النووية العاملة (58)، بحلول العام 2035. وأشار إلى إغلاق 4-6 منها بحلول العام 2030، مستدركاً أن «خفض دور الطاقة النووية لا يعني التخلّي عنها». وحاول ماكرون، في خطاب دام نحو ساعة وعرض خلاله سياسات فرنسا المتعلّقة بالطاقة، أن يهدّئ خوفاً وسخطاً عكسهما الشارع الفرنسي، وبلغا أوجّهما في عنف شهدته جادة الشانزيليزيه الباريسية السبت الماضي. الخطاب الذي يأتي بعد أسبوعين على تحركات عفوية طالبت باستقالة الرئيس، تضمّن جزأين، من اجل توضيح مقتضيات الانتقال البيئي وأعبائه التي أشعلت الاحتجاجات، والتعامل مع مشاعر التناسي والازدراء التي أبداها المحتجون، ومعظمهم ذوو دخل متدنٍ ومن سكان المناطق. وبلهجة اتسمت ببساطة ووضوح، وخصوصاً التواضع، ألقى ماكرون ما يشبه خطاباً تأسيسياً لمرحلة جديدة من حكمه، تستند إلى تفهّمه رسائل الغضب التي وصلته من الشارع، معلناً إدراكه الأخطاء التي ارتُكبت خلال الشهور الـ18 التي انقضت من عهده. وقال ماكرون، الذي تحدث في قصر الإليزيه ووراءه شعار يقول «التغيير معاً»، إنه حريص على الأهداف والالتزامات الواردة في البرنامج الذي انتُخب على أساسه، مستدركاً أنه عازم على تغيير الأسلوب. وشدد على أن الأزمة العميقة التي يواجهها الآن هي نتيجة إهمال وسوء معالجة سادا طيلة العقود الأربعة الماضية، مؤكداً أن ذلك لا يعفيه من مهمة معالجتها. وعرض إجراءات يعتزم اتخاذها للتخفيف من أعباء الانتقال البيئي على الفئات الاجتماعية المهمشة، مع تمسكه بأهدافه، وبينها تكييف الضرائب على المحروقات مع تقلبات أسعار النفط في السوق الدولية. وشدد على بذل كل جهد ممكن ليؤيّد الشعب الانتقال البيئي، ولاستنباط حلول من المواطنين والمسؤولين المحليين والناشطين الاجتماعيين والمنتجين. لكنه أكد عدم تهاونه مع النظام العام والسلامة، على رغم عدم خلطه بين محتجين ومشاغبين هاجموا قوات أمن وممتلكات عامة خلال تظاهرات باريس، وأعلن حواراً وطنياً سيبدأ خلال 3 أشهر، لمناقشة هذه الملفات. وفي بادرة حسن نية واستعداد للحوار، استقبل وزير البيئة فرنسوا دورجي أمس وفداً من ممثلي «السترات الصفر» في مقرّ وزارته، وفصّل لهم التدابير التي تحدث عنها ماكرون. وأولى الرئيس في خطابه اهتماماً بالغاً بما قاله المحتجون حول الصعوبات المعيشية والشحّ في المداخيل، قائلاً: «ما نعيشه يسمّم حياة الأمّة، وتجب إزالة هذا السمّ بالتعاون بين أصحاب القرار والمواطنين». ماكرون الذي يوصف بـ «رئيس الأثرياء»، شدد على أن «كل مواطن ضروري» وطرف فاعل من أجل «تحويل الغضب إلى بناء»، متعهداً بأن يكون ردّ الاعتبار لمدخول العمل في صلب الإجراءات التي سيتخذها خلال الأشهر المقبلة. ولفت إلى ضرورة «بناء عقد اجتماعي جديد، مبني على الثقة والتبادل»، وتعهد بألاّ يكون «التغيير الآتي من دون الفرنسيين أو رغماً عنهم»، مقراً بأن كثيرين من الفرنسيين شعروا بأن الضرائب «فُرضت عليهم من فوق». وأضاف: «خبرتُ، مثل كثيرين من الفرنسيين، الصعوبات التي يواجهها الناس الذين يضطرون إلى القيادة لمسافات طويلة ولديهم مشكلات في تغطية مصاريفهم في نهاية الشهر. أثق بأننا نستطيع تحويل هذا الغضب إلى حلّ. ما تعلّمته من الأيام القليلة الماضية هو أن علينا ألا نغيّر مسارنا، لأنه الصحيح والضروري».
مشاركة :