ارتفاع حالات الطلاق في تونس يكشف حقيقة التفكك الأسري

  • 11/29/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كشفت نتائج إحصائيات نشرت حديثا في تونس عن ارتفاع هام في حالات الطلاق التي اتخذت نسقا تصاعديا لافتا للأنظار، حيث بلغت معدل 45 حالة طلاق يوميا. واعتبر مختصون في القضاء الأسري وعلم الاجتماع أن الأرقام التي كشفت عنها الإحصائيات الأخيرة مفزعة حيث تعكس حجم التفكك الذي بلغته الروابط الأسرية والاجتماعية. تونس – سجلت تونس خلال السنة القضائية 2017-2016، ما يزيد عن ستة عشر ألفا وأربعمئة وخمسين حالة طلاق، أي بمعدّل 1371 حالة شهريا و45 حالة طلاق يوميا، بحسب إحصائيات نشرتها وسائل إعلام محلية. وتفيد العديد من الدراسات الاجتماعية التي تناولت الطلاق في تونس بأن المشاكل المادية والاجتماعية وكذلك الجنسية تأتي في طليعة أسباب الانفصال بين الزوجين. كما تشير إلى أن الطلاق في المجتمع التونسي بات يشبه الآفة من حيث الزيادة الكمية كونه يسجل سنويا معدلات مرتفعة عن السنوات التي تسبقها. وتؤكد الأرقام أن عدد حالات الطلاق ارتفعت بـ820 بين عام 2016 وعام 2017. ويربط المختصون الزيادة في حالات الطلاق في السنوات الأخيرة بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا فيسبوك على العلاقات الزوجية معتبرين أنه يؤدي إلى فتور في العلاقة بين الزوجين ويسهل الخيانة الزوجية. ويقول الدكتور في علم الاجتماع الطيب الطويلي إن “عدد حالات الطلاق في تونس في ارتفاع متواصل من سنة إلى أخرى، حيث تشير الأرقام إلى أن تونس تحتل المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا من حيث ارتفاع نسب الطلاق مقارنة بعدد السكان”، مؤكدا أن هذا الارتفاع المطرد يشير إلى أن الطلاق في تونس أصبح يمثل ظاهرة اجتماعية حقيقية تستوجب الدرس. ويعتبر الطويلي أن العوامل المؤدية إلى هذا النسق التصاعدي عديدة ومتشعبة، من أهمها “غياب التربية والثقافة الجنسيتين في المجتمع التونسي، وهو ما يؤدي في أحيان كثيرة إلى مفاجآت غير متوقعة خلال المعاشرة الزوجية وهو أحد أهم أسباب الطلاق اليوم”. الطيب الطويلي: تدخل الأسرة الممتدة في شؤون الزوجين، أحد أبرز دوافع الطلاقالطيب الطويلي: تدخل الأسرة الممتدة في شؤون الزوجين، أحد أبرز دوافع الطلاق ويضيف أن تدخل الأسرة الممتدة في شؤون الزوجين، يعد كذلك من أبرز دوافع الطلاق في تونس، إذ يؤدي إلى خلافات بين العائلتين المتصاهرتين تنتهي في أحيان عديدة بطلاق الزوجين. ويشير المختص في علم الاجتماع إلى أن الطفرة التكنولوجية التي شهدها كل من المجتمع والأسر التونسية في مجال الإنترنت أدت إلى ظهور “عائلات جديدة افتراضية”، وجعلت لكل من الزوجين عالمه الافتراضي في الإنترنت، موضحا “أن شبكة فايسبوك، كأحد منابر التواصل الاجتماعي الأكثر استعمالا في تونس، تسهّل لكلا الزوجين إيجاد بديل في حالات الخصام، كما أنها تسهل بناء علاقات افتراضية جديدة تجعل الشريك يدخل في مقارنات بين الزوج والأصدقاء الافتراضيين”. ويؤكد الطويلي أن أسس اختيار القرين تعد أيضا من أسباب حالات الطلاق المتزايدة في تونس ويعدد منها “اختيار القرين على أساس مصلحي عبر الاعتماد على وجاهة القرين أو مستواه المادي أو حتى مستواه الجمالي، وفي أحيان كثيرة يتم اختيار القرين فقط من أجل الهروب من شبح العنوسة الذي يمثل تهديدا حقيقيا في مجتمعاتنا”. ويمكن ربط هذه الدوافع المصلحية والحسابية في اختيار شريك الحياة بالفوارق الاجتماعية أو الثقافية أو التعليمية التي قد تلعب دورا هاما بعد الزواج في نشوب الخلافات الدائمة بين الزوجين وتقف وراء انتهاء علاقتهما. واعتبر قاض في المحكمة الابتدائية بمحافظة سوسة في تصريح لأحد المنابر الإذاعية التونسية أن إرجاع ارتفاع حالات الطلاق في تونس إلى سهولة الإجراءات القانونية غير صحيح وغير منطقي، موضحا أن الأسباب الرئيسية تتعلق خاصة بالمشاكل الجنسية والخيانة والتأثير السلبي لموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، وأيضا إلى الأسباب الاقتصادية والمالية، وكذلك اختلاف المستوى الثقافي. ولاحظ من خلال تجربته ومباشرته لملفات وقضايا الطلاق أن النساء أكثر طلبا للطلاق من الرجال في تونس، بالرغم من غياب النسب المضبوطة بشكل رسمي، كما اعتبر أن ارتفاع نسب طلاق الإنشاء الذي أثبتته الإحصائيات الأخيرة مقارنة بقضايا الطلاق للضرر يرجع إلى أنه يبدو لطالب الطلاق الحل الأسهل إجرائيا بسبب صعوبة إثبات الضرر إذا كان هناك طرف متضرر، وأيضا يلجأ إليه كثيرون حفاظا على سمعة العائلة والأبناء. وأشار القاضي في الدوائر الابتدائية إلى أن الأسباب العميقة لارتفاع حالات الطلاق في تونس تعتبر اجتماعية بالأساس، موضحا أن ذلك مرتبط بتغير مفهوم العائلة والأسرة في المجتمع التونسي عن المفهوم التقليدي المتعارف عليه. وتحتل المشاكل الجنسية والخيانة الزوجية مرتبة متقدمة في لائحة أسباب الطلاق في نظره، معرجا على الدور الكبير الذي باتت تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي ومنها فيسبوك “تقريبا نجد أثناء الجلسات الصلحية أن نصف الملفات التي يتم التعرض إليها تظهر أن سبب المشاكل والخلافات بين الزوجين هو الدردشات والدخول في علاقات عبر فيسبوك”. الطلاق وفي درجة تالية لا تقل أهمية عن سابقاتها نجد الأسباب الاقتصادية والمالية حيث يعجز الزوج مثلا عن تنفيذ الوعود التي قدمها للزوجة في فترة الخطوبة مثل توفير ظروف معيشة مريحة ماديا لها وللأبناء، بحسب القاضي الذي وضح أن مسألة الوعود لا تتعلق فقط بالجانب المادي بل أيضا بنوعية العلاقة وهي مسألة يشترك فيها الزوجان. أما في ما يخص اختلاف المستوى الثقافي بين الزوجين فيقول إن ملفات القضايا المرفوعة تكشف دورا هاما لعدم التوافق في المستوى الثقافي بين الطرفين، بل أحيانا نلاحظ فوارق كبيرة بين الزوجين كأن يكون الزوج أستاذا جامعيا وزوجته لديها مستوى تعليم ابتدائي. من جانبه نبه المختص في علم الاجتماع الطيب الطويلي إلى ضرورة لفت أنظار الأزواج الراغبين في الطلاق إلى آثاره السلبية خاصة على الأبناء، حيث يكونون غير محميين ويعيشون تمزقا بين الأبوين المنفصلين، وهو ما يخلف اهتزازا نفسيا لديهم. كما أشار الطويلي إلى أن شبح العنف المادي والمعنوي يهيمن على حالات الطلاق في تونس، حيث يكون الطفل شاهد عيان على حركات عنيفة أو سوء معاملة أو كلام مهين، كما أنه يمكن أن يكون شاهدا على عنف مقنّع مثل التلميحات أو الاستغلال أو غير ذلك من أساليب العنف غير المباشر، وهي تؤثر بشكل كبير على نفسية الأبناء خاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة.

مشاركة :