أحدثت التكنلوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وبحار العولمة تغييرات جذرية في شكل الأسرة السعودية وفي رؤية وأدوار كل فرد من أفرادها مما يعني تدريجيًّا اختفاء الصور النمطية التي تسيطر على الرؤية الذهنية الشعبية فيما يخص سمات الأسرة السعودية. طفل أسرة اليوم السعودية يلعب بتلفون والدته من اللحظة التي يكون فيها قادرًا على حمل الجهاز وقد يوجد لديه آي باد في عمر السنتين أو الثلاث يلعب به ويلتقط الصور مما يعني أن علاقة هذا الطفل بالتكنلوجيا ستكون طبيعية جدا مثل الأكل والشرب وهذا ما سيجعل دور هذه التكنلوجيا أساسيًّا في تنظيم حياته المستقبلية. المراهق والمراهقة السعوديان يتجاوزان معظم الحواجز الإلكترونية التي تضعها بعض المؤسسات الرسمية لحمايتهما من بعض المواقع الجنسية أو المشبوهة ويسبحان في بحار الألعاب مع مراهقين أو كبار من مختلف أنحاء العالم مما يشبعهم بأنماط سلوكية قد لا تكون مناسبة ثقافيًّا بل ربما خطرة وليس أقلها ازدراء سيارات البوليس وتدميرها التي نراها في معظم الألعاب الإلكترونية.. مراهقونا وشبابنا بوجباتهم السريعة وملابسهم وطرق تصفيف شعورهم أكثر شبها بمراهقي العالم من شبههم بمن يربونهم: الأب والأم. ابنة السعودية الجديدة لم تعد تملك الخيارات الوظيفية التقليدية (الحكومية) التي توافرت لنا كنساء في السابق فاتجهت إلى سوق العمل الخاص بساعات عمل أطول وبالتالي فسن الزواج أخذ في الارتفاع تدريجيًّا لكن عمل هؤلاء النساء ساعد على دعم الأسرة اقتصاديا من خلال رواتبهن (التي يتحكمن في طرق صرفها في الغالب) وهذا يعني أن صناعة القرار فيما يستهلك داخل الأسرة لم يعد (أبويًّا) كما كان بل أصبح لأفراد الأسرة (الأم والأطفال والمراهقون والشباب) دور في اتخاذ القرارات سواء فيما ينفق ويشتري أو في تسيير الحياة اليومية. هذا يعني ببساطة أن هناك جيلاً استهلاكيًّا كبيرًا لا بد من الأخذ برأيه فيما ينتج من سلع وما يستهلك من مواد وأطعمة ورحلات وسيارات.. إلخ وهذا ما يساعد الآن على تغيير خيارات السوق التي تتجه تدريجيًّا لتكون شابة وتقنية (أي عبر التسوق الإلكتروني) أكثر من ذي قبل لتلبية الطلب على خيارات الجيل الجديد الذي يؤثر في صنع قرارات الأسرة الاستهلاكية والترفيهية إلى حد كبير خاصة والتقنية تلعب دورًا أساسيًّا في تحديد هذه الخيارات حيث تشير الدراسات إلى أن الجيل السعودي الجديد مفتون بتصفح المنتجات الإلكترونية والمقارنة بينها وطلبها عبر التسوق الإلكتروني. الرفاه المادي الذي عرفته دول الخليج بما فيها السعودية أحدث تغيرًا كبيرًا في عادات المواطنين الاستهلاكية، وحين يعمد شعب ما إلى الاستمتاع بآثار ما حباه الله فلا غبار على ذلك إذ إن هذا جزء من الحكمة الإلهية في توفير هذه الهبة، إلا أن المسألة تعدت كل وصف وأصبحت المسائل الثانوية جدا غاية في الأهمية، لارتباطها بالقيم المقبولة والمشجعة اجتماعياً، فالملابس والحقائب حتى المدرسي منها على سبيل المثال ارتبط بالماركة. ولن نألو جهداً في الإشارة إلى السيارة والجوال وخاصة بين الصغار وتحديدا في المدن الكبرى. يقابل ذلك تدني مفهوم العمل فما تستمتع به ليس بالضرورة مردود مباشر لجهد تبذله ويقدر بواسطة المناخ الاجتماعي، بل إن البعض يحصل على أضعاف مضاعفة من النواتج المادية دون بذل أي جهد مما يتيح مزيدًا من المادة للحصول على المتع الاستهلاكية. القيمة المشجعة والممارسة على أرض الواقع هي المادة في الغالب لذا يسبب الحرمان منها إحباطاً هائلاً وإحساساً بعدم القدرة على التكيف الاجتماعي بين أوساط كثيرة في مجتمعنا الفتي. والسؤال: كيف سيتعامل بعض الشباب من أوساط فقيرة أو محرومة مع الحرمان المادي؟ مقابل ذلك ينشغل الوالدان بهمومهما المادية الخاصة بهما التي تتركز في الغالب في الحصول على بيت ملك وسيارات خاصة ودفع أقساط المدارس الخاصة والمدرسين الخصوصيين والدروس الإضافية في الرسم أو الرياضة أو الكمبيوتر... إلخ فلا يوجد متسع من الوقت للبقاء مع الأطفال الذين يغرقون في ألعاب الكمبيوتر الدموية وسباقات السيارات والصراعات الجسدية مع أجمل الجميلات في الفضاء السبراني أي أنه عالم مليء بكل المغريات المادية فيكبر الصغير في بيئة طاردة له فعالمه مفصول إلى حد كبير عن عالم الأم أو الأسرة لذا من السهل أن تحتضنه أية جماعة على اختلاف اتجاهاتها بما فيها جماعات التطرف أو تلك التي تسهل الممارسات الجنسية غير المقبولة أو تسعى لتبسيط وتهوين التجاوزات التي تبدأ صغيرة وتكبر مع الاستمتاع بالنتائج وقلة الثمن المدفوع اجتماعياً ورسمياً وكله بسبب إغراق أبنائنا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون ضوابط زمنية أو عمرية وانشغال الأبوين أنفسهم بعالمهم الافتراضي عبر ملاحقة السنابات ومقاطع الواتس وتغريدات توتير. هذه الصورة بالطبع لا تمثل كل نماذج الأسرة السعودية التي نعيشها ونعرفها لكنها تعبر عن نسبة ليست بسيطة نراها من حولنا ونتساءل: إلى أين يتجهون؟ إلى أين نتجه؟ هل تعرفون؟
مشاركة :