رجعت الشتوية

  • 11/30/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لا يمكن لمفردة كمفردة الشتاء أن تندلق فارغة من جرة الكون.. كما لا يمكن أن تعبرنا شتوية فيروز دون الإحساس بالزمهرير في مفاصل النغم... ولأن طفولتنا تكبر كلما تجذر العمر وامتدت أيامنا، ترقص أرواحنا في المطر وتسبقنا أغانينا للركض تحت وابله «يا رب زيده واحنا عبيده، يا رب مطر يسقي الشجر ويروي الحجر، يا مطره صبي صبي» فإذا تبدد الغيم وانتهت حفلة الرقص التحفنا الحنين وأشعلنا مواقد الشوق وناجينا الغضا. والشعراء أقرب الخلق للسماء وأكثرهم التصاقاً بمواسم الهطول، يقول الشاعر الراحل نزار قباني مخاطباً حبيبته واصفاً تلك العلاقة الوطيدة بين القصيدة والمطر: «الشعر يأتي دائماً مع المطر ووجهكِ الجميل يأتي دائماً مع المطر والحبُّ لا يبدأ إلا عندما تبدأ موسيقى المطر إذا أتى أيلول يا حبيبتي أسألُ عن عينيكِ كلَّ غيمة كأنَّ حبِّي لكِ مربوط بتوقيت المطر».. أما بدر شاكر السياب فلا يحمل له المطر سوى مزيد من الشجن فلا يلبث أن يطلق صرخته الوجودية: « أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟ وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟ بلا انتهاء.. كالدم المراق، كالجياع كالحب، كالأطفال، كالموتى هو المطر».. والمطر في حالتيه السابقتين ليس سوى المشهد الأول من مشاهد الشتاء المكتظة بتفاصيل أكثر جمالاً ودفئاً يقول درويش مختصراً علاقة الشاعر بالشتاء: - هو فصلُ الشاعر. هُويّة غامضة لبداية النهاية. ميلاد من موت. موت من ميلاد. نزولُ السماء إلى الأرض. صعودُ الأرض إلى السماء. وانتظارٌ لما يُسفِرُ عنه القلبُ من مرض أو عيد» فصل الشاعر وفصوله المتناسلة من مزاجاته الشتى وهو كذلك فصل الشجون يقول الشاعر التونسي العذب: «يجيء الشتاء شتاء الضباب... شتاء الثلوج شتاء المطر فينطفئ السحر سحر الغصون.... وسحر الزهور وسحر الثمر وسحر السماء الشجي الوديع.... وسحر المروج الشهي العطر» هكذا هو الشتاء عند أبي القاسم الشابي - رحمه الله - لوحة داكنة مطفأة يشابهه في ذلك الشاعر صلاح عبدالصبور، حيث يقول: «ينبئني شتاء هذا العام أن داخلي.. مرتجف بردا وأن قلبي ميت منذ الخريف.. قد ذوى حين ذوت أولُ أوراق الشجر.. ثم هوى حين هوت أول قطرة من المطر وأن كل ليلة باردة تزيده بُعدا.. في باطن الحجر» وعلى الرغم من كل تلك القتامة في الشعر نعشق الشتاء كما يعشقه الشعراء وأكثر، نشتم من برديه نفحات البن المعطر بالشوق نقتسم النار ونلتحف القمر مرددين مع الشاعر الأردني: عبدالله أبو شميس: «نحب الشتاء إذا أيقظتنا القصيدة قبل المنبه في زمهرير السحر» متدفئين بصوت فيروز وهي تغني: «يا حبيبي الهوى غلاب عجل وتعى السنة ورا الباب شتوية وضجر وليل وانا عم بنطر على الباب» سأريكم شيئاً قابلاً للتمزيق والحرق والذر في عيون الغياب.

مشاركة :