المشهد العام السعودي ــ الأمريكي في العلاقات الثنائية بين البلدين لم يختلف كثيرا بين الماضي والحاضر منذ انبثاق هذه العلاقة ديبلوماسيا في 14 أبريل 1931م، فقد ظل إيقاع العلاقات المتناغم والمتنامي بين الماضي والحاضر هو الطاغي على جميع الأصعدة، وأبرزها السياسية والاقتصادية والتعليمية والأمنية، وتعد رؤية النخب السياسية في الولايات المتحدة للعلاقات مع المملكة استراتيجية من الطراز الأول، حتى وإن كانت هناك أوجه اختلافات محدودة لكن تظل وتبقى جوانب التوافق عديدة وتبقى هناك مصالح مشتركة على مستويات عدة تربط بين البلدين، فبالإضافة إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي اقترب من الـ300 مليار ريال ويضع الولايات المتحدة في المرتبة الأولى في هذا الجانب منذ سنوات عديدة هناك أيضا تعاون أمني مشترك لمكافحة الإرهاب، وسياسة متقاربة لاحتواء نفوذ إيران الإقليمي، والمحصلة في هذا كله هو أن المنظور التاريخي للعلاقة يؤكد أن أوجه الخلاف بقيت في إطار تكتيكي ولا يطغى على دعائم عمق الشراكة الاستراتيجية بين المملكة وأمريكا، باعتبار أن المملكة قوة إقليمية والولايات المتحدة الأمريكية قوة عالمية. ومن هذا المنطلق وحول الأوضاع الحالية وأوجه التقارب والاختلاف في العلاقات الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة تزامنا مع زيارة الرئيس أوباما التاريخية لتقديم واجب العزاء في رحيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله) استطلعت (عكاظ) آراء الخبراء حول أبرز ملفات العلاقة بين البلدين. يرى المحلل الاستراتيجي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات الدكتور عبدالخالق عبدالله أن هناك ما يسميه بـ(معضلة أوباما)، وتتلخص في رغبته الملحة في التوصل إلى تفاهم مع طهران، ورغبته الملحة أيضا في عدم حدوث أي سوء فهم مع الرياض، فالرئيس أوباما من ناحية يود بشدة حدوث تفاهمات مع إيران حول الملف النووي وملفات إقليمية أخرى، ومن ناحية أخرى لا يود حدوث توترات سياسية مع المملكة التي تعد أهم وأقرب وأقدم حليف أمريكي في المنطقة والمهمة للغاية في هذا الوقت، خاصة في المعركة مع داعش التي يود أوباما كسبها. وطرح الدكتور عبدالخالق تساؤلا حول ما هو الأهم أمام الرئيس أوباما، إبرام اتفاقية مع إيران أم السعي لتحقيق نصر في المعركة مع داعش. فيما يرى الدكتور خالد الجابر أستاذ الإعلام السياسي بجامعة قطر، بأن عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز شكل علامة فارقة في تاريخ تطور المملكة، وقال: لا تزال صورة رئيس القوة الأولى في العالم باراك أوباما وهو ينحني للملك عبدالله على هامش قمة العشرين بلندن 2009م عالقة في الأذهان، فقد فرض الملك الراحل نفسه قائدا ذا هيبة وشخصية عالمية متميزة. وأوضح بأن أهمية المملكة لدى الولايات المتحدة نابعة من دورها الفاعل والمؤثر في مجريات الجغرافيا السياسية العربية والدولية، وتعاملها مع الأحداث والتحولات التي تمر بها المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، خصوصا بعد تداعيات ما سمي بـ(الربيع العربي). وقال أيضا: إن بلدا بحجم مكانة المملكة مساحة وسكانا وأهمية دينية واقتصادية وموقعا جغرافيا، هو محط الأنظار على المستويات الإقليمية والعالمية، والمملكة لاعب رئيسي في الاستقرار الاقتصادي العالمي والحفاظ على استمرار تدفق الطاقة من دول الإنتاج إلى الدول الصناعية والمستهلكة، وهي الفاعلة والمؤثرة في مجريات الجغرافيا السياسية العربية والدولية، والأحداث والتحولات التي تمر بها المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج ولذلك تولي الدول الكبرى كالولايات المتحدة اهتماما لتقوية شراكاتها الاستراتيجية مع دولة بحجم المملكة. ويعتقد الجابر أن المرحلة القادمة من العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة ستواجه العديد من التحديات وخصوصا في التعامل مع الملف الأكبر في المنطقة وهو الملف الإيراني، ولكن من جانب آخر هناك مؤشرات إيجابية عديدة تم إرسالها من قبل الولايات المتحدة لتحقيق تفاهمات وتعاون أوسع في مجالات جيواستراتيجية إقليمية ودولية، خصوصا في مجال النفط والطاقة. وأضاف بأن الولايات المتحدة حاولت أن تمارس القيادة من الخلف وفشلت في العديد من الملفات وأصبحت صورتها ضعيفة مما أدى إلى تقوية المحاور الأخرى، على رأسها الروسي وأطماعه في الهيمنة والتوسع، وهم يحاولون الآن تدارك هذه الأخطاء من خلال بناء تحالفات جديدة. وقال: بالنسبة لنا في الخليج يجب أن تكون على الأقل رؤيتنا واضحة وموقفنا قوي وصارم حيال الانقسامات التي تشهدها المنطقة في العراق وسوريا ولبنان شمالا وفي اليمن جنوبا، مضيفا بأنه علينا أن نقوي محورنا مع الولايات المتحدة ولا نقوم بإضعافه لأن عواقب المرحلة قد تكون وخيمة. ويقول الدكتور عبدالله الشايجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت: هناك تحديات عديدة أمام العلاقة الاستراتيجية للمملكة مع الولايات المتحدة الأميركية التي شهدت خلال العامين الماضيين الكثير من التباين والخلافات تمثلت برفض المملكة مقعدا غير دائم في مجلس الأمن وخلافات حادة حول التقارب الأميركي - الإيراني وقبلها غزو العراق والسياسة الأميركية تجاه حكومة المالكي في العراق، ورفع اليد في سوريا، خاصة بعد استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي في أغسطس 2013، وموقف واشنطن المتباين من ثورات (الربيع العربي). وتحدث أيضا عن مسألة التقارب الأميركي - الإيراني والخشية من صفقة كبرى على حساب المملكة وحلفائها الخليجيين، حيث تقود المملكة تحالفا في مواجهات إقليمية متعددة في مواجهة إيران. وأكمل الشايجي: وكما علقت صحيفة (نيويورك تايمز) فإن كلا من المملكة والولايات المتحدة تعودتا على الخلاف وليس بالضرورة أن يكون هناك انسجام كامل بين الحليفين الأميركي والسعودي، وكان لافتا إعلان البيت الأبيض عن اختصار أوباما لزيارته للهند لزيارة المملكة وتقديم واجب العزاء بوفاة الملك عبدالله، رحمه الله، وهو ما يؤكد على العلاقة الاستراتيجية وثباتها تحت حكم الملك سلمان. من جهة أخرى، تفيد التقارير الصادرة عن الجهات الرسمية في الولايات المتحدة وفي المملكة بأن عدد الطلاب السعوديين المبتعثين إلى الولايات المتحدة، ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، بلغ نحو 110 آلاف طالب سعودي خلال العام الماضي، وبتكلفة شارفت الـ12 مليار ريال سعودي، وحققت منفعة متبادلة بين البلدين من خلال تأهيل الكوادر السعودية الشابة المتعلمة ودعم خزينة الاقتصاد الأمريكي، حيث تحتل المملكة المرتبة الأولى في عدد الطلبة المبتعثين مقارنة بالسكان والثالثة عالميا بعد الصين والهند. وفي هذا الصدد قال بيتر ديفوس المدير التنفيذي لـ(كاريان للاستشارات الأكاديمية) في تصريح سابق بأن عدد الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الولايات المتحدة ارتفع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ما يجعل المملكة ضمن أكبر كتلة من الطلاب الأجانب في الولايات.
مشاركة :