عبرت حالة الجدل المجتمعي التي أثيرت في مصر على وقع إعلان إحدى شركات الأدوية طرح عقاقير “فياغرا” مخصصة للسيدات، عن وجود جملة من الأزمات المعيشية الكامنة بين جدران الأسر المصرية، ما كشف عن تنامي المشكلات التي تمر بها العلاقة الحميمية بين الأزواج، وقد تأثرت سلبا بصعوبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية. القاهرة – برهن احتدام النقاش في منابر التواصل الاجتماعي المصرية على وجود أزمة عميقة داخل الأسرة المصرية يطغى عليها من الخارج الجانب الجنسي، فالمرأة المصرية لم تكن تعير اهتماما كبيرا لمضمون العملية الجنسية التي تعالجها العقاقير الجديدة لزيادة الاستثارة، بقدر ارتباطها برغبتها في إنجاب الأبناء وتربيتهم وتكوين أسرة مستقرة. يبدو أن وجود جملة من المتغيرات الاجتماعية والثقافية وارتفاع درجة معاناة المرأة التي تقوم بدور محوري لتوفير احتياجات الأسرة وتهمل رغبات الزوج، فجّرت خلافات انتقلت من الغرف المغلقة إلى العيادات النفسية واستشاريي العلاقات الزوجية وانتهت في الكثير من الأحيان بالانفصال. وأكد تأييد تعاطي “الفياغرا النسائية” أو “الحبة الوردية” من قبل الرجال وزيادة الإقبال على منشطات مهربة لتعديل الحالة الجنسية، أن هناك أزمة قوية يعاني منها المجتمع. قالت سيدة ثلاثينية -رفضت ذكر اسمها- لـ”العرب”، إن “العقاقير الجديدة تقضي على حالة الفوضى التي خلفتها المنشطات المهربة مثل اللبان المنشط، والفلاي نسكافيه، وبودرة الإثارة... لأنها ستكون بأمر من الطبيب، واعتمادها بشكل يمنح الاطمئنان بشأن تناولها وقد يكون ذلك من دون معرفة الزوج، فغالبية الرجال لن يتقبلوا الفكرة”. ولا تجد هند إسماعيل -متزوجة- غضاضة في التعامل مع تلك العقاقير تحت بند العلاج والحفاظ على كيان الأسرة، أما إذا كانت مخصصة للإثارة وزيادة الرغبة الجنسية فمن وجهة نظرها لن تلقى قبولا لدى الكثير من السيدات اللائي يرون أن ذلك من مسؤولية الزوج في الأساس، كما أن طلب الممارسة الجنسية من جانب المرأة يمثل عيبا داخل العديد من الأسر. وأوضحت فاطمة الشناوي، خبيرة العلاقات الزوجية، أن صعوبة الأوضاع المعيشية تقابلها رغبة في تحقيق الذات عبر العملية الجنسية، ما يعدّ دافعا نحو زيادة الإقبال على الفياغرا بالنسبة للرجال، غير أن زيادة عوامل الاكتئاب دفع المرأة إلى البحث عن ذاتها عبر العملية الجنسية في ظل ذوبان العلاقات الإنسانية القوية وسط المشكلات التي تتحول إلى مقدمة لإقامة علاقة حميمية سليمة. وأضافت في تصريحات لـ”العرب”، أن “الهوس الذي ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي الأيام الماضية دافعه الرئيسي الرغبة في التخلص من صعوبات الحياة من خلال العقاقير، لكنها لن تحل المشكلة وإن حققت متعة وقتية، فإن المرأة سوف تعود إلى حالة الاكتئاب وقد تتطور إلى وجود حالة من الإحباط تدفع إلى خراب الأسرة”. وأشارت إلى أن الكثير من السيدات يشتكين من البرود الجنسي ولا يتجرأن على الذهاب إلى الصيدليات للحصول على المنشطات المهربة، غير أنهن ينتظرن فرصة وجود عقار معتمد لتجربته، وأن غالبية الحالات تعاني من برود في العلاقة الجنسية إما نتيجة الختان وإما عدم ممارسة الزوج للجنس بطريقة سليمة. المرأة في المجتمعات الشرقية لا تفصح عن المشكلات التي تواجهها أثناء العلاقة الجنسية، ولا تحصل على العلاج السليم ومن الناحية الطبية فإن العقار الجديد الذي يعرف الآن باسم “الحبة الوردية”، يتضمن مادة “فليبانسرين” التي تسبب في زيادة الرغبة الجنسية لدى المرأة، الأمر الذي يكون له آثار إيجابية على السيدات المختونات اللاتي يعانين من برود جنسي. وكشف هشام بحري، رئيس قسم الطب النفسي بجامعة القاهرة، أن العقاقير الجنسية للسيدات مفيدة في حالة وجود تفاهم ورغبة بين الطرفين، كي تكون هناك جدوى منها، وأن العقار الجديد يعد بالأساس علاجا فسيولوجيا يدعم الرغبة، ويعالج السيدات اللاتي يشعرن بفتور في العلاقة الحميمية نتيجة الارتباك وعدم التوعية بصورة سليمة قبل الزواج. ولفت في تصريحات لـ”العرب”، إلى أن الإحباطات التي تواجهها المرأة في حياتها العامة أو خلال ممارستها العلاقة الزوجية تساهم في زيادة التباعد عن شريك حياتها، وينعكس ذلك على مستوى الاستقرار الأسري، الذي أضحى مفقودا بشكل كبير، بعدما زادت وتيرة الجرائم الأسرية وارتفعت معدلات الطلاق خلال السنوات الأخيرة. وأكدت بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، الثلاثاء الماضي، ارتفاع معدلات الطلاق في شهر أغسطس الماضي مقارنة بالعام الماضي بنسبة بلغت 2.8 بالمئة، وكشفت منظمة الأسرة العربية أن 50 بالمئة من حالات الطلاق في مصر تقع في السنة الأولى من الزواج. وما يزيد المشكلة تعقيدا أن المرأة في المجتمعات الشرقية لا تفصح بشكل علني عن المشكلات التي تواجهها أثناء العلاقة الجنسية، ولا تحصل على العلاج النفسي والطبي السليم لحالتها، وذلك يسبب المزيد من المشكلات على مستوى العلاقة مع الطرف الآخر وينعكس سلبا على تعاملها الأسري. قالت هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن “طغيان حالة الاهتمام بالاحتياجات الغرائزية (المأكل والمشرب والنوم والغريزة والأمن) على حساب احتياجات الوجدان (الحب والصداقة والرومانسية والعلاقة الحميمة والاحترام وغيرها) يدفع بشكل مباشر إلى عدم الشعور بالرضاء الداخلي، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الاهتمام بالجنس لتعويض احتياجات الوجدان من دون أن يتحقق الهدف”. وذكرت لـ”العرب”، أن جميع وسائل التواصل المختلفة تركز على الجنس باعتباره الوحيد الذي يجلب السعادة وهو أمر غير صحيح ولم يكن مألوفا لدى المجتمع المصري الذي تأثر بتلك الحالة بفعل العولمة، ما دفع بعض الرجال للبحث أولا عن الوسائل الكيمائية التي تعمل على تغيير هرمونات الجسم، ثم انتقل ذلك إلى السيدات وتسبب في تزايد الانحرافات المجتمعية. وأوضحت أن الطبقات الفقيرة تبحث عن الوصول إلى الكمال من خلال الجنس لإشباع رغباتها الحياتية، بعد أن أضحت غير قادرة على الوصول إلى تحقيق أهدافها عبر الوسائل الحياتية الأخرى، الأمر الذي جعل المشكلات الزوجية ذات الخصوصية الكبيرة لدى المجتمعات المحافظة تناقش أمام العامة، ويمثل الانجذاب إليها أمرا رائجا بالنسبة لوسائل الإعلام التي تقدم محتوى ثقافيا مشوها نتيجة عدم الالتزام بالقواعد العلمية السليمة والاستعانة بغير المتخصصين في الكثير من الأحوال، ما ينعكس سلبا على تماسك الكثير من الأسر.
مشاركة :