صدر عن دار المعرفة الجامعية حديثاً كتاب للباحثه: إيناس حمدي سرور بعنوان «في تاريخ وحضارة الإسلام في الهند». وهو دراسة في التاريخ السياسي والحضاري لبلاد الهند بصفة عامة، لا سيما الحياة الثقافية والعلمية بها في العصر الإسلامي وتحديداً في الفترة الزمنية (أواخر السادس الهجري/ أوائل القرن الثالث عشر الميلادي- حتى منتصف القرن العاشر الهجري/ أوائل القرن السادس عشر الميلادي) وهو من الموضوعات بالغة الأهمية في مجال التاريخ والحضارة الإسلامية، والتي هي في امس الحاجة إلى مزيد من التعريف بها وتسليط الضوء على جنباتها. فبلاد الهند بما حظيت به من إمكانيات طبيعية وبشرية هائلة إضافة إلى ما توفر فيها من عوامل سياسيه أحاطت بها، أضحت ميداناً جديداً من ميادين الجهاد في سبيل نشر الدين والحضارة الإسلامية بصفة عامة، إلا أن معظم الكتابات التي تناولت تاريخ بلاد الهند منذ الفتح الإسلامي لها وحتى تاريخ الفترة الزمنية تاريخ موضوع تلك الدراسة قد انصب تركيزها على الجانب السياسي والعسكري من هذا التاريخ، إضافة إلى ما حظي به التاريخ الاقتصادي لبلاد الهند في الدراسات والكتابات المتعلقة بتجارة المحيط الهندي في العصور الوسطى، مما يعتبر إجحافاً لأحد أبرز جوانب التاريخ الإسلامي لبلاد الهند، ألا وهو التاريخ الثقافي والعلمي لهذه البلاد في تلك الفترة التي تكاد تخلو مكتبة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية من دراسة علمية مستفيضة ومتكاملة عنها. ومن هذا المنطق جاء سبب اختيار الباحثة لهذا الموضوع حتى تستطيع أن تسلط الضوء على الحياة الثقافية والعلمية في بلاد الهند في تلك الفترة وحتى تشغل حيزاً من فراغ مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية منه. وبناءً على سبب الدراسة وأهدافها قسمتها الباحثة إلى مقدمة ثم بابين يشمل كل منهما ثلاثة فصول إلى جانب الخاتمة، ثم ثبت المصادر والمراجع. وتنقسم المقدمة إلى شقين، يتناول الشق الأول أهمية الموضوع وسبب اختياره، ثم دراسة تحليلية لأهم المصادر والمراجع التي استعانت بها الباحثة لإعداد هذه الدراسة، أما الشق الثاني فيأتي كمدخل لعوامل ازدهار الحياة الثقافية والعلمية في بلاد الهند، وهي مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي كان لها دور كبير في طبيعة تشكيل الحياة الثقافية والعلمية لبلاد الهند ومراحل تطورها انتهاءً إلى الفترة الزمنية موضوع تلك الدراسة. وجاء الباب الأول من الدراسة بعنوان «الحياه الثقافية والعلمية في بلاد الهند في عصر سلطنة دهلي» (599-932 هـ) (1202-1526 م). ويشتمل على ثلاثة فصول:- الفصل الأول بعنوان: (الإسلام وأثره على الحياة الثقافية والعلمية لبلاد الهند)، وفيه تناولت الباحثة الفتوحات العربية والإسلامية وأثرها في نشر اللغتين العربية والفارسية في الهندوستان، وكيف استمرت المكانة السامية للغة العربية رغم غلبة اللغة الفارسية تدريجياً على مختلف مجالات الحياة في بلاد الهند، ثم يتناول هذا الفصل علاقة سلاطين دهلي بالخلافة العباسية سواء في بغداد (132- 656 هـ) (749- 1258 م) أو في القاهرة (659-923هـ) (1261-1517م) فيما بعد، وأثر ذلك على الحياة الثقافية والعلمية بها، ثم تتطرق الباحثة في هذا الجزء إلى الفكر الشيعي الوافد على بلاد الهند وأثره على الحياة الثقافية والعلمية بها وجهود سلاطين الهند في درء خطرهم ومحاربة فكرهم، وأخيراً يتناول هذا الفصل أثر الإسلام على العقيدة الهندوسية، وكيف استطاع الإسلام أن يفرض أفكاره ومبادئه على الفكر الوثني للهندوس ويترك آثاراً ملموسة على عقائدهم وأفكارهم. أما الفصل الثاني فبعنوان «العلماء ودورهم في الحياة الثقافية والعلمية في عصر سلطنة دهلي)، وقد تناول تراجم لعدد كبير من علماء الهند والوافدين عليها الذين كان لهم دوراً ملموساً في الحياة الثقافية والعلمية في بلاد الهند وخارجها وهم بدورهم ينقسمون إلى فئتين، الفئة الأولى: من ظل منهم مقيماً في بلاد الهند، يكتسب العلم وينهل من معين علمائها وأدبائها، هؤلاء بدورهم أمكن تصنيفهم إلى علماء العلوم الدينية من علم التفسير والحديث والقراءات، وكذلك علماء الفقه والأصول والعربية، ثم علماء العلوم اللغوية والفنون الأدبية والموسيقية والذين تنوّعوا ما بين علماء اللغة العربية من نحو وبلاغة إلى شعراء وأدب وكذلك علماء التاريخ، ثم علماء الطب والفلك وأخيراً التصوف ورجاله. الفئة الثانية: فكانت علماء الهند الذين نزحوا إلى كبريات مدن العالم الإسلامي لاكتساب مزيد من العلم في شتى مجالات العلوم، فمنهم من عاد إلى بلاد الهند ليدلي بدلوه في الحياة الثقافية والعلمية بها– ومنهم من آثر البقاء في المدن حتى نزح إليها، وقد تنوع هؤلاء الهنود المجاورين بمكة والمدينة، وما بين علماء الهند الذين نزحوا إلى مختلف أقطار ومدن العالم الإسلامي. أما المجموعة الثانية: فتمثلت في العلماء والصلحاء الذين وفدوا إلى بلاد الهند ودورهم في الحياة الثقافية والعلمية بها وما تركوه من مصنفات علمية وأدبية قيمة. والفصل الثالث: فبعنوان «مظاهر اهتمام وحفاوه سلاطين دلهي بالعلم والعلماء في بلاد الهند والعالم الإسلامي»، يتناول جهود عدد من سلاطين دلهي في سبيل تحقيق نهضة ثقافية وعلمية في بلادهم، من حيث اهتمامهم وحفاوتهم بأرباب العلم والفضل والصلاح سواء كانوا من علماء الهند أو من الوافدين عليها من مختلف أقطار العالم الإسلامي، فضلاً عن اتجاههم هم انفسهم إلى سبيل العلم وميلهم إلى تلقي بعض العلوم والمعارف، وكذلك اهتمامهم بإنشاء المدارس والمساجد وتخصيص نفقات لها. أما الباب الثاني من هذه الدراسة فجاء بعنوان «الحياة الثقافية والعلمية في الديولات الإسلاميه المستقلة ببلاد الهند»، وقد انقسم بدوره إلى فصول ثلاث:- الفصل الأول بعنوان: «قيام الدويلات الإسلامية المستقلة ببلاد الهند وأثره على الحياة الثقافية والعلمية بها»، وفيه تناولت الباحثة في إيجاز قيام الدويلات الإسلامية المستقلة ببلاد الهند وعوامل نجاحها في الاستقلال عن سلطنة دهلي، وتطرقت إلى الدور الذي لعبته هذه الدويلات في حمل مشعل النهضة الثقافية والعلمية خلفاً لسلطه دهلي التي انتابها كثيراً من الضعف والاضمحلال بدءاً من أواخر عصر السلطان الدهلوي محمد تغلق شاه الثاني، ثم اثر الغزو التيموري على سلطة دهلي في عام (801هـ-1399م). أما الفصل الثاني في هذا الباب فبعنوان: «العلماء ودورهم في الحياة الثقافية والعلمية في الدويلات الإسلامية المستقلة في بلاد الهند)، وهو يتناول علماء الهند والعلماء في شتى أرجاء العالم الإسلامي الذين توجهوا صوب تلك الدويلات الناشئة وساهمو في ازدهار الحياة الثقافية والعلمية بها، بما وضعوه من مصنفات جليله وشروح على أمهات الكتب في مختلف مجالات العلوم. ويأتي الفصل الثالث بعنوان: «مظاهر اهتمام وحفاوة سلاطين الدويلات الإسلامية المستقلة ببلاد الهند بالعلم والعلماء في ممالكهم وفي العالم الإسلامي). ويتناول هذا الفصل مظاهر اهتمام سلاطين دويلات الهند المستقلة بالعلم والعلماء في ممالكهم، من حيث اهتمامهم بإنشاء المدارس والزوايا ودور الترجمة، وحث العلماء على التصنيف في شتى مجالات العلوم وكذلك ترجمه أمهات الكتب من الفارسية إلى العربية والعكس، ثم كيف تعدي هذا الاهتمام حدود ممالكهم بل بلاد الهند قاطبة إلى مناطق أخرى من العالم الإسلامي، مما كان له أثره في ذيوع سيطهم في العالم الإسلامي، واجتذب علماء المسلمين إلى بلادهم.
مشاركة :