«بيدرو بارامو» لخوان رولفو: تاريخ في 100 صفحة مدهشة

  • 12/1/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

على الأقل في قلة إنتاجه ولكن أيضاً في لغته الشاعرية المكثفة، يكاد الكاتب المكسيكي خوان رولفو، يبدو في مسيرته الإبداعية كما في مسيرته الحياتية الى حد ما، شبيهاً بالكاتب المصري الراحل إبراهيم أصلان. فرولفو، كما أصلان، يكاد يكون معروفاً في جميع أنحاء العالم برواية واحدة قد لا يتجاوز عدد صفحاتها في أية لغة ترجمت اليها ولا سيما في أصلها الإسباني، المئة صفحة- كذلك حال «مالك الحزين» رواية أصلان الأساسية، كما نعرف -، كذلك فإن الرواية التي نحن في صددها للكاتب المكسيكي حُوّلت ذات عام فيلماً قد لا يعتبر من تحف السينما العالمية، لكنه بالتأكيد- وكما حال «الكيت كات» المقتبس عن «مالك الحزين»- واحد من أغرب الأفلام المكسيكية وأكثرها إثارة للحيرة. وطبعاً لن نستطرد هنا في هذه المقارنة إنما نريد أن نقول فقط إن خوان رولفو - وكما أصلان - لم ينعم طويلاً بالاعتراف العالمي المتأخر به. إذ رحل عن عالمنا وهو في قمة عطائه، لتبقى «بيدرو بارومو» درّته وحيدة في تاريخ الأدب العالمي. لكن هذا لم يكن حالها أواسط خمسينات القرن العشرين حين صدرت للمرة الأولى من دون أن ينتبه اليها أحد. ولكن بالتدريج راحت الرواية تكتسب مكانتها ولا سيما عندما راح يكتب عنها كبار الكبار في أدب أميركا اللاتينية معتبرينها نيزكاً وعملاً رائداً وقطعة من «حلم أو كابوس سوريالي». > كلهم إذاً، من غابريال غارسيا ماركيز الى بورخيس ومن كارلوس فوينتيس الى بارغاس يوسا وصولاً الى آليخو كاربانتييه، على تنوع مشاربهم وتوجهاتهم، نظروا الى «بيدرو بارامو» بوصفها «أعجوبة أدبية» ورأى كبار النقاد والمؤرخين أنها كانت وراء الكثير من الاندفاعات التي تبعتها وأنتجت لأدب تلك القارة المدهشة أعمالاً أقل ما يقال فيها أنها أعادت الحياة الى فن الرواية نفسه. ولئن كان في إمكاننا أن نفهم حماسة بورخيس حين قال أن «بيدرو بارامو» هي واحد من أهم مئة عمل أدبي أنتجها الإنسان في تاريخه، فإن من الصعب علينا أن نفهم حماسة كتاب واقعيين بل حتى أيديولوجيين ما كان من شأن هذه الرواية أن تغريهم بـ «مقابريتها» وسورياليتها وحتى بـ «وقاحتها» ناهيك بامتلائها بالحوارات على حساب الفعل على عكس الحادث عادة في أدب أميركا اللاتينية. ومع هذا حققت «بيدرو بارامو» معجزتها الصغيرة وحازت خلال مسيرة تزيد الآن عن نصف قرن، على مكانتها المتقدمة في أدب لا يزال قادراً على أن يفاجئنا. فما الذي يغري في هذه الرواية؟ > ليس موضوعها بالدرجة الأولى. فهي أولاً وأخيراً تتخذ سمات أدب البحث عن الأب، لكنها من خلال هذا البحث تتسم أيضاً بكونها رواية بحث عن الذات. كما أنها رواية تقوم على البحث عن الزمان والمكان متضافرين. حيث إن الشخصية المحورية هنا، خوان بريسيادو، يقوم طوال الرواية بتلك الرحلة التي يفتح الحديث عنها بصورة مباشرة منذ السطور الأولى «لقد أتيت الى كومالا إذ قيل لي أن هنا في هذا المكان كان يعيش أبي، المدعو بيدرو بارامو. كانت أمي هي من أخبرني بهذا فوعدتها حينها بأنني سوف أتوجه للبحث عنه ما إن تُسلم هي الروح، ولقد شددت على يدها على سبيل تأكيد الوعد أنا الذي كنت في تلك اللحظة مستعداً لأن أعدها بأي شيء. وهي قالت لي موصية: لا تستنكف عن الذهاب للعثور عليه(...) وانني واثقة من أنه سيسر بالتعرّف اليك...». وعلى هذا النحو، ينطلق خوان في رحلة البحث التي تشكل أساس موضوع الرواية، بيد أن هذه لا تتوقف هنا بالطبع.

مشاركة :