«ابتكار الألم»... تعرية الواقع بلغةٍ سلسةٍ

  • 12/2/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ترى الكاتبة التونسية ليلى عبدالله أن القاص محمد جعفر انتقى عناوين مجموعته القصصية «ابتكار الألم» بدقة وعناية شديدتين، مشيرة إلى أن العنوان يؤدي دور المحفز للقراءة. بداية شهر أكتوبر الماضي أعلنت القائمة القصيرة لجائزة الملتقى التي تضم خمس روايات لكتاب من جنسيات مختلفة العراق، ومصر، والسعودية، والجزائر، وتصدرت المجموعة القصصية المعنونة «ابتكار الألم» لمحمد جعفر القائمة. صدرت هذه المجموعة عن «منشورات الاختلاف» الجزائرية و{ضفاف» اللبنانية بحجم متوسط في 104 صفحات. تتضمن 11 أقصوصة تتناول مواضيع اجتماعية وسيكولوجية تتعلق بالمرأة والرجل على حد سواء، بأحجام مختلفة وعناوين مميزة مثل «الأعمى مبصراً»، و{صاحب ظله»، و{الفحل الذي أكل قلبه». انطلاقاً من غلاف المجموعة يمكن للقارئ أن يلاحظ أنه إزاء عمل ليس بالهين، وبأن عليه أن يحفر بعيداً داخل النصوص كي يصل إلى المعنى الذي أوحت به الصورة للوهلة الأولى. وكأننا معلقون من آلامنا، كلما طال الوقت زاد الألم، هذا ما تومئ إليه صورة الغلاف، جسم معلق بخيوط يتلوى ألماً. هل الاضطرابات النفسية والمشاكل الاجتماعية هي المسؤولة عن الألم الذي يجتاح الذات الإنسانية؟ أو أن الإنسان سادي لدرجة أنه يبتكر ألماً لا لشيء إلا لتعذيب تلك الذات؟ أن تشرع في قراءة مجموعة تعلم من قرار نفسك أنها لن تكون قراءة عادية، هذا جلي منذ البداية مع ابتكار الألم. فالقصة الأولى «صوت» لا يمكننا إدراجها مع بقية الأقصوصات، وذلك ليس بسبب الموضوع الذي تناولته فحسب، ولكن أيضاً بسبب تلك الأنا التي تطفو على سطح الحكاية. كانت البداية عبارة عن مكاشفة الكاتب لنفسه ولقدرته على الكتابة من عدمها، إذاً نحن أمام حوار داخلي يجعل من الصوتِ المسموعَ الوحيدَ سواء دخلت الكتابة حيز التنفيذ أو لا. امرأة مسحوقة يفتتح محمد جعفر مجموعته بـ{الشك» حيث يسرد لنا حكاية الزوجة التي عثرت بالمصادفة على قصاصة ورقية صغيرة مخبأة في لباس زوجها مدون عليها رقم هاتف. بسبب هذه الورقة توالدت أفكار جعلت من الزوجة فريسة لوساوس ظلت تعذبها مستعرضة احتمالات كثيرة عن صاحب هذا الرقم أو بالأحرى صاحبته والعلاقة التي تجمعها بزوجها ثم الطريقة التي ستنتهجها لمواجهته وكشف حقيقة خيانته لها. يرجح الكاتب هذا الإحساس وتضخمه إلى الحالة الاجتماعية والنفسية للبطلة، امرأة تخلت عن كل شيء فقط من أجل إرضاء زوجها والاهتمام ببيتها، امرأة مسحوقة من المجتمع من السهل جداً أن تداهمها مثل هذه الأفكار السوداوية بسبب رقم هاتف على منديل ورقي. حقيقة الجوائز كذلك نقرأ في هذه المجموعة قصتين لبطلين يجمعهما الحقل الأدبي. تحكي القصة الأولى «القضية» التي تذكرك بمحاكمة «كافكا» حكاية كاتب يفشل في كتابة قصة للمشاركة في مسابقة أدبية حيث إن الإلهام يهجره فتبدأ رحلة العذاب بحثاً عن موضوع يشد انتباه لجنة التحكيم إلى أن يختار القضية الفلسطينية كموضوع لقصته وبذلك سيضمن تعاطف لجنة التحكيم والفوز بالجائزة. أما في «الرجل الذي أكل قلبه» فالكاتب هنا في موقع قوة إذ من أجل كتابة مقدمة لديوان شاعرة شابة يستغلها مستمتعاً بألم الانتظار الذي تعيشه. من خلال هذين النصين يعري محمد جعفر الوضع الذي آلت إليه حقيقة الجوائز العربية من استغلال للأيديولوجيات والقضايا السياسية التي توجه النصوص، فلم تعد المعايير الأدبية مقياس اختيار العمل الفائز، إضافة إلى ذلك الاستغلال الذي يمارسه أباطرة الأدب إن صح التعبير على الطاقات الشابة الجديدة. عناوين محفزة كان الكاتب انتقائياً في اختيار العناوين فأدت دور المحفز لقراءة القصة، فمن المؤكد أن عنواناً كـ{المرأة التي سقطت من غيمة» لن يمرّ من دون أن يجلب انتباه القارئ. في هذا النص بلغ الألم ذروته، إذ صعدت عملية الانتحار الفاشلة من الإحساس بالألم الذي تعيشه بطلة الحكاية زيادة عن الزيف الاجتماعي الذي رأته من اللاتي جئن لزيارتها، فأصبح الإحساس بالألم مضاعفاً، فضلاً عن النفاق الاجتماعي والجهل الذي سكن فكر من حولها. نسق تصاعدي جاء نسق المجموعة تصاعدياً، فرغم تغير الشخوص والمواضيع التي تناولتها كل قصة فإن الوتيرة ظلت متسارعة. انطلاقاً من قضايا يومية كنا نخالها بسيطة كشف لنا محمد جعفر بلغة بسيطة وسهلة بعيداً عن السرد المعقد والوصف المركب الوجه المخيف لهذا المعاش الذي تعاملنا معه ببعض السذاجة واللامبالاة أحياناً، محللا بعمق موضوع الألم والحزن مقدماً لنا شخصيات تتعايش معه وأخرى ترفضه.

مشاركة :