تشاهده فتقع في مصيدته. يشدك فتعيش مراحله السبع بكل حواسك، ويتركك في النهاية معجباً عاشقاً لتلك الحالة التي أوجدك بها، راغباً في العودة مرة أخرى لمشاهدة هيبتا.. المحاضرة الأخيرة. فيلم يذكرنا بالأفلام العربية الناجحة جداً والمميزة جداً والباقية أبداً في تاريخ السينما العربية. البعض يقول إن به هفوات، وهل يخلو أي فيلم عربي أو أجنبي من هفوات؟ وهل تخلو نظرة مخرج من بعض الشطحات أو الغفلات؟ ما لك إلا أن تشاهد وتصدق حالات الهيبتا السبع وتسترسل مع فيلم مصري يشرّف السينما العربية. هيبتا.. المحاضرة الأخيرة نعرف أنها رواية كتبها محمد صادق قبل عامين ولاقت نجاحاً كبيراً حتى إنه أعاد طبعها 40 مرة. لماذا هذا الإقبال عليها؟ نفس السؤال تطرحه حين تعرف أن الرواية استطاعت أن تحقق نفس النجاح حين تحولت إلى فيلم سينمائي، وتجاوزت الإيرادات ال 20 مليون جنيه خلال 3 أسابيع، وأنه عرض في 56 صالة داخل مصر، عدا العروض الناجحة في العالم العربي.. تسأل عن هذه الحالة التي اسمها هيبتا، ويأتيك الجواب فوراً وبشكل واضح حين تشاهد الفيلم في الصالة. بكل ما فيه، يشكل الفيلم حالة. ربما الأحداث وأسلوب محمد صادق أخذا المخرج هادي الباجوري ومعه كاتب السيناريو وائل حمدي إلى هذه المنطقة فسارا معه نحو العمل بمنطق الابتكار لا التقليد، والخروج عن المألوف في سياق الأحداث وفي تركيبة الشخصيات واختيار من يؤدي الأدوار، والتصوير مع التركيز على الملامح والوجوه أكثر من المشاهد العامة والكاميرا محصورة في أماكن محددة، لا تتجول كثيراً ولا تنتقل إلى أفق بعيد، تأخذنا إلى قاعة حيث يلقي الدكتور شكري مختار (ماجد الكدواني) محاضرته الأخيرة بعنوان هيبتا، وتدقق الكاميرا في وجوه وردود أفعال الحاضرين في القاعة المنصتين بحب وانخطاف للدكتور الذي تبدو عليه ملامح الإرهاق والتعب. وتخرج الكاميرا قليلاً إلى الشارع لتعود سريعاً إلى بيوت أبطالها. طبيعية جداً المَشاهد، وبيتوتية كثيراً الكاميرا، وهذا كان مطلوباً لخلق حالة من الحب بين الجمهور وشخصيات العمل أو بالأحرى بين الجمهور والفيلم بكل ما ومن فيه. إذا كانت المحاضرة الأخيرة عن الحب وأسبابه ونجاحاته وإخفاقاته، حسن الختام بالنسبة للدكتور شكري مختار، فإنها حسن البداية بالنسبة للمشاهدين للانطلاق في رحلة مع مراحل الحب السبع التي يتحدث عنها الدكتور مختار موضحاً أن هيبتا تعني الرقم 7 في اليونانية، وتعني الكمال في كل شيء. والحب لا يكتمل إلا بمروره بالمراحل السبع: المرحلة الأولى هي البداية وهي انطلاق الشرارة، والمرحلة الثانية الجنون أو اللقاء، الثالثة الحلم التي نكتشف فيها أن السعادة مجرد وهم، الرابعة الوعد وهو الفيروس الذي يقتل كل علاقة، الخامسة الحقيقة حيث يندرج تحتها عدد من المراحل مثل الملل والاحتياج وقلة الحيلة والتطبيع والامتلاك والغيرة. أما المرحلة السادسة فهي المقاومة وفيها: الصراحة والتضحية والاحتواء. المرحلة السابعة هيبتا هي مرحلة الحياة الحلوة حيث يدرك الإنسان أن الحب أكبر نعمة وعليه أن يحافظ عليها وأن يعيش كل لحظة في حياته وكأنها آخر لحظة. من أين تبدأ بالحديث عن تفاصيل هذا العمل؟ في الشكل العام هو نظرة فلسفية يقدمها لنا الكاتب عن الحب والحياة. وفي العمق هو مجموعة مراحل نعيشها جميعاً، تختصر مراحل حياتنا المختلفة منذ الصغر وحتى الكبر. 4 قصص حب، في 4 مراحل عمرية مختلفة، الطفولة المبكرة، المرحلة الجامعية، الشباب والانطلاق والجنون، ثم النضج والاستقرار. يجسد هذه المراحل والحالات 4 شبان وفتيات: الطفل شادي (عبد الله هشام) المغرم بزميلته وجارته الصغيرة مروى (لينا محمد)، المراهق كريم (أحمد مالك) الذي يعاني ألماً في ظهره يضطره إلى إجراء عملية وهو يتيم الأم والأب، يحب زميلته دينا (جميلة عوض)، ويحيى (أحمد داود) الفنان الرسام الذي يعشق علا (دينا الشربيني) من أول لقاء ونظرة فيخطفها من خطيبها ويعيشان مرحلة الحب المجنون، والبائس يوسف (عمرو يوسف) الذي يحاول الانتحار فإذا بهذه اللحظة الفاصلة تعيده إلى الحياة مرة أخرى مع ولادة حب جديد مع الشابة رؤى (ياسمين رئيس). تعيش مع الفيلم وبداخلك إحساس بأنها مجموعة قصص منفصلة يرويها الدكتور شكري ليبين لنا مراحل الحب، تتقاطع في مشاهد قليلة، حيث يلتقي في الشارع الواحد يحيى ويوسف، ويسير كل في اتجاه. بعض المشاهد يدعوك للتنبه وربط الأحداث والشخصيات ببعضها البعض، فحديث يحيى عن انتحار والدته ووفاة والده وزوجته ليعيش يتيماً، يعيدك إلى الطفل شادي الذي انتحرت أمه (كنده علوش) بسبب خلافاتها الدائمة مع أبيه (هاني عادل)، وكريم اليتيم والذي توفى والده في حادثة. ويبقى الشك رفيقك حتى تصل في النهاية إلى الحقيقة بأن كل الرواية التي يحكيها الدكتور شكري إنما هي قصة حياته بمختلف مراحلها وآلامها وأفراحها، وقد قسمها إلى مراحل ومنح الشخصيات أسماء مختلفة بينما أبقى اسم زوجته الأخيرة رؤى، وابنه عبد الحميد. من يدقق في بداية الفيلم يكتشف أن المخرج بدأ العمل بتقديم أبطاله من خلال صورهم وكتابة أسمائهم كما هي في الفيلم لا كما هي في الواقع، يعني صورة أحمد مالك عليها اسمه كريم وهكذا.. ليشعرنا أنهم أشخاص حقيقيون، وبأن الحكايات كلها حقيقية. ورغم صعوبة القصة، استطاع الباجوري ربط الأحداث ببراعة دون أن يشتت المشاهد، والأهم أنه نجح في السير مع الحبكة والتشويق بسلاسة فوصل الفيلم بكل رسائله وبكل غموض وترابط وانفصال في حكاياته إلى كل من شاهده حتى صغار السن.. وكي نعيش في قلب الأحداث أكثر فأكثر، يمنحنا المخرج استراحة فيتوقف الفيلم للحظات مع إبقاء كلمة استراحة على الشاشة، تماشياً مع منح الدكتور يحيى الحضور استراحة حين وصلت القصة إلى ذروة المشاعر والتأثر مع وفاة والدته. الفيلم يشجعنا على فهم الحب، كما يشجع صناع الفن السابع على العودة إلى الرواية وإلى الرومانسية ويشجع الجمهور على حب السينما من جديد. نجوم كومبارس من هم أبطال الفيلم؟ الملصق يبرز الوجوه التي ذكرناها سابقاً، بينما يفاجئك الفيلم بنجوم يظهرون فجأة وبأدوار صغيرة أو متوسطة، بعضهم بالكاد يقول جملة أو اثنتين طوال الفيلم مثل نيللي كريم، شيرين رضا ومحمد فراج، وبعضهم يلعب دوراً مهماً دون أن يكون بطلاً رئيسياً مثل أحمد بدير، كنده علوش، أنوشكا، حنان يوسف وهاني عادل. نجوم يشاركون وكأنهم كومبارس، ويرتضون العمل دون أن نقرأ أسماءهم في الأفيش أو في قائمة البداية أو حتى خلال الحديث عن الفيلم وأبطاله. أما بالنسبة للأداء، فكل ممثل قدم أفضل ما عنده، واستطاع عمرو يوسف أن يتميز بدور معقد، ويجازف بمشهد صعب، هو مشهد الانتحار حين يقف على حافة الشرفة يتمايل مطلقاً ذراعيه كمن يستعد للطيران. والمشهد كان حقيقياً لم يستعن فيه بدوبلير. ولتكتمل لائحة النجوم، تقدم أغنية الفيلم دنيا سمير غانم بإحساس عالي، وهي من كلمات أمير طعيمة وألحان هشام كمال. حكواتي السينما الحديثة ماجد الكدواني بطل السرد وحكواتي السينما الحديثة بامتياز، ولا أعتقد أن هناك من يفوقه أو يوازيه اليوم بين جيلي الوسط والجيل الجديد براعة في الأداء الأصعب، فهو يبذل مجهوداً مضاعفاً ليمثل وكأنه لا يمثل، يحكي وكأنه يخبر قصة قبل النوم للكبار أي دون تسطيح أو مغالاة في أسلوب السرد، وبلا ملل أو مبالغة في النبرة. ممثل يمشي على أحبال الصوت ليصل إلى قلب الجمهور ويأخذه من يده ليسير به في كل مراحل الفيلم دون أن يفلت منه أو يتوه وسط الأحداث، ثم يعيده في النهاية إلى كرسيه في الصالة مسروراً مبهوراً. الباجوري عرف كيف يستفيد من التجربة الأولى للكدواني مع السرد، حيث ظهر العام الماضي بمشهد واحد لا يتعدى الربع ساعة في الحلقة الأخيرة من مسلسل تحت السيطرة، فأبكى كل المشاهدين وكان مسك ختام عمل قوي، أجاد فيه المخرج تامر محسن توظيف قدرات ماجد الكدواني ليمنحه فرصة عمره، التي نقلته من مرحلة النجاح المتوسط إلى مرحلة الامتياز والنجومية باقتدار في الدراما. كانت البداية مع دور عائد من عالم المخدرات، يحكي في محاضرة داخل مركز لعلاج المدمنين عن تجربته مع المخدرات وكيف استطاع التبطيل والشفاء التام. نشعر أن الباجوري تسلم المشهد ليكمل مع الكدواني رحلة السرد ولكن هذه المرة مع مساحة أكبر، هنا هو البطل الأول الذي تبدأ الحكاية من عنده، خلال إلقائه المحاضرة الأخيرة في قاعة كبيرة والحضور كثيف من الأكاديميين والشباب، والكل يصغي بإعجاب لحديث الدكتور شكري مختار عن الحب. marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :