بعد انتهاء الخطَر التكفيري على مسيحيي لبنان ووصول الجنرال ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، أصبحتْ للوزير جبران باسيل مقاربة جديدة حيث اتّجه التيار العوني لاعتبار نفسه جزءاً لا يتجزأ من الغرب مع الحفاظ على تَناغُم مع المقاومة (ليس «حزب الله»). وتقول مصادر مطلعة، إن باسيل لا يريد التناغم مع «حزب الله» إلا بالخط الإستراتيجي لأنّه يريد مصلحته التي يَعتبرها مهمّة لوصوله إلى سدة الرئاسة إذا ثبت للغرب (وللعرب الذين يملكون نفوذاً في لبنان) أنه بعيدٌ عن اندماج حزبه بحزبٍ تعتبره أميركا وبعض البلدان العربية، «إرهابياً». ولم يَعتبر باسيل الاندماج كلياً بـ«حزب الله» وأهدافه وحركته العسكرية والسياسية (قبل وصول التيار العوني إلى أهدافه) مشكلةَ رغم وجود الحزب على لائحة الإرهاب منذ سنوات طويلة.وانخرَط باسيل في صراعٍ حقيقي مع «حزب الله» أثناء الانتخابات النيابية، ظناً منه أنه سيقود المسيحيين، كل المسيحيين، وأنه يستطيع جذْب أولئك الرماديين الذين يقفون على الحياد بين التيار العوني و«القوات اللبنانية» التي يترأسها سمير جعجع. ودَخَل باسيل في وعود وتحالُفٍ مع جعجع ما لبث ان نقضه بعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية كي لا يعطي حليفه المسيحي (جعجع) الجزء الذي يستحقّه بحسب نتائج الانتخابات.وذَهَب باسيل إلى كسْر «حزب الله» في جبيل وتَسبّب بخسارة مرشّحه حسين زعيتر، ولم يكترث لخسارة مرشح التيار ربيع عواد ليعطي الغلَبة لمرشح لائحة أخرى هو مصطفى الحسيني. ودَخَل في صراع في البقاع رداً على لائحة رئيس البرلمان نبيه بري في جزين والجنوب. وكانت النتيجة ان سياسة باسيل أنتجت بتحالفه ضد «حزب الله» كتلة من 29 نائباً مع بقية حلفائه الانتخابيين (بينهم 19 لـ«التيار») من أصل نحو 65 ترشّحوا (بين حزبيين وحلفاء). وتَعتبر المصادر ان باسيل يحاول أخْذ المجتمع المسيحي إلى التعصّب الطائفي ليتبنّى لغة بشير الجميل - الحليف الأول لإسرائيل في لبنان قبل اغتياله في سبتمبر 1982 - فها هو يتكلم عن الفيديرالية وعن العلاقة مع اسرائيل وعن إقامة نصب تذكاري للانسحاب السوري من لبنان بعدما دخل الجيش السوري بموافقة بيار الجميل وكميل شمعون وسليمان فرنجية (الجد) لحماية المسيحيين العام 1976 قبل ان ينقلب عليهم بعدها.ومن المُتوقَّع أن تشهد المرحلة المقبلة تَمايُز باسيل عن «حزب الله» وسياسته وعن مواقف التيار السابقة تحت عنوان «الخوف من العقوبات الأميركية - العربية». ويختبئ باسيل تحت عنوان آخَر، وهو العداء لبري، مُحاوِلاً الضغط على «حزب الله» رغم علْمه تماماً بأن رئيس مجلس النواب «خط أحمر» وأن الحزب وبري يشكلان جسداً واحداً، خصوصاً أن الحزب غير مستعد أبداً لخوض حرب شيعية - شيعية كتلك التي خاضها الشيخ صبحي الطفيلي العام 1988 والتي اعتُبرت وصمة سوداء في تاريخ شيعة لبنان.إن كل محاولات باسيل للوصول إلى رئاسة الجمهورية على حساب «حزب الله» ستعود عليه سلباً. وقد بدأ الكباش على توزير سنّي من «8 مارس» لأن التيار العوني وأباه الروحي ومؤسِّسه الرئيس ميشال عون يملكون 11 وزيراً، وهذا يعني القدرة على تعطيل مجلس الوزراء وهي هواية أجادها باسيل سابقاً، بحسب المصادر المطلعة. ويتمسك «حزب الله» بالوزير السني، كما تَمَسّك بالعماد عون لإيصاله إلى كرسي الرئاسة. والهدف ليس الرئيس سعد الحريري بل إن على مَن يملك أكبر عدد من الوزراء التخلي عن وزير سنّي لإيجاد التوازن.ولم يتردّد «حزب الله» بمباركة - سراً وليس علنية - لقاء الوزير السابق سليمان فرنجية مع جعجع ليسمع رئيس «القوات اللبنانية» ويَفهم ان فرنجية لم يأتِ وحده - سياسياً - وأنه، كما قال هو لجعجع، يحترم اتفاقه في إشارة إلى باسيل الذي نقض الاتفاق مع «القوات». وقال «حزب الله» لفرنجية: «أنت صادِق ونحن نثق بك فافعل ما تراه مناسباً». وبهذا التحالف بين «القوات» وفرنجية ستتغيّر كفة الأكثرية المسيحية وخصوصاً أن «حزب الله» وفى بعهده لعون وأن حصة الرئاسة أصبحت حصة «8 مارس». ومن هنا فإن الصراع المقبل هو صراع على الرئاسة وبالتالي على فرنجية أن يكسب مسيحيي جبل لبنان ووضع يده بيد جعجع لإزاحة باسيل.لقد فَرَضَ «حزب الله»، عون للرئاسة، وفَرَضَ فرنجية لحقيبة الأشغال، رغم الاعتراضات الكثيرة، وها هو اليوم يفرض وزيراً سنياً ويَنتظر من عون التجاوب إذا أراد أن يحكم على رأس حكومة تبدأ عملها قريباً وخصوصاً إنه حصل على وزارات الدفاع والطاقة والعدل والصناعة والخارجية وقيادة الجيش.وهذا هو الباب الذي ستدخل من خلاله الإدارة الأميركية لتغذية الصراعات وضرْب حلفاء «حزب الله» بعدما عجزتْ عن أساليب أخرى. فهل تنجح؟ الأمر بيد مسيحيي لبنان...
مشاركة :