"الاقتصادية" من الرياض ترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الأول اجتماع أزمة غداة الفوضى التي شهدتها باريس في إطار تحرك "السترات الصفراء". وخلال قمة العشرين، وفيما كانت شوارع باريس تشهد مواجهات وأعمال شغب، حاول ماكرون الموجود في بوينس آيرس على بعد 11 ألف كيلو متر، أن يتجنب بأي ثمن موضوع "السترات الصفراء" خلال قمة مجموعة العشرين. وبحسب "الفرنسية"، اجتمع ماكرون بإدوار فيليب رئيس الوزراء وكريستوف كاستانير وزير الداخلية و"الأجهزة المختصة" لإيجاد حل لتحرك يبدو أنه خرج عن السيطرة، ولدرس أحداث الأمس الذي شهدت خلاله الأحياء الراقية في باريس عصيانا وأعمال عنف. وقبل ذلك اتخذ ماكرون خطوة رمزية وزار معلم قوس النصر الذي تعرض السبت لأعمال تخريب. وأدت أعمال العنف إلى إصابة 133 شخصا بجروح بينهم 23 عنصرا في قوى الأمن وإلى توقيف 378 على ذمة التحقيق، بحسب حصيلة رسمية. وأعمال العنف هذه التي لم تشهدها العاصمة الفرنسية منذ عقود، دفعت بإدوار فيليب رئيس الوزراء إلى إلغاء زيارته لبولندا للمشاركة في قمة حول المناخ. وأعلن مجلس الشيوخ الفرنسي أنه سيستمع الثلاثاء أمام لجنة إلى الوزيرين المكلفين بالأمن "للحصول على إيضاحات عن الوسائل التي نشرها وزير الداخلية" في مواجهة الفوضى. ومساء السبت في حين كانت سيارات تحترق وتتعرض محال تجارية للتخريب وتقام حواجز بين المباني الفخمة، اتهم ماكرون المتظاهرين بأنهم "يريدون فقط إشاعة الفوضى". ولم يستبعد كريستوف كاستانير وزير الداخلية إمكانية فرض حالة الطوارئ تفاديا لأي أعمال عنف جديدة السبت المقبل. وأعلن ماكرون من بوينس آيرس أنه "لن يرضى أبدا بالعنف"، وأكد أنّه "ليس هناك أيّ قضية تبرّر مهاجمة قوات الأمن ونهب محال تجارية وتهديد مارة أو صحافيين وتشويه قوس النصر". وبعد أحداث تخللتها أيضا أعمال عنف ومواجهات في الضواحي ألمح مسؤولون إلى أنه سيكون هناك تغيير أقله في الشكل، للعمل الحكومي. وقال ستيفان جيريني المسؤول الجديد عن حزب "الجمهورية إلى الأمام" لصحيفة "لوباريزيان"، "أخطأنا بحيث ابتعدنا كثيرا عن واقع الفرنسيين". وأقر كاستانير بأن الحكومة "أخطأت أحيانا في التواصل"، فيما أكد ماكرون الذي بنى قسما من سمعته السياسية على قدرته في تطبيق الإصلاحات، مجددا أنه لن يتراجع خلافا لأسلافه كما قال. لكن هل يمكن لهذا الموقف أن يبقى ثابتا بعد أحداث السبت في حين طلب عدد من أعضاء الغالبية تليين السياسسة الحكومية، بعد أن واجهوا مشكلات أحيانا في دوائرهم؟ وفي صفوف اليمين دعا لوران فوكييه زعيم الجمهوريين مجددا إلى استفتاء حول السياسة البيئية والضريبية لماكرون، وطلبت مارين لوبن لقاء الرئيس مع زعماء الأحزاب السياسية المعارضة. ولدى اليسار طلب أوليفييه فور زعيم الحزب الاشتراكي تشكيل لجان حول القدرة الشرائية، بينما طلب السياسي بونوا أمون إطلاق حوار وطني مع "السترات الصفراء" والنقابات والمنظمات غير الحكومية حول القدرة الشرائية وتوزيع الثروات وعملية الانتقال البيئية. أما جان لوك ميلانشون زعيم حركة "فرنسا المتمردة" فدعا إلى إعادة فرض الضريبة على الثروة مشيدا بـ "تمرد المواطنين الذي يثير الخوف لدى ماكرون والأثرياء". ووسط هذه المطالب التي وضع معظمها على الطاولة منذ أيام، لم تغير الحكومة حتى الآن موقفها. وعندما كانت أولى المواجهات تدور على جادة الشانزليزيه، قال بنجامان جريفو المتحدث باسم الحكومة، "إنه لا تغيير في المواقف"، مذكرا بخطوات المساعدة التي أعلنتها الحكومة في الأيام الأخيرة. وأضاف "استمعت إلى الذين قالوا لي إنه لم يعد لديهم مال عند منتصف الشهر. لكننا نقوم بإصلاح البلاد خطوة بعد خطوة. نقوم بذلك بجدية ولا نؤجل خياراتنا للأجيال المقبلة". وطوال ثلاثة أيام، نجح الرئيس الفرنسي في عدم التلفظ بعبارة "السترات الصفراء" رغم أنه ألقى خطابا وعقد مؤتمرين صحافيين ووجهت إليه أسئلة كثيرة عن هذا الموضوع. لكن بعد سلسلة من الجمل المبهمة، أجبرته أعمال العنف في باريس على الكلام، فاكتفى بإدانة التجاوزات مؤكدا أن "أي قضية لا تبررها" وأنها "لا تندرج في إطار التعبير عن غضب مشروع"، مشددا على أن مرتكبيها "يريدون الفوضى" وتنبغي محاسبتهم على ما فعلوا. وشهدت باريس السبت أعمال شغب ومواجهات في ثالث تحرك لحركة "السترات الصفراء" التي تحتج على السياسة الضريبية والاجتماعية للحكومة. ويبدو أن الحظ السيئ لاحق ماكرون منذ وصوله إلى الأرجنتين بعد رحلة استغرقت 14 ساعة، فما أن خرج من الطائرة حتى فوجئ بعناصر أمنيين في المطار يرتدون سفرات صفراء ويسارعون إلى مصافحته. وسرعان ما غزت الصورة الإنترنت من الأرجنتين إلى فرنسا، وسعيا إلى "الهرب" من الواقع، غاص ماكرون في اليوم الأول من زيارته للأرجنتين في ثقافة هذا البلد، والتقى كتابا أرجنتينيين اجتمعوا بناء على طلبه في أجمل مكتبة في بوينس آيرس، مؤكدا لهم أنه يمارس أيضا الكتابة كل يوم. وقال ماكرون "ما أن أنتهي من كل ذلك حتى أعود إلى الحقيقة"، وتحدث إلى أرملة الشاعر المعروف خورخي لويس بورخيس مبديا سعادته الكبيرة بأن يكون هنا. وتابع رحلته في الماضي الأرجنتيني عبر إلقاء ورود في نهر ريو دي لا بلاتا، تكريما لذكرى آلاف المعارضين الذين تم إلقاؤهم أحياء في النهر من مروحيات. وظهر الخميس، عقد ماكرون مؤتمرا صحافيا مقتضبا مع نظيره الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، وحين سأله الصحافيون عن "السترات الصفراء" قبل يومين من تظاهرة لهؤلاء تحولت إلى أعمال شغب، اكتفى الرئيس الفرنسي بالتشديد على ضرورة حجز "مكان لعمالنا في زمن العولمة". وأمام الجالية الفرنسية في بوينس آيرس، أبدى تشددا أكبر مؤكدا أن قراراته "لن تشكل أبدا تراجعا". وفي إشارة وحيدة إلى الاحتجاجات، قال أمام أفراد الجالية "لا شك أنكم تتابعون التطورات". وقبل أن يغادر عائدا إلى باريس حيث ينتظره رئيس الوزراء إدوار فيليب الذي عدل عن المشاركة في قمة محورها المناخ بسبب "السترات الصفراء"، أقر ماكرون بأن أجواء قمم مماثلة ليست مريحة على الدوام، وغالبا ما لا تكون نتائجها "واضحة للعيان".
مشاركة :