بقلم : رئيس التحرير(صالح بن عفصان العفصان الكواري) .. القرار الذي اتخذته دولة قطر أمس بانسحابها من منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» اعتباراً من مطلع شهر يناير المقبل، يؤكد الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة لتنمية صناعة الغاز الطبيعي المسال وتطويرها والتركيز عليها خلال المرحلة القادمة، لا سيما أن قطر تعتبر من كبرى الدول إنتاجاً للغاز وتصديراً لهذا النوع من الطاقة في العالم، وتستضيف حالياً منتدى الدول المصدرة للغاز الذي يضطلع بدور بارز في القيام بالمهام المنوطة به. ولا شك أن قطر باتخاذها قرارها بالانسحاب من أوبك، تدرك تماماً أن مصالحها تكمن في التركيز على إنتاج وتصدير الغاز والصناعات المرتبطة به، في موازاة قلة إنتاجها من النفط. وبالتأكيد لم يصدر هذا القرار إلا بعد مراجعة ودراسات معمقة أفضت لما أعلن عنه سعادة وزير الدولة لشؤون الطاقة، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للبترول في مؤتمر صحفي أمس، لذلك فالقرار لا ينطوي على أي بعد سياسي بقدر ما هو قرار اقتصادي بحت يرجع لأسباب فنية فقط تتعلق باستراتيجية قطر في المستقبل تجاه قطاع الطاقة وطموحاتها المشروعة لتحقيق أهدافها الاقتصادية. ومن حق قطر التركيز على مصالحها الاستراتيجية والعمل على تعزيز الإنتاج فيها، خاصة - وكما هو معلوم - أنها تمتلك أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، فضلاً عن كون الغاز في حد ذاته طاقة نظيفة، وبالتركيز عليه فإن قطر بالضرورة تساهم بإيجابية كبيرة في تزويد العالم بالطاقة النظيفة والبديلة، وحماية الكون من التلوث بالغازات الضارة المنبعثة من النفط والصناعات المختلفة المرتبطة به، ويدخل في هذا السياق حماية بيئة الكوكب الذي تعيش عليه البشرية من التلوث، في وقت جعلت فيه قطر قضايا البيئة إحدى ركائز استراتيجيتها الوطنية 2030. ومن شأن القرار كذلك الإسراع بتنفيذ الخطط التي أعلنت عنها قطر لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال من 77 إلى 110 ملايين طن سنوياً، في وقت عكفت فيه خلال السنوات الماضية على وضع ملامح استراتيجية مستقبلية ترتكز على النمو والتوسع داخل وخارج البلاد، وقد أثمرت هذه الاستراتيجية عن تواجدها في العديد من الدول بشكل أكبر خاصة في مجالات الاستكشاف والإنتاج. كما عملت قطر للبترول على تطوير وزيادة إنتاج قطر من الغاز الطبيعي المسال، وأعلنت في هذا السياق عن استراتيجيتها لرفع طاقتها الإنتاجية من 4,8 مليون برميل مكافئ يومياً إلى 6,5 مليون برميل مكافئ يومياً خلال العقد القادم. وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم من أزمات اقتصادية معقدة وشح في السيولة، فإن ما يسعد كل قطري هو أن قطر للبترول ستقوم بالمشاريع الخاصة بزيادة الإنتاج دون الحاجة للاقتراض، نظراً لتوافر السيولة اللازمة لديها لإقامة مشاريع التوسعة، كما ذكر سعادة الوزير، إضافة إلى الشراكات في مجال الاستثمارات التي تدرس قطر للبترول الدخول فيها لإنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة والتي تمكنها من أن تصبح أحد مصدري الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة عبر مشروعها محطة جولدن باس للغاز الطبيعي المسال. وعلى الرغم من إعلان خروج قطر من «أوبك» لكنها - ستظل ملتزمة كما أكد سعادة وزير الدولة لشؤون الطاقة - بما تتخذه المنظمة من قرارات حتى نهاية عضويتها، وأنها ستحضر كذلك اجتماعها القادم، وستواصل الوفاء بالتزاماتها الدولية مثل أي دولة أخرى ليست عضواً في هذه المنظمة بعد مغادرة «أوبك». إن اهتمام قطر وتركيزها على الغاز ليس جديداً، فقد عملت على مدى سنوات بكل جهد لتطوير حقوله واستكشاف المزيد منه ورفع طاقة الإنتاج فيه وتزويد العالم بحاجته منه، وليس ذلك بغريب على قطر التي استضافت في 15 نوفمبر عام 2011 أول قمة للغاز، واحتضنت كذلك خلال السنوات القليلة الماضية وبالتحديد منذ عام 2003 نحو ثمانية اجتماعات وزارية للدول المصدرة للغاز. وبالتأكيد فإن قرار قطر الانسحاب من «أوبك» بعد 57 عاماً من عضويتها فيها، والتركيز على إنتاج الغاز، سيرسخ مكانتها كمزود موثوق ومعتمد للطاقة إلى جميع أنحاء العالم، وهو ما حتم عليها مراجعة دورها ومساهمتها على الصعيد العالمي في مجال الطاقة، وكيفية تعزيز ذلك الدور وتلك المساهمات بشكل يخدم أهدافها واستراتيجيتها على المدى البعيد، وبالتالي تعزيز مكانتها الرائدة في إنتاج الغاز الطبيعي، خاصة وهي الآن في طليعة الدول المنتجة للغاز الطبيعي على مستوى العالم بأسره، وأكبر مصدر للطاقة النظيفة من الغاز الطبيعي المسال، ما مكنها من بناء وصناعة اقتصاد قوي ومنيع يفخر به كل مواطن غيور على وطنه حريص أن يراه دوماً في طليعة الدول الرائدة والمتقدمة في ظل قيادته الحكيمة وتوجيهاتها السديدة التي تتوخى على الدوام تحقيق وإعلاء مصالح الوطن ومواطنيه في الرخاء والرفاه الاجتماعي والحياة الحرة الكريمة. editor@raya.com
مشاركة :