أكد تقرير "كابيتكال إيكونوميكس" الدولي، أن الاقتصاد السعودي قوي وبإمكانه مقاومة انخفاض أسعار النفط دون الشعور بتداعيات كبيرة حتى وإن هبطت أسعار خام برنت إلى مستوى 50 دولارا للبرميل، مشيرا إلى قدرة السعودية على تمويل أي عجز تجاري من احتياطياتها من العملات الأجنبية لمدة عشر سنوات على الأقل. وأكد التقرير أن المنتجين يواجهون معضلة قبل الاجتماع الوزاري لـ"أوبك" وخارجها نهاية الأسبوع الجاري بشأن قرار خفض الإنتاج أو البقاء على المعدلات الإنتاجية الحالية، حيث إن خفض الإنتاج يؤدى إلى تآكل الحصة السوقية بينما بقاء الإنتاج مرتفعا يهدد بمزيد من الانخفاضات السعرية الحادة. ولفت التقرير إلى أن المنتجين التقليديين في "أوبك" وخارجها يواجهون سيناريو أشبه بعام 2016 حينما قرروا خفض الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا بما في ذلك من روسيا لمواجهة موجة من انخفاض أسعار النفط، موضحا أنه في ذلك الوقت نجح المنتجون في أهدافهم لأن الجميع كانوا يائسين والآن فإن عديدا من أعضاء "أوبك" يشعرون بالإحباط لأن السوق لم تتعاف كاملا بعد من أزمة عام 2014. وقال التقرير إن السعودية قادت المنتجين في التغلب على فترة ضعف أسعار النفط السابقة التي كانت نتيجة وطأة تدفق النفط الصخري الأمريكي، حيث إنها هي قادرة على تكرار الأمر إذ تسير في هذا الطريق بالتوازي مع خطة سعودية قوية تعتمد على تنويع مصادر إيراداتها وقد خصصت لها كثير من الأموال. وذكر التقرير أن المنتجين في "أوبك" قد يكونوا أقرب إلى اعتماد خفض الإنتاج بحجم غير معروف حتى الآن وموضع بحث وتدارس في الاجتماعات هذا الأسبوع، حيث إن الاستمرار في الضخ بمعدل قياسي حاليا أو بالقرب منه سوف يزيد الضغط على الأسعار بشكل أكبر وهو ما حدث في عام 2014 ولم يحقق النتائج المرجوة منه. وأفاد التقرير بأن تخمة المعروض تضر أيضا بالنفط الصخري بشكل كبير بسبب استمرار تراجع الأسعار ولكن المنتجين التقليديين أدركوا أن هذا الأمر لن يخرج النفط الصخري من المنافسة بسبب نجاحه في رفع مستوى الكفاءة وتحقيق المرونة الإنتاجية. وفي سياق متصل، استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على تسجيل ارتفاعات جيدة بنحو 5 في المائة بفعل تهدئة وتيرة التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين بعد التوقف عن فرض رسوم جمركية جديدة لمدة ثلاثة أشهر وهو ما بث التفاؤل بشأن النمو الاقتصادي ومستويات الطلب على النفط الخام. كما تلقت الأسعار دعما من اقتراب موعد الاجتماع الوزاري لمنظمة أوبك بعد غد الذي من المتوقع أن يسفر عن إجراءات داعمة لنمو الأسعار مرة أخرى بعد موجة هبوطية حادة على مدار شهرين. وفي هذا الإطار، أكد لـ"الاقتصادية"، روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، وجود حاجة إلى خفض الإنتاج لموازنة العرض والطلب في العام المقبل وهو الأمر الذي سيكون بالتأكيد محور الاجتماع الوزاري لمنظمة أوبك والاجتماع اللاحق الخاص باتفاق الشراكة مع دول خارج "أوبك". وأشار إلى أن المخزونات النفطية سجلت مستويات قياسية ومن المتوقع أن تضيف 1.4 مليون برميل يوميا في العام الجديد إذا لم يتم خفض الإنتاج، لافتا إلى أن السعودية تصر على أن عملية الخفض يجب أن تكون جماعية وليست فردية مثلما حدث في عام 2016، مبينا أنه في المقابل تواصل الإدارة الأمريكية ضغوطها لبقاء الإنتاج وفيرا واستمرار تراجع الأسعار. من جانبه، قال "الاقتصادية" ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" لاستشارات الطاقة، إن الموقف الروسي له تأثير كبير أيضا على السوق وهو غير واضح حتى الآن وستكتمل الصورة مع انتهاء الاجتماعات بين أوبك وخارجها يوم الجمعة بعد الإعلان عن الاتفاق الجديد والاستراتيجي بين الجانبين. وأوضح أن روسيا تؤكد دوما على التزامها بالعمل المشترك مع "أوبك" ودعم قراراتها بينما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث عن أن سعر 60 دولارا أو أقل مناسب للاقتصاد الروسي ولا يشكل أي عبء وهو ما يجعل روسيا أقل إقبالا على تعضيد فكرة خفض الإنتاج. من ناحيته، أكد لـ"الاقتصادية"، أندرو موريس مدير شركة "بويري" للاستشارات الإدارية، إن اجتماع اللجان الفنية في "أوبك" وخارجها سيحدد بالفعل مستوى التخفيضات الملائمة للسوق والإطار الزمني لها، مشيرا إلى أن المنتجين على أعتاب اتفاق جديد للتعامل مع السوق النفطية في العام الجديد 2019 وهو يأخذ في الاعتبار كل المستجدات التي طرأت على السوق في الشهور الأخيرة. وتوقع اعتماد آلية جديدة تحدث عنها الرئيس الروسي أخيرا، وهي المراقبة المكثفة للسوق والرد السريع على المتغيرات بما يحول دون تفاقم الأزمات الطارئة الخاصة بعلاقة العرض والطلب وبما يدعم توازن واستقرار السوق. وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط 5 في المائة، بعد اتفاق الولايات المتحدة والصين على عدم فرض أي رسوم جمركية جديدة لمدة 90 يوما وقبل اجتماع "أوبك" هذا الأسبوع الذي من المتوقع أن يسفر عن خفض للإمدادات. وارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى 53.41 دولار للبرميل بحلول الساعة 0622 بتوقيت جرينتش بزيادة 2.48 دولار للبرميل أو 4.9 في المائة عن آخر سعر إغلاق. وتعزز الخام الأمريكي أيضا بإعلان كندا أن إقليم ألبرتا سيرغم المنتجين على خفض الإنتاج بنسبة 8.7 في المائة أو 325 ألف برميل يوميا لمواجهة اختناقات في خطوط الأنابيب، قد تؤدي لزيادة في المخزونات. ويصدر معظم نفط ألبرتا إلى الولايات المتحدة. وزاد، خام برنت 2.89 دولار بما يوازي 4.9 في المائة إلى 62.35 دولار للبرميل. ويترقب المتعاملون اجتماع منظمة أوبك في السادس من كانون الأول (ديسمبر) حيث من المقرر أن تعلن المنظمة وروسيا خفض الإمدادات بهدف كبح فائض الإنتاج الذي دفع أسعار النفط للهبوط بمقدار الثلث منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ويتوقع المحللون خفض الإنتاج بين مليون و1.4 مليون برميل يوميا مقارنة بمستويات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو الأعلى لـ"أوبك كمنظمة منذ كانون الأول (ديسمبر) 2016. وفقد الخام الأمريكي عند تسوية الجمعة نسبة 1.2 في المائة، مستأنفا خسائره بعد ارتداده في اليوم السابق من أدنى مستوى في 13 شهرا عند 49.40 دولار للبرميل، وانخفضت أيضا عقود برنت بنسبة 1.1 في المائة. وانخفضت أسعار النفط العالمية بمتوسط 22 في المائة على مدار شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، في ثاني خسارة شهرية على التوالي، وبأكبر خسارة شهرية منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2014. وتشير تلك الخسارة الشهرية الأكبر في أربع سنوات إلى تصاعد المخاوف بالسوق حيال تجدد أزمة تخمة المعروض العالمي، خاصة مع ضخ كبار المنتجين في العالم مستويات قياسية من الإنتاج، بالتزامن مع مؤشرات قوية على ضعف مستويات الطلب العالمي. وأظهرت بيانات رسمية لشركة "بيكر هيوز" للخدمات النفطية يوم الجمعة الماضي، ارتفاع منصات الحفر والتنقيب في الولايات المتحدة "الأسبوع الماضي" بنحو منصتين، في ثالث زيادة أسبوعية خلال شهر، ليبلغ إجمالي المنصات العاملة في حقول الزيت الصخري 887 منصة. وبفضل أنشطة الحفر المرتفعة، قفز الإنتاج الأمريكي بأكثر من 38.5 في المائة منذ منتصف عام 2016 إلى إجمالي 11.7 مليون برميل يوميا، الذي يعد أعلى مستوى على الإطلاق للإنتاج في الولايات المتحدة، متجاوزا إنتاج روسيا لتصبح الولايات المتحدة حاليا أكبر منتج للنفط في العالم. وارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 58.33 دولار للبرميل يوم الجمعة الماضي، مقابل 58.09 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 15 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب انخفاض سابق، كما أن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 60.27 دولار للبرميل.
مشاركة :