العنصرية في أميركا باتت مكشوفة

  • 12/4/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جمعني لقاء على الغداء هذا الأسبوع مع صديق عربي، وسرعان ما تحول النقاش –كما كان متوقعاً- إلى دونالد ترامب وتأثيره على حياتنا السياسية وتصور العالم لأميركا والشعب الأميركي. ومن الواضح أن هذا الصديق يفهم بوضوح الدرجة التي ساعد بها انتخاب ترامب وسياساته وكل أعماله التحريضية المتكررة، على تأجيج العداء تجاه المؤسسات الأميركية الأساسية وإثارة العديد من أشكال التعصب والعنصرية والعداء تجاه المهاجرين واللاجئين والخوف من الإسلام وكراهية الأجانب. ومع ذلك، فاجأني بقوله: «هناك أيضًا جوانب إيجابية لما يفعله ترامب». سألته: كيف ذلك؟ قال إنه كمراقب لفترة طويلة للمشهد الأميركي يشعر أنه في حين أن العنصرية وأشكال التعصب الأخرى قد صبغت الحياة الأميركية لفترة طويلة، إلا أن التهديد الحقيقي الذي تمثله تصرفات ترامب قد أجبر شريحة واسعة من المؤسسات الأميركية والقادة السياسيين لمواجهة هذه الشرور مباشرة وبقوة. على حد تعبيره، وأضاف أن «العنصرية والحرب ضدها في أميركا، أصبحت الآن تدور في العلن». قبل خمسة عقود، قادت حركة الحقوق المدنية الأميركية القوية، البيت الأبيض والكونغرس لتمرير قوانين تنتهي بالفصل العنصري، وضمان حقوق التصويت للجميع وتوسيع الفرص الاقتصادية للأميركيين الأفارقة. وعلى الرغم من التقدم الذي مثلته هذه القوانين، فإنها لم تضع حداً للعنصرية. لقد قدموا درجة ما من العدالة لضحاياها، لكن سم العداوة العنصرية استمر في الانغماس تحت السطح واستُغل بانتظام من قبل السياسيين الجمهوريين من نيكسون إلى ريغان إلى بوش. لقد كان الرئيس بيل كلينتون هو أول رئيس أميركي يحاول التصدي للعنصرية بشكل مباشر. كانت محاولاته لإشراك الأميركيين في حوار وطني حول العرق، مصممة جيدًا، لكنها كانت ضعيفة التنفيذ وقصيرة الأجل. لقد اندفع الكثير من الناس الطيبين والواعين إلى الاعتقاد الخاطئ بأنه مع انتخاب باراك أوباما، فإن أميركا قد «تجاوزت المسألة العنصرية» أخيرًا. ولكن لسوء الحظ، كما رأينا قريبا، كان الحزب الجمهوري عازماً على جرّ البلاد إلى الاتجاه المعاكس عن طريق استغلال «اختلاف» أوباما كسلاح لبناء المعارضة له. لقد بعثت شعارات الجمهوريين مثل «نريد استعادة بلادنا مرة أخرى»، برسالة إلى الناخبين البيض بأن إدارة أوباما لم تكن تهتم بمصالحهم. كما استُغل «اختلاف» أوباما أيضا في الدعاية اليمينية كالقول إن «أوباما مسلم» أو «أوباما ليس أميركياً وأنه كيني»، وبالتالي ليس رئيسا شرعيا. تم تبني هذه المفاهيم على نطاق واسع من قبل الجمهوريين. وكان لهذه الحملة تأثير مدمر ودائم. ففي عام 2016، وجدنا أن ما يقرب من ثلثي ناخبي ترامب يعتقد أن أوباما لم يكن مسيحيًا، وأن الغالبية لم تكن متأكدة من أنه ولد في الولايات المتحدة. من جانبه، كان الرئيس أوباما في مأزق. من الواضح أنه رأى الطريقة التي يستغل بها خصومه العرق والإسلاموفوبيا ضده، لكن قدرته على الدفاع كانت محدودة بسبب حقيقة أنه كان هو الهدف لهذه الهجمات. ما كان مطلوبًا لوقف نمو هذه الكراهية كان ردة فعل قوية من قادة الجمهوريين. ولكن باستثناء جون ماكين الذي تحدث في مناسبات قليلة، انضم معظم زعماء الحزب الجمهوري والساعين لخوض السباق الرئاسي إلى إذكاء نار عدم التسامح أو التزام الصمت. فعندما اقتحم دونالد ترامب المشهد كمرشح للرئاسة عام 2016، كان الجمهوريون بطيئين في الرد. في البداية، كانوا مقتنعين بأن ترشحه سوف ينهار. في كل مرة يرتكب فيها حماقة، كانوا يقولون لأنفسهم «ستكون هذه نهايته». ولكنه، بدلا من ذلك، كان يكتسب المزيد من القوة لأن ما فشلوا في فهمه هو أن وحش العنصرية و«الخوف من الآخر» الذي رعوه أصبح الآن على وشك أن يلتهمهم. بادر البعض بالتنديد به علانية، لكنهم تمكنوا في نهاية المطاف من التناغم مع ترامب لأنهم خافوا من فقدان دعم قاعدته الانتخابية الملتهبة الذين شعروا أنهم تعرضوا للتجاهل والخيانة وشعروا الآن أنهم عثروا على البطل الذي يبحثون عنه في شخص ترامب. وخلافا للرؤساء الجمهوريين السابقين، لم يستغل ترامب المخاوف من الآخرين برسائل مشفرة بمهارة. بل جاهر في العزف على غضب الناخبين وسمى من حرموا الأميركيين من حقوقهم مثل «المكسيكيين والمسلمين والسود واللاجئين»، كما سمى الجهات التي تتحمل جزءاً من المسؤولية عن هذا الظلم وهي «وسائل الإعلام والنخب الساحلية والمحاكم وأوباما والديموقراطيون بشكل عام». في الوقت الذي يحب فيه الأميركيون التحدث برومانسية عن «قيمنا ومثلنا العليا»، فإن كثيراً من المراقبين في جميع أنحاء العالم يعرفون تاريخنا والمشاكل التي تصيب مجتمعنا. إنهم يعرفون خطايانا الأصلية المتعلقة بالرق والإبادة الجماعية للسكان الأصليين والغزو الإمبريالي لقارة أميركا الشمالية، وإخضاع شعوبها. كما أنهم يعرفون عن استمرار العنصرية وتأثيرها على مجتمعنا وعلى سياساتنا الخارجية والداخلية. ما كان يقوله صديقي العربي هو أنه قد تم كشف الغطاء الآن. فلم تعد العنصرية لدينا مخفية أو مُعبَّر عنها في رسائل مشفرة. بل تجري مناقشتها على الملأ، باعتبارها خطراً ليس فقط على الجاليات المستهدفة بالكراهية، ولكن أيضًا على فكرة نوع المجتمع الذي نأمل في بنائه. ومع استمرار حوارنا، أدركت أن صديقي كان متحمسا للرفض العام والصارم للهجة خطاب وسياسات ترامب. إن مقاومة استهداف ترامب للسود واللاتينيين والمسلمين واللاجئين وتشجيعه لنزعة التفوق عند البيض، هو أمر مهم ليس فقط لأنه الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله، ولكن أيضًا لأنه يساعد في إعادة صياغة صورة أميركا على المسرح الدولي. د. جيمس زغبي * * رئيس المعهد العربي- الأميركي في واشنطن.

مشاركة :