على الرغم من مزاعم قطر بأن قرارها المفاجئ الانسحاب من منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» يعود إلى أسباب اقتصادية محضة، إلا أن مصادر مطلعة على كواليس صناعة النفط في العالم أكدت أن العزلة الخانقة التي يعاني منها «نظام الحمدين»، وحليفه النظام الإيراني في المنظمة منذ منتصف العام الماضي، ما أجبره على الخروج حفظاً لماء الوجه. وقالت المصادر في تقرير نشره موقع «أويل برايس» المعني بتغطية أخبار أسواق النفط الدولية، إن وزير الطاقة القطري وأعضاء الوفد المرافق أصبحوا «منبوذين تقريباً» في أروقة المنظمة التي تتخذ من فيينا مقراً لها، منذ أن فرضت الدول الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) تدابير المقاطعة الصارمة ضد الدوحة في الخامس من يونيو 2017. وقال معد التقرير سيريل ويدرشوفن، إن القطريين كانوا يتعرضون للتجاهل خلال اجتماعات «أوبك» منذ ذلك الحين، مشدداً على أن الاجتماع الأخير للمنظمة أوضح بجلاء ملامح هذه العزلة، التي لم تقتصر على ممثلي قطر وحدها، وإنما امتدت إلى وفد إيران، الحليف الإقليمي الرئيسي لنظام تميم بن حمد. وأوضح أن غالبية وزراء الدول الـ14 الأعضاء في المنظمة كانوا يتحاشون الحديث علانيةً مع نظيريهما القطري والإيراني، مشيراً إلى أنه كان من الواضح للمتجول في غرف مقر «أوبك» وردهات قاعة الاجتماعات الخاصة في فيينا «آثار الصدام» المستمر بين «نظام الحمدين» والدول الرافضة لسياساته وتوجهاته التخريبية. وشدد تقرير «أويل برايس» الذي حمل عنوان «قرار قطر غير المنطقي بالخروج من أوبك»، على أن هذه الأزمة المستمرة تشكل على الأرجح أحد الأسباب التي حدت بقطر للخروج من المنظمة، بعدما صارت معزولةً فيها، على غرار عزلتها على الصعيد الإقليمي، بفعل مقاطعة الغالبية العظمى من جيرانها في الخليج. وفجر أيضاً مفاجأةً من العيار الثقيل عبر الإشارة إلى أن الخطوة القطرية ربما ترجع أيضاً إلى اندلاع صراع قوي في مؤسسات السلطة والنفوذ في قطر حول أميرها تميم بن حمد، لافتاً الانتباه في هذا الصدد إلى التعديل الوزاري الأخير الذي جرى مطلع الشهر الماضي وشمل حقيبة الطاقة. ولم يستبعد الموقع أن يكون قرار الانسحاب القطري مدفوعاً بعوامل شخصية بحتةٍ لا تفسير عقلانياً لها، من قبيل الحرص على ما وصفه بـ«كرامة شخصية» متوهمة للمسؤولين الذين يمثلون نظام تميم في «أوبك»، قائلاً «إنه لا ينبغي التقليل من شأن التأثيرات السلبية لمسألة الفخر الثقافي في عملية اتخاذ القرار.. فبعد وقت طويل من تبوء مكانة مرموقة (قبل المقاطعة).. أُبْعِدَ الوزراء القطريون من دائرة الضوء». وأكد التقرير أن إيران ستدفع ثمن الخطوة القطرية المفاجئة بالانسحاب، وقال: «سيضع القرار القطري بالتأكيد بعض الضغوط على طهران بدورها»، مُشيراً إلى أن انتهاء عضوية الدوحة سيجعل «نظام الملالي» يفقد «أحد الوكلاء» التابعين له في المنظمة التي تلعب السعودية فيها الدور الأبرز، والتي يتوقع أن تنضم إليها دولٌ مثل مصر وغيرها قريباً للغاية». وشدد على أن اضطرار الدوحة للتخلي عن عضوية المنظمة سيحشر «إيران في الزاوية بشكل كامل»، قائلاً «إن العلاقات السعودية الروسية الآخذة في التحسن تشكل صفعةً أخرى قوية على وجه طهران». وسخر التقرير مما زعمه وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد الكعبي من أن خطوة الانسحاب تستهدف منح الدوحة الفرصة للتركيز على قطاع الغاز الطبيعي، وقال إن السياسات التي تتبعها روسيا فيما يتعلق بقطاع الغاز جنباً إلى جنب مع مصالح الدول التي ستظل أعضاء في «أوبك» يمكن أن تشكل تهديداً قاتلاً للأحلام القطرية على صعيد إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المُسال في المستقبل. وشدد على حماقة تخلي قطر عن عضوية «أوبك»، قائلاً إنه لا يوجد سبب منطقي حقيقي لاتخاذ الدوحة قراراً مثل هذا سيفقدها دوراً كانت تلعبه في المنظمة «وكان يفوق قدراتها الاقتصادية والعسكرية الفعلية». وأوضح الموقع أن مشاركة قطر في رسم استراتيجية «أوبك»، كان يجعلها تلعب دوراً على الساحة الدولية. ومن شأن مغادرتها المنظمة أن تفقد هذا النفوذ، مشيراً إلى أن تحويل النظام القطري تركيزه من «أوبك» إلى مضمار الغاز الطبيعي المُسال، ربما يكون توجهاً عقلانياً من الوجهة الاقتصادية ولكنه قد ينتهي بفقدان قطر أي نفوذٍ جيوسياسيٍ. وأشار إلى أنه «باستثناء الحالة الروسية» لا تمثل الأهمية الجيوسياسية للغاز الطبيعي عاملاً مؤثراً يُؤخذ في الحسبان من جانب القوى الكبرى أو واضعي الاستراتيجيات العسكرية، مؤكداً «أن امتلاك رؤية وقول على طاولة الاجتماعات الوزارية لأوبك، يمنح الدول قدراً كبيراً من القوة». وخلص تقرير «أويل برايس» أن تخلص المنظمة من عضوية دولةٍ مثل قطر، يمكن أن يؤدي إلى إزالة عوامل زعزعة استقرارٍ محتملةٍ من التكتل. وقال إن هناك محاولاتٍ للنظر إلى القرار القطري باعتباره دليلاً على حدوث صدعٍ جديد في «أوبك»، ولكنه أكد أن هذا التقييم يعتمد على افتراضاتٍ خاطئةٍ، ولا يضع في الاعتبار طبيعة المنظمة التي شدد على أن مستقبلها «ليس في خطرٍ، بل ربما يكون هذا المستقبل أكثر إشراقاً مما كان يُتوقع خلال السنوات القليلة الماضية». وأكد في نهاية المطاف أن السعودية وروسيا لن تواجها أي مشكلاتٍ في التعامل مع أي مصاعب قد تنجم عن خروج الدوحة من المنظمة، قبيل اجتماعها الحاسم في فيينا غداً، والذي سيشهد بحث خفض سقف الإنتاج النفطي. من جهتها، كذبت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية ادعاءات قطر بأن انسحابها من «أوبك» لا علاقة لها بالأزمة الخليجية الحالية، ونقلت عن اشلي كيتي محللة أبحاث النفط والغاز في مؤسسة «كانتور فيتزجيرالد أوروبا» قولها «المقاطعة الاقتصادية والسياسية التي تقودها السعودية منذ فترة طويلة ضد قطر تلعب دوراً في القرار». وأشارت الصحيفة إلى أن قطر «لاعب هامشي» في المنظمة، حيث يحاول عدد من الدول الأعضاء التغلب على الإيديولوجيات السياسية المتباينة للاتفاق على العمل الجماعي على إنتاج النفط، ونقلت عن بول هورسنيل، رئيس أبحاث أوبك، ورئيس أبحاث السلع في معهد ستاندرد تشارترد قوله «انسحاب قطر ليس له أي أهمية بالنسبة لتشغيل أو فعالية أوبك كمنظمة». ولسنوات، اعتادت السعودية والكويت والإمارات وقطر وجميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون عقد اجتماع للتنسيق قبل أن يلتقي جميع أعضاء «أوبك» الآخرين، بما في ذلك إيران، لمناقشة أي تغييرات في الإنتاج. لكن منذ مقاطعة الدول الأربع، تم منع قطر من حضور هذه المناقشات التي تتم خلف الأبواب المغلقة. وقال محلل وخبير في مجال النفط، «إن خروج قطر لا يبدو مشكلة كبيرة». وقال الخبير الاقتصادي جاسون توفي من مؤسسة كابيتال إيكونومكس، إنه من الواضح أن قطر لم تحقق أي تقدم ملموس في محاولتها لإزالة الخلافات مع السعودية، وبالتالي تتخذ مثل تلك القرارات والتي تحاول منها التأثير على المجتمع الدولي.
مشاركة :